Monday, December 15, 2003

نصفٌ خيّر

خلال عمر الانسانية الذي يبلغ المكتوب منه قرابة عشرة الاف عام، سجل التاريخ فضائع شتى ارتكبها مخلوق ضعيف تفتك به الامراض وليس له ادنى حماية من تقلبات الطبيعة.. ارتكبها بحق جنسه قبل الاجناس الاخرى.. وظلت البشرية تعاني ويلات الحروب بشكل متكرر وكأنها مسرحية يعاد تقديمها المرة بعد المرة.
وعلى مدى تلك القرون توصل بني البشر الى حقيقة اساسية تتمثل بالتشريع. فالقانون هو الكفيل بحسم الكثير من المنازعات ضمن الحدود المتاحة على الاقل. واختلف التشريع القانوني باختلاف الجماعات التي تضعه. واسست الدول والكيانات التي تستطيع ان تعيش في ظل نفس القانون، وبقيت مشكلة الاقليات مثارا للنزاعات.
ان من يستطلع تاريخ الانسان يعجب للتطور المذهل الذي حققه في كل الميادين.. وكيف استطاع استخدام موارد الطبيعة بما يحقق النفع العام او التدمير الشامل. لقد ارتقى الانسان من رجل الكهوف الصياد الى رجل الصناعة الانيق، دون ان يستطيع ان يرتقي فعلا على نزواته وطبيعته نصف الخيرة-نصف الشريرة.. وظل الفلاسفة وحدهم يعتقدون امكانية طغيان النصف الخيّر على النصف الاخر.
فاذا لم يكن بالامكان ان يكون كل البشر فلاسفة، فليكن ولاتهم كذلك.. لينظر كل راع الى رعيته من زاوية النصف الخير.. وليعملوا على تنميته ورعايته.. فالحقيقة الاخيرة هي ان البشر يميلون الى احدى الجهتين بمقدار ثقلها وليس لرغبتهم فيها.. وهذه هي مسؤولية الحكم.. مسؤولية الارتقاء بالبشرية كما يريد لها خالقها جل وعلا.

Monday, December 08, 2003

ارهاب وترهيب

من الطبيعي ان يكون هناك من يصف اعمال العنف ضد القوات الامريكية بالمقاومة.. فليس من المتوقع ان يوافق الجميع على المتغيرات السياسية التي تحدث على الساحة.
ومن الطبيعي ايضا ان توصف هذه الاعمال بالارهاب كونها موجهة في احيان كثيرة ضد العراقيين انفسهم، او لانها ليست ذات دلالات عملية يمكن ان تؤدي في نهاية الامر الى انهاء الاحتلال. ولقد كان مصطلح (الارهاب) على الدوام يحمل معان مقيتة تعبر في ذاتها عن استنكار شديد للافعال التي تندرج تحت هذه المسميات.
ولكن الغريب ان ينبري بعضهم الى ايجاد معنى مختلف للفظ (الارهاب) باستخدام شواهد قرآنية، ويستنتج ان (الارهاب) في حد ذاته ليس سيئا!! وانه حتى تحت هذه الاسم هو احد الدعامات الرئيسية لقوة الاسلام!!
والاية التي يحتج بها هي قوله تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..) فقد استعمل الباري عز وجل لفظ (ترهبون) بما يدل على حسنه. ولكن فات صاحبنا ان الارهاب غير الترهيب.. فالاول فعل يقوم به شخص او اشخاص لحمل الاخرين على قبول فكرتهم بالقوة.. بينما يدل الثاني على افعال تقوم بها كيانات او دول لمنع الاغارة عليها او الطمع بها. والفرق بين الاثنين واضح رغم وجود معنى استعمال القوة ضمنيا في المصطلحين.. فالاستعداد للدفاع امر ضروري، بينما ليس هناك مبرر لاستخدام العنف ضد من نختلف معهم.
ان محاولة ايجاد معان تجميلية لمصطلح (الارهاب) هو تسويف للحقائق يقصد منه الايهام بان مصطلحي (الارهاب) و(المقاومة) لهما مدلول واحد.. وطالما كانت المقاومة -بالتعريف- جائزة.. فلا بأس اذن بالارهاب!

Monday, December 01, 2003

مقاومة واحتلال

لعل من الامور المستعصية ايجاد تفسير محدد لمعنى المقاومة.. كما يعد مفهوم الاحتلال مفهوما غامضا في حالة العراق خصوصا. والحقيقة ان هذه الكلمات هي كلمات مطاطة تحتمل الكثير من المعاني.
واذا عدنا بالتاريخ الى الوراء نستطيع ان نحدد ثلاثة مفاهيم للاحتلال. فعندما هاجم هتلر بولندا بحجة انها ضمن المجال الحيوي لالمانيا فهذا احتلال واضح بغية الضم.. وحينما احتل هتلر فرنسا واستعبد فلاحيها وعمالها لادامة زخم معارك الحرب العالمية الثانية، فهذا مفهوم اخر للاحتلال يعتمد على استعمار المناطق المحتلة. ولكن ماذا يقال عن حالة احتلال المانيا من قبل جيوش الحلفاء للقضاء على النظام النازي وبناء دولة ديمقراطية لن تكون تهديدا للامن والسلم العالميين بعد ذلك؟
وعليه فقد بقيت صور المقاومة البولندية والفرنسية مشرقة عبر صفحات التاريخ الحديث واصبحت مثلا يحتذى به.. بينما لايكاد يوجد ذكر للعمليات التي قامت بها الفلول النازية بعد سقوط نظام هتلر والتي استمرت قرابة ثلاثة اعوام.. لقد نسيها التاريخ لانها لم تكن الا اعمالا يائسة لاناس فقدوا موقعهم وقوتهم.
وما يقال عن النظام النازي يمكن ان يعد مثالا نموذجيا للنظام الصدامي الذي مارس نفس الاساليب في حروبه وبحجج مماثلة تقريبا، بينما كان تحرير العراق مماثلا لتحرير المانيا.. ومثلما اصبحت المانيا اليوم قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى، فان العراق في قابل الايام سيكون له مثل هذه القدرة، ذلك انه يحمل مقومات الرقي الحضاري التي تجعله مؤهلا لان يكون بؤرة اشعاع في المنطقة والعالم.
وهكذا فان تسمية اعمال العنف التي تجري حاليا بـ(المقاومة) هو من باب اطلاق القول على عواهنه.. وان الاحرى بنا ان نعمل من اجل استقرار هذا البلد المنهك من الحروب والويلات عبر عهود طويلة.. بدلا من اهدار الفرص تحت مسميات لن يذكرها التاريخ الا كاحداث عرضية عرقلت مسيرة العراق الناهض.

Monday, November 24, 2003

قرار صائب

لعل اكثر الاسئلة الحاحا التي تطرح في هذه الايام، وقد تكون اصعبها في الاجابة، تلك المتعلقة بحملة الاعمار المنتظرة، ولماذا لا تبدأ رغم مضي ستة اشهر على سقوط النظام المقبور.. وستجد الكثير من المشاريع التي يتحدث عنها المواطنون في الدوائر والبيوت والمساجد والمقاهي وكلها جديرة بالمناقشة واخذها بعين الاعتبار.. ولكن المؤسف ان هذه الاحاديث لا تجد لها اذنا صاغية، ولا تبدر اية اشارة تنبيء بان تلك الحملة ستكون في تاريخ معين قريب او بعيد.
والحق ان الاجابة المعتادة بان حملة الاعمار مرتبطة باستقرار الوضع الامني لم تعد تقنع الكثيرين، خصوصا وان هناك تدهورا ملحوظا في الحالة الامنية نتيجة التدخل الخارجي على ما يبدو.
فاذا قدر للهجمات الارهابية ان تستمر لفترة طويلة -كما تتوقع لها سلطات التحالف- فان ما يمكن ان يتحقق من اصلاح البنية التحتية واطلاق لمشاريع الكبرى ودفع عجلة التقدم نحو الامام، كل ذلك لا يعدو ان يكون امنيات تعود الشعب العراقي عليها خلال عقود من الزمن.
واذا كانت تلك الهجمات تأول عادة بمحاولة عرقلة مسيرة الديمقراطية في العراق، فالاولى ان لا يسمح لها بتحقيق مآربها، بل على العكس من ذلك.. اذ ينبغي الاسراع بالعمل الجدي في بناء عراق ديمقراطي متوافق مع عراق متقدم تقنيا.. وليس بالضرورة الاعتماد في ذلك على الخبرات الاجننية، طالما كانت هذه الخبرات تخشى المغامرة، فلدى العراقيين الكفاءة والمقدرة والثروات التي تمكنهم من بناء بلدهم كما ينبغي له ان يكون.
فيا اولي الامر في مجلس الحكم.. بادروا الى اتخاذ قراركم واتخذوا الامور على عاتقكم.. فلقد قيل قديما (ما حك جلدك مثل ظفرك) وكان هذا القول دائما صائبا.

Monday, November 10, 2003

يوم التفجير!!

اعتبارا من منتصف نهار احد ايام شهر اب عام 1998 وحتى حلول المساء، خلت الشوارع في معظم المدن العراقية من المارة والسيارات، واغلقت المحال التجارية ابوابها، وبدت هذه المدن كأنها مدن اشباح.. والسبب كان (كسوف الشمس). بينما كانت تقام -في نفس الوقت- احتفالات في اماكن اخرى من العالم لهذا الحدث الذي قد لا يتكرر في حياة المرء.
ولكن السبب الحقيقي في الرعب الذي اصاب الناس ودفعهم الى ملازمة دورهم كان الاشاعات الموجهة التي بثت بشكل منظم ومتعمد واقنعت اغلب الناس ان مجرد النظر الى قرص الشمس اثناء الكسوف يؤدي الى العمى.. ولا احد يتحدث عن الوقاية من الرؤية المباشرة بالنظارات الخاصة او الواح التصوير السالبة او غيرها من الوسائل التي تحمي العين وتسمح بالتمتع بمشاهدة آية كونية فريدة.
والذي دفعني اليوم لتذكر هذه الحادثة، تلك الاشاعة التي راجت قبل ايام حول (يوم التفجير) او (يوم المقاومة) والتي تجد كل شخص يتحدث عنها وكأنها امر محتوم، بل تناقلته القنوات الفضائيات العربية بصيغة الخبر المؤكد، دون الالتفات الى حقيقة بسيطة.. ان من يريد تنفيذ عملية ما فان اول ما يرغب فيه هو مفاجأة الهدف.. وليس تنبيهه!!
نعم ان الاشاعة كانت سلاحا بيد النظام المقبور، ولازالت سلاحا بيد اذنابه.. واذا سمحنا لها ان تستشري دون إعمال الفكر وامعان النظر فاننا بلاشك ننفذ لهم مأربهم في ترويع الاهالي وتأخير عجلة البناء والتقدم.. فحذار ايها الشعب المبتلى.. حذار من الاشاعات ومن مروجيها فانها الوسيلة الاكثر تدميرا.

Monday, November 03, 2003

انتحاري.. ارهابي

لا ادري ما الذي يدفع الانتحاري الى ان يفجر نفسه في سيارة مفخخة مؤديا بذلك الى هلاك العديد من الاشخاص الابرياء وتخريب الممتلكات.. لا ادري كيف يسعى بعض الناس الى فرض منطقهم على الباقين باي وسيلة.. وهل تأمل هذا النفر الضال بمآثر السلف الصالح؟
لقد خرج الامام الحسين عليه السلام ثائرا في ثلة من اصحابه، وهو يأمل ان يلقى تأييد من ارسل اليه طالبا النجدة.. ولكنه خـُذل حين التقى الجمعان في وادي الطف، فهل كان الحسين انتحاريا؟ كلا.. لقد قال للجيش العرمرم الذي اعد للقائه: (ان كرهتموني فدعوني..) ولو فعلوا لما كانت كربلاء..
ولا يذكر التاريخ -كما اعلم- واقعة لاناس القوا انفسهم في التهلكة بداعي الحفاظ على الدين.. خاصة مع مبدأ (التقية) الذي يعتقد بوجوبه معظم المسلمين وان اختلفوا في التسمية. ذلك لان النفس الانسانية عزيزة ولا يجوز هدرها، والمجال الوحيد للتضحية بالنفس هي ساحة الوغى دفاعا عن الدين او الوطن او العرض او الكرامة..
وهكذا فان الانتحاري ليس مجاهدا.. وان زين له ذلك من يدفعه لمثل هذه الاعمال الخبيثة، ولا يقدم خدمة لدينه، بل يضره افدح الضرر.. كما انه ليس وطنيا، حيث لا يقتل المرء مواطنيه مهما كانت الاسباب.. فماذا تبقى غير لفظ الارهابي وصفا له؟ انه بالتأكيد الوصف المناسب لاناس يرفضون التسليم بحقيقة انهم لا يستطيعون اقناع الاخرين الا باجبارهم بالقوة على الاستماع لهم.. وليست تلك بالتأكيد الطريقة المثلى‍.

Monday, October 27, 2003

شارع الموكب

درج النظام المقبور على اطلاق تسميات تمجد شخص (القائد) على الاحياء السكنية والمدن والجسور والمستشفيات والمدارس..الخ. ولم يكن هناك من اثر لرغبة الشعب من سكنة هذه الاحياء او المدن في اختيار الاسم الذي يرتضون.
واليوم بعد ان ذهب هذا النظام المستبد الى غير رجعة بدأ الناس يختارون اسماء يطلقونها على احيائهم ومدنهم ومدارسهم، حسب رغبتهم كما يبدو في الظاهر. ولكننا نجد ان اطلاق المسميات اتخذ منحا موحدا، وان كان مناقضا للسابق. وليس من ذكر للاحداث العظيمة التي صنعت حضارة الشعب العراقي.. ولا للاسماء التي تزرع الامل في المستقبل.
من ناحية اخرى فان الرموز الدينية العظيمة لم تغب عن مسميات النظام السابق، فهناك شارع الامام علي وحي الحسين على سبيل المثال.. والكل يعلم انها محاولات لاستمالة الرأي العام واقناعه بان النظام يهتم لامرهم وعقائدهم دون ان يفعل شيئا على ارض الواقع يثبت ذلك.
فهل سنتتبع خطى نظام صدام المقبور ونتخذ من التسميات دليلا على العمل؟ ان شر ما يمكن ان يفعله المرء هو الانتقال من تطرف الى تطرف مناقض، والفضيلة دوما في الاعتدال.
وبهذه المناسبة فانني اقترح وسيلة لاطلاق التمسية.. بالنقاش عبر وسائل الاعلام، ومنها (عشتار). وسأفتتح ذلك باقتراح اسم (شارع الموكب) على ما كان يسمى (شارع علي عجام) في مركز مدينة الحلة. ولا يخفى ماكان من اهمية شارع الموكب في الحضارة البابلية والطقوس التي كانت تقام سنويا والتي شدت انتباه العالم القديم اليها وكشفت عن حضارة ساهمت في صنع التاريخ الانساني.

Monday, October 20, 2003

حدود وحدود

كثر في الاونة الاخيرة الحديث عن مراقبة الحدود مع الدول المجاورة، خصوصا بعد الهجمات الانتحارية المتكررة التي استهدفت بالدرجة الاولى المواطنين الابرياء.. والحق ان حماية حدود العراق يجب ان يكون من اولويات سلطات التحالف ومجلس الحكم، وربما كان اول واجبات الجيش الجديد.
ولكني اتساءل لماذا لا تسعى الدول المجاورة الى حماية حدودها مع العراق، اذا كانت تهتم فعلا بمصلحة الشعب العراقي؟ خاصة وان هذه الدول تملك جيوشا منظمة وادارات مركزية واجهزة استخبارات؟ بيد ان الكل يعلم ان الحدود التي يجب مراقبتها هي الحدود مع ايران المسلمة، وسوريا العربية المسلمة.. اي ان الروابط العرقية والدينية بينهما وبين الشعب العراقي تتجذر عمقا في التاريخ.
ومن ناحية اخرى فاننا لا نخشى من تسلل عبر الحدود الكويتية، تلك الدولة الصغيرة التي اراد التهامها صدام، والتي اثبتت انها الوحيدة التي تقف الى جانب العراقيين بتقديمها الدعم غير المحدود لعملية تحرير العراق.. ولا من تركيا التي قدمت هي الاخرى بعض التسهيلات.
كما اننا لا نخشى من التسلل عبر الحدود السعودية التي اعلنت قبل ايام اعتقالها اربعة من مواطنيها لمحاولتهم التسلل الى العراق.. او الاردن الذي تعوّد خشية العراقيين قبل الخشية عليهم.
ان الارهاب سلاح ذو حدين، ومن يرعاه فسرعان ما سينقلب عليه، لانه مجرد عن المباديء والاهداف السامية، فهو ليس نضالا ولا جهادا.. وان من يدفع لهذه الاعمال تاجر يتلهى بصرف امواله على الموبقات دون اكتراث، وعليه في النهاية مواجهة الخسارة اليوم.. ومساءلة التاريخ غدا، والحساب الالهي اخر الامر.. وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

Monday, September 22, 2003

دموع الرائد بينيت

قبل فترة وجيزة صدر امر للقوات الامريكية المتواجدة في محافظة بابل بالانسحاب لتحل محلها قوات بولندية. وقد انتقد الكثيرون هذه الخطوة، ليس لعدم ثقتهم بالقوات البولندية، ولكنها الطبيعة البشرية بالتخوف من كل تغيير، ولما لمسوه من حسن التعامل والتنظيم والسيطرة على مجريات الامور الذي تميز به الضباط والجنود الامريكيون.
وعلى هذا فقد جرى توديع القوات الامريكية باحتفال رسمي، وقام بعضهم بالذهاب الى مكاتب العراقيين وتوديعهم والتقاط الصور التذكارية وتبادل الامنيات بالخير والسلامة للجميع. ومن بين هؤلاء اذكر الرائد بينيت المسؤول القانوني في قوات التحالف. فقد شاهدته يصافح ويعانق بعض الاخوة العراقيين الذين عملوا معه او كانت لهم معرفة وثيقة به.. حيث بادره احدهم بالقول: نحن سعيدون لاجلك لانك ستعود الى وطنك، وان كنا غير سعيدين بمفارقتكم. وهنا اخذت الرائد بينيت عبرة فسكت هنيهة ثم شبك يديه وقال في حسرة والم واضحين: لست عائدا الى اهلي، بل نحن ذاهبون الى الفلوجة.. ثم القى نفسه على اقرب كرسي.. ولما نظرت الى عينيه وجدتهما اغرورقتا بالدموع..
فهل كانت دموع الرائد بينيت خوفا؟ لا اعتقد.. فهذا المقاتل الذي خاض معارك طاحنة قبل شهور قليلة لا يمكن ان ان يكون جبانا. والارجح انه كان معترضا على الانسحاب لانه يرى انه لم يكمل عمله في محافظة بابل. فقد كان له دور اساسي في تنظيم عمل المحكمة وانشاء المجلس البلدي بالاضافة الى واجبات اخرى. فاذا كانت تلك الدموع تحية، فقد ردت هذه التحية عينا سيدة عراقية احتضنت احشائها جنينا، يبشر مولده بالمستقبل المشرق للعراق الجديد.
فتحية لك ميجر كريك بينت، مقاتلا ساهم في تحرير العراق، وتحية لك محاميا عمل بجد واخلاص من اجل بناء العراق الجديد، وتحية لك انسانا لم يخجل من اظهار خلجات قلبه، وليحمك الله ويعيدك سالما الى بيتك ووطنك.

Monday, September 15, 2003

معادلة ذات طرفين

من المؤكد ان استقرار الامن في اي مكان هو شرط ضروري لسير الحياة بشكل طبيعي.. وليس العراق استثناء من ذلك. ولكن.. هل هناك معيار يمكن الاستناد اليه في تقييم مستوى الامن؟
قد تكون الهجمات ضد قوات التحالف، وعمليات التفجير لمقرات المنظمات العالمية والمشآت المدنية الاخرى، بل الهجمات ضد قوات الشرطة العراقية وبعض الرموز الوطنية، قد يكون كل ذلك اشارة الى مستوى منخفض من الامن. ولكن.. اليس هناك تفجيرات في اماكن اخرى من العالم، منها النامية ومنها المتقدمة؟ اليس بعض هذه الهجمات يحدث في بلدان تملك جيوشا وقوات شرطة وتقنية عالية في كشف وتتبع العمليات الارهابية؟ فهل قال احد انها بلدان خطرة؟
استطيع القول ان المستوى الامني جيد في العراق قياسا بالامكانيات المتاحة حاليا لقوات حفظ الامن، بل وحتى قياسا الى ما يمكن ان يكون عليه بلد انهار نظامه الامني فجأة.. وذلك تعبير دقيق عن طبيعة العراقيين، فهم شعب طيب مسالم يحب الخير، ابتليَ بزمرة فاسدة جثمت على صدره واستطاعت بجهد كبير كسب ثلة من الانصار هم بالذات من يقلق امن هذا البلد ويعيق تقدمه.
وعلى هذا فان احتجاج البعض بان العراق غير آمن، وبالتالي فانه غير مناسب للاستثمار، غير مَبن ٍ على اساس.. بل اننا نرى العكس، حيث ان قدوم الاستثمارات الاجنبية سيعمل على ايجاد حل لمشكلة البطالة والمساهمة في توفير الخدمات الاساسية واعادة تأهيل البنية التحتية، جنبا الى جنب مع انشاء المشاريع الجديدة التي ستؤدي الى الازدهار الاقتصادي والثقافي.. وهذا كله سيمتص النقمة الناجمة عن البطالة وقلة الخدمات التي قد تدفع البعض الى سلوك طريق غريب عن تربية العائلة العراقية.. وكل ذلك يصب في تحقيق الاستقرار والامن للعراق. فهي اذن معادلة بين طرفين: الامن والاعمار.. وان تحقيق ايا منها سيحقق الاخرى بالتأكيد.

Monday, September 08, 2003

حي على الجهاد

لاشك ان حادث الاعتداء الاثم على سماحة اية الله محمد باقر الحكيم قد شكل صدمة كبرى، ليس للعراقيين وحدهم، بل للعرب والمسلمين والعالم اجمع. ذلك ان الفاجعة وقعت في مكان وزمان مقدسين واستهدفت شخصية دينية وسياسية وصفها الكثيرون بـ(المعتدلة).
وليس ادعى من هذا الاعتداء على التساؤل عن مدى نجاعة الاحتياطات الامنية، سواء ما يتعلق بكبار الشخصيات او المنشآت الحساسة، وحتى المواطنون العاديون.. هذا التساؤل الذي سبق وان طرح عقب تفجيرات السفارة الاردنية ومبنى الامم المتحدة في بغداد.. فهل اصبح العراق مسرحا للفعاليات الاجرامية، وهل سيُجر البلد الى حرب اهلية؟
اما الحرب الاهلية فلا، لان شرطها الرئيس غير متوفر، ولا نعتقد توفره في قابل الايام. وذلك الشرط هو الاختلاف العرقي او المذهبي الذي اذهب رشده التعصب الاعمى.. فالعراقيون كانوا ولازالوا وسيبقون الى ما شاء الله، شعب يحتكم الى العقل، ويجنح الى السلم.. ولم تشكل اختلافاتهم المذهبية او العرقية الا سمة للتكامل وتجسيدا لوحدة وطنية حريّ ان يُتثمل بها.
واما الاحتياطات الامنية فعليها ان تأخذ درسا بليغا من هذه الوقائع الاليمة.. فقد قالوا قديما (ماحكّ جلدك مثل ظفرك).. فاذا اراد العراقيون ان ينعموا بالامن فعليهم ايجاده بانفسهم، وليس بالقاء التعبات على اية جهة، مهما بلغت قوتها. فلسنا نعلم في اي وقت سيتخلى عنا من نطلب حمايته -وذلك واقع لامحالة- وعندها لن نجد حماية من غريب او قريب. علينا ان نثق في شرطتنا الوطنية، ونشجعها، ونساعدها.. وربما ادعو الى التطوع للعمل معها واصف هذا العمل بالجهاد.. واي جهاد خير من حماية ارواح واموال وامن المسلمين.. ذلك الجهاد الذي سيفضي بالعراقيين الى املهم المنشود.. الحرية.

Monday, September 01, 2003

مقارنة عقيمة

بين الحين والاخر يطالعنا بعضهم بمقولة (لم يتغير شيء.. صدام لازال موجودا). ولاشك ان الكثير من السلبيات التي كانت موجودة في العهد البائد، لازالت موجودة. فالكهرباء والماء الصافي والمجاري والوقود والخدمات البلدية والبطالة المستشرية بين الشباب هي بحق مشكلات مهمة وتمس حياة المواطنين، خاصة اذا اضيف اليها عنصر الامن.. ولن يكون الاحتجاج بان هذه السلبيات كانت موجودة او لها اساس في النظام السابق مقنعا للكثيرين، لانهم يعتقدون انه لم تكن هناك مشاكل حقيقية، وانما كانت مفتعلة لازعاج المواطنين وشغلهم عن ممارسة دورهم الوطني في التصدي للدكتاتورية.. وفي هذا ايضا كثير من الصحة، ولكن ليس الحقيقة كلها.
لقد عمد النظام الصدامي الى اهمال كافة مرافق الحياة بشكل خطير، غير انه كان يمسك مفاتيح الامور، ويستطيع احداث بعض التحسين ان شاء. وقد لعب لعبته هذه للضغط على دول العالم من اجل رفع العقوبات المفروضة عليه، ليتسنى له رفد ترسانته العسكرية على حساب معاناة الشعب العراقي. فان اضيف الى ذلك ما يصيب المنشآت الحيوية من اضرار جسيمة نتيجة اعمال التخريب والنهب التي يقوم بها اذناب هذا النظام المقبور كانت الحصيلة وضع غاية في الصعوبة، يحير القائمين على صيانة واصلاح هذه المنشآت.
ان المقارنة بين فترة حكم صدام وزبانيته وبين الفترة التي تلتها، انما هي مقارنة عقيمة، فليست اربعة شهور كمثل خمس وثلاثين عاما، وليست الحرية والديمقراطية كالتعسف والاستبداد والحكم الفردي، وليست المساواة واتاحة الفرص للجميع كالتفرقة والعنصرية والتمييز الطائفي.. لقد كانت هناك مشاكل قبلا ولازالت هذه المشاكل موجودة الان.. والفارق ان الشعب كان يائسا وليس له دور في حلها.. واليوم فان الكثير من ابناء هذا الوطن يحدوهم الامل لبناء حضارة متميزة في المنطقة وليس فقط حل مشكلات آنية وان كانت اساسية.. وهم يفخرون بانهم يشاركون في هذا العمل الشاق الدؤوب.

Monday, August 25, 2003

مسؤولية تاريخية

منذ اقدم العصور، كان الناس بحاجة الى القانون لينظم شؤون حياتهم اليومية ومعاملاتهم وحقوقهم وواجباتهم. كما ان كل المجتمعات حتى البدائية منها اتفقت على ضرورة وجود سلطة قادرة على فرض القانون والا فانه سيتحول الى مجموعة من النصوص على الورق ليس لها اثر على ارض الواقع.
وتعد الحاجة الى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، اهم متطلبات المجتمع، ذلك انه مهما كان المجتمع متمدنا ومتحضرا، ومهما كانت اصوله العقائدية وتربيته الفكرية، فانه لا يخلو من بعض الافراد الذين لن يقتنعوا بأخذ حقهم، بل يسعون الى الحصول على (حقوق) مضافة، حتى وان كان على حساب المجتمع ككل.
ان السلطة القضائية هي المعنية بالفصل في الحقوق، ويؤشر مقدار نجاحها في عملها مستوى العدالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية، وهو ما يعود على المجتمع بالامن والاستقرار، وان كانت السلطة التنفيذية هي المعنية بتحقيق ذلك. ومن ناحية اخرى فان غياب السلطة التشريعية يمكن ان يعرقل مسيرة المجتمع ولكنه لا يمكن ان يمنعها.
ولهذا فاننا نجد من الضروري -حتى في غياب السلطتين التشريعية والتنفيذية- ان تقوم السلطة القضائية باعمالها على اكمل وجه لانها امام مسؤولية تاريخية، وربما تقع على عاتقها -الان اكثر من اي وقت اخر- مسؤولية الحفاظ على الامن وذلك بانزالها العقاب بحق المجرمين بدلا من التسويف والتعطيل والاحتجاج بالخوف من الانتقام.. ونحن واثقون ان قضاتنا احرار ومسؤولون ولاتأخذهم في الحق لومة لائم.

Monday, August 18, 2003

انا واخي وابن عمي

تطالعنا بين الحين والاخر فبركات اعلامية من بعض القنوات الفضائية العربية، تتخذ شكل الخبر حينا، والتقارير الصحفية احيانا، اخرى للتأثير على المشاهد، والايحاء اليه بان العراق يغرق في بحر من الفوضى، وانعدام الامن، وتردي الخدمات الاساسية.. حيث يجري تضخيم حوادث منفردة في اماكن متفرقة دون تمحيص لمعرفة الاسباب والدوافع -التي قد تكون فردية محضة- بل يتم تصويرها على انها اعمال شعبية و(مقاومة وطنية).
انها مشكلة عصية، مشكلة الاعلام العربي.. فعلى الرغم من كل التطور التقني والتنقل السريع للمعلومات والاحتكاك مع الثقافات العالمية الاخرى، لم يستطع هذا الاعلام الخروج من دائرة (انا واخي على ابن عمي ونحن جميعا على الغريب).. لم يستطع ان يكون موضوعيا. حتى انه قد يتخذ موقف الوصاية على الشعب العراقي، فاخذ يطلق الاوصاف على الاحداث كما يريدها ان تكون وليس كما حصلت فعلا.
ان هذا المنهج لا يخدع الشعب العراقي، الذي لم يقف معه يوما معظم القائمين على وسائل الاعلام العربي، هؤلاء الذين مجدوا شخص (القائد الضرورة) ورفعوه الى (بطل قومي) لاسباب عديدة لم يغـب عنها العامل المادي.. ولكن ما نشعر به من اسف هو للمتلقي العربي الذي لم يكن سهلا عليه التحري عن حقيقة الامور، وبالتالي اصبح ضحية لهذا التضليل.. مما احدث هوة آخذة في التنامي بين الشعب العراقي واشقائه العرب.. وما احوج العراقيون اليوم الى رأب الصدع وجمع الكلمة ولم الشمل مع جيرانهم واشقائهم.

Monday, August 11, 2003

نية حسنة

عرضت احدى المحطات التلفزيونية الفضائية العربية مؤخرا وثيقة قالت انها بخط يد الرئيس المخلوع صدام حسين، وانها تحققت من صحتها، يوجه فيها امرا الى كبار مساعديه ابان انتفاضة 1991، باستعمال خدعة لقمع هذه الانتفاضة، وذلك بالقاء بيان مكتوب يهدد سكان المدن الثائرة باستعمال الاسلحة الكيمياوية ضدهم، وبررت الوثيقة هذا الاجراء برغبة صدام في اخماد الحركة الثورية باقل ما يمكن من خسائر مدعيا انه يتصرف بـ(نية حسنة) تجاه الشعب العراقي.
ان ما يهمنا في الموضوع هو الطريقة التي تعرض بها مثل هذه الوثائق، والتي يراد بها تجميل النظام السابق.. حيث تساءل مقدم البرنامج عن حقيقة استخدام الاسلحة الكيمياوية في قمع الانتفاضة، او حتى استخدامنها من قبل في (حلبجة).
ونحن نقول.. نعم ان الشعب العراقي يعلم حقيقة البيان الذي القته الطائرات العمودية على المدن، وانه كان مجرد خدعة.. ولكنه ما كان يملك الا ان يصدقها.. فقد استخدم صدام وزبانيته الاسلحة الكيمياوية في حربه مع ايران وفي مدينة (حلبجة) العراقية الكردية، الامر الذي دفع مجلس الامن الدولي -في حينها- الى اصدار ادانة واضحة لهذا النظام.. ولو ان استخدام الاسلحة الكيمياوية لم يكن حقيقة في السابق لما كان للتهديد باستخدامها اثر.
ولكن اليس هذا التهديد هو جريمة بحد ذاته؟ الا يعد التهديد باستخدام اسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين ترويعا لهم، يعدل استخدامها فعلا؟ الم يؤد هذا التهديد الى تشريد الملايين من العراقيين الى المناطق النائية والدول المجاورة؟ ثم ماذا فعل جيش صدام (المنتصر) بعد هذه الخدعة (العبقرية) التي اريد بها حقن الدماء؟ الم يدخل المدن الامنة بالدبابات والمدرعات؟ الم يعتقل من تبقى من رجال، وربما نساء وشيوخ واطفال، ليجعلهم هدفا لانتقامه المريض، كما شهدت على ذلك المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها؟ الم ينهب هذا الجيش (ذي النيات الحسنة) المحال التجارية والدور السكنية التي اضطر اصحابها الى الفرار خوفا من هذا التهديد (الخدعة)؟

Monday, August 04, 2003

المجاملة الاخيرة

واخيرا وبعد طول انتظار وترقب تشكل في بغداد (مجلس الحكم) وهو الصيغة التي يفترض ان تؤدي الى حكومة وطنية. واذا لم يكن بالامكان مناقشة كيفية اختيار اعضاء المجلس ولا صيغة التوزيع الطائفي ولا صلاحيات المجلس مقابل الحاكم المدني الامريكي.. فلابد من مناقشة ما يمكن ان يحصل عليه الشعب العراقي من هذا المجلس.
ان اول القرارات التي اصدرها المجلس يعكس طبيعته، فقد قرر ان يكون يوم 9/4 اليوم الوطني للعراق. لقد كان يوم تنصيب صدام حسين (17/7) يوم العراق الوطني والان اصبح يوم سقوطه هو اليوم الوطني. وكأن تاريخ هذا البلد العريض يخلو من اية احداث سوى ما يتعلق بصعود وسقوط صدام حسين. بل ان شبح صدام سيبقى يتردد كل عام: 9/4 اليوم الوطني، يوم سقوط الطاغية!
لكن علينا الاعتراف ان الفضل في سقوط صدام انما يرجع الى قوات التحالف، واذا كان المجلس المعين من قبل هذه القوات عليه ان يقر بهذا ايضا، فلابد ان يبدي لغة للمجاملة، وما الضير في ذاك؟ ليس في ذلك بأس. ليكن اليوم الذي يرضى به الجميع، ولكن لتكن هذه المجاملة هي الاخيرة اذا اريد لهذا المجلس ان يحظى بثقة ودعم الشعب العراق وليس دعم قوات التحالف فقط. ان مصدر السلطة ينبغي ان يكون من الشعب وان كانت القدرة متوفرة الان لغيره.. ففي النهاية حينما تسود الديمقراطية كما يرجو المجلس فسيحاسب اعضاؤه وفقا لمنهج الخطأ والصواب وليس منهج الغايات الانية والضرورات المرحلية، وعلى مجلس الحكم ان ينظر في النهاية الى حكم الشعب وليس الى رضا الحاكم المدني.

Sunday, May 25, 2003

في الميزان

لاشك ان النظام المقبور كان يهدف من خلال سياساته الرعناء، تحطيم بنية المجتمع العراقي، وروحه وطموحاته، وانه استخدم كافة الوسائل المتاحة لتفريق وحدة الصف الوطني، وتصنيف المجتمع الى فئات وطوائف، متخذا مواقف ثابتة اتجاه افراد وتجمعات معينة، في الوقت الذي كان يغير مواقفه السياسية بشكل يبعث على الدهشة.
ومن تلك الوسائل استخدامه لحزب البعث كاداة قمعية تتظاهر بالمبدئية وتتصرف في الواقع لتكريس عبادة شخصية (القائد الضرورة)، ومن كان يريد الارتقاء في المناصب الوظيفية، وبالتالي الحصول على رواتب عالية، فعليه الارتقاء في المناصب الحزبية، التي لم تكن الكفاءة شرطا اساسيا لها، ان لم نقل ان الكفاءة غير مطلوبة اصلا، فقد شهدنا قاطع تذاكر يصبح (امين سر فرع) ومستخدما في الاتصالات يصبح (عضو قيادة).
ومن الوسائل الاخرى المعروفة اجهزة الامن والمخابرات والاستخبارات والامن الخاص ومنظمة (فدائيو صدام) ومنظمات اخرى علنية وسرية. غير ان اخطر تلك الاستخدامات، كان لجهاز الشرطة الوطنية. اذ عمد الى افقار افراد الشرطة ماديا، ودفعهم اما الى العمل بعد الدوام، وهو ما لم يكن متاحا لاغلبهم، او للسعي الى الحصول على ارزاقهم من الناس العاديين مستخدمين سلطتهم. وادت هذه السياسة الى تفشي الرشوة، تنخر هذا الجسم الحيوي، وتبعده عن ممارسة دوره في مكافحة الجريمة، حتى ان بعض الجرائم التي تكشفت قام بها منتسبو هذا الجهاز، اي كما يقول المثل الشعبي (حاميها...).
واليوم، بعد حصول التحول الديمقراطي، لا نستطيع بجرة قلم ان نشطب كيانات كاملة، على اساس انتماءاتها السابقة، وليس على اساس افعالها السابقة. وذلك ليس دفاعا عن البعثيين او عن افراد الشرطة، كما ان الجمع بينهما (في هذا الحديث) لا يعني انهما حالة واحدة، ولكن لان الاضواء مسلطة الان على هاتين الفئتين، اللتين تشكلان اجزاءا من مفاصل المجتمع التي لا نود ان نراها تتفكك لمجرد شبهات، او نزوات، او تصرفات فردية، او نتيجة روح اجرامية تخريبية، تعمل على استغلال الظرف من اجل اشباع ساديتها.
نعم.. يجب ان يُقدم كبار البعثيين الى المحاكمة، ولكن لا يجوز باي حال الاعتداء عليهم وتخريب مساكنهم وتشريد عوائلهم، اذ ان كل ذلك انما يعني ضياع الحقوق للمتظلم، الذي سيتحول الى جلاد يتولى تطبيق القانون بنفسه، وهذا امر مرفوض تماما. وهي فوضى عارمة، وفتنة ضارية، لا يأمن فيها احد.. بل اسميها ارهابا، لان كل عمل فردي او جماعي يتم خارج القانون وبدون تقديم الادلة الثبوتية، وبدون منح حق الدفاع عن النفس، انما هو ارهاب.
من ناحية اخرى، يجب وضع الثقة بجهاز الشرطة، الذي يريد جادا ان يتخلص من اثار التركة الصدامية، وعلينا ان نتذكر ان معظم دوائر ومؤسسات الدولة تعرضت الى ظروف مماثلة لتلك التي عانت منها اجهزة الشرطة، وانهم -اي الشرطة- ان اصبحوا في واجهة المدفع، فذلك لانهم الوحيدون الذين يواجهون الاختبار في الوقت الحاضر.
وعلينا ان لاننسى ان جهاز الشرطة قدم شهداءً في هذا الظرف من اجل حماية امن المواطنين وان عناصر جديدة تنضم يوميا الى صفوفه، وما ذلك الا ادراكا وطنيا للدور الريادي لهذا الجهاز، الذي لايستطيع ان يكون فاعلا بدون دعم حقيقي من الشعب. وندعو مواطنينا الاعزاء الى احترام دور الشرطي ومنحه الفرصة الكاملة لاثبات وطنيته التي لانشك لحظة فيها.

Sunday, May 18, 2003

الخروج من زنزانة صدام.. الى اين؟

لا احد اليوم يبكي على نظام الطاغية المخلوع، باستثناء ثلة من المنتفعين الذين فقدوا مصدر عيشهم بزوال النظام، نعم لا احد يتمنى عودة النظام البعثي الفاسد الى سدة الحكم، رغم حالة عدم الاستقرار الامني، لان الجميع يدرك ان هذه الحالة انما اوجدها صدام باختفائه اللامسؤول، هو وزمرته البغيضة، وانه تصرف كما لو كان (يحتل) العراق، وليس (يحكمه).
ورغم ان البعض يعتقد ان قوات التحالف هي قوات (تحرير)، الا ان اعدادا متزايدة من المواطنين بدأت ترى تواجد هذه القوات على ارض الوطن العزيز هو بالفعل (احتلال)، غير انه احتلال فريد من نوعه.. اذ يكاد يكون الصمت حياله حالة عامة، رغم بعض المظاهرت التي خرجت منددة به باديء الامر، ونحن نرى انها انما ارادت ايصال صوت منظميها واظهار نفسها على الساحة، اكثر من كونها بدافع وطني محض.
غير ان هذا الصمت لا يجب ان يفسر على انه رضا، اذ ان عدم التحرك فعليا لازالة الاحتلال الامريكي قد يكون ناشئا اساسا عن الاعتقاد بضرورة آنية لتواجد هذه القوات.. سيما وان الجيش العراقي منهار تماما، ويحتاج اعادة بنائه وتقويمه الى فترة غير قصيرة، فمن الذي سيتولى حماية العراق من الاطماع الاجنبية؟ علاوة على الشعور السائد بان العراق استبدل احتلال الطاغية المستبد بالاحتلال الامريكي الاخف وطأة -حتى الان- بل ان اننا نلمس ضرورة في حماية الامن الداخلي ايضا.
ان السياسة الامريكية كما تبدت لنا تسير على وفق منهج محدد، وانهم لا يتركون الاشياء تحدث بالصدفة. لذلك تطرح تساؤلات كثيرة عن سبب عدم تشكيل حكومة وطنية -ولو مؤقتة- لحد الان، وعدم السعي الجدي لحل المشاكل المتعلقة بالخدمات الاساسية، وبعضها يصل الى درجة خطيرة من التردي، فما هي الخطة الامريكية؟
نعرف ان القوات الامريكية تسعى لاقامة قواعد عسكرية على ارض العراق، ولايتوقع اعاقة بناء هذه القواعد طالما لا توجد حكومة تحاول الحد من هذا التصرف الاحادي، وطالما كان الشعب منهمكا في حماية امنه بنفسه، وفي تحصيل لقمة العيش بصعوبة بالغة، وفي السعي خلف قنينة غاز او صفيحة بنزين، وهنا نلمس تجدد الاساليب البعثية القديمة.
لذلك فاننا ندعو الى تشكيل حكومة وطنية باسرع وقت، وان تتوقف القوات الامريكية عن التصرف بارض العراق بالطريقة التي تحلو لها، وان اية مشاريع لاقامة القواعد يجب ان تحظى بموافقة العراقيين انفسهم، وان لا يتولى احد اتخاذ القرارات عنه.. وذلك ليس جحدا تجاه الامريكان، وانما تثبيتا للكرامة الوطنية، فليس ما يطمح اليه الشعب العراقي، الخروج من زنزانة صدام الى سجن امريكا، مهما كان فارها.. فالحرية لها معنى واحد، ولا يجوز ان يمن احد على العراقيين، لانه انتقاض لن يقبلوا به.

Sunday, May 11, 2003

الديمقراطية.. الامل والعمل

ها قد تحققت للشعب العراقي حريته، بعد ان اخذ اليأس من التحرر مأخذه في قلوب البعض، وبعد ان عانى الكثيرون من ابناء الشعب من ويلات النظام البعثي المتسلط، ومن جوره وظلمه اللامحدود، والذي لم يشهد له العصر الحديث مثيلا.
نعم لقد تحققت الحرية في غفلة من الزمن، لم يكن يتوقعها اغلب المتتبعين قبل اشهر قليلة فقط، فكانت مفاجأة، سارة بكل تأكيد، حملت معها اشكال الفرح الشعبي، ولكنها مع الاسف حملت بعض اشكال الفوضى ايضا، وكأن هذه الفوضى هي رد الفعل الغريزي على سنوات الكبت والحرمان التي مرت على الشعب العراقي.
والسؤال الذي يلح الان: الى متى تستمر هذه الفوضى، وهل خرجت الان عن دائرة رد الفعل الى الفعل المنظم؟ الحقيقة ان الجواب على هذه التساؤلات غير يسير. فمن جهة ان اعمال السلب والنهب التي حدثت (والتي لا زالت تحدث) لم يقم بها الا اناس ضعاف النفوس، او انهم من اتباع النظام السابق لتأكيد الحاجة اليهم، او اناس نفسوا عن كبتهم بطريقة يشعرون فيها بالحرية المفقودة.
ومن جهة اخرى، قد لا تخلو هذه الاحداث من تدخل خارجي، ربما لاسباب تاريخية، او ثأرية.. الخ، وهي جهات لها طريقتها في اثارة البلبلة والفوضى، لاحراج قوات التحالف، وادخال العراق في دوامة من انعدام الامن والاستقرار، وتقليل فرصه في التقدم والازدهار، وبالاخص احلال الديمقراطية بين ربوعه، حيث ان هذه المفردة تثير قلقهم، وتجعلهم يتساءلون هل جاء الدور الينا؟
غير ان امل العراقيين في الديمقراطية لن ينثني بافعال الغوغاء، فهم يعرفون حق المعرفة ما يمكن ان يحدث اذا ما عاد الطغيان، ولن يسمحوا ابدا بحدوث شيء من هذا القبيل، بل انهم ماضون قدما في بناء الاساس القوي لهذه الديمقراطية، في روية ودون استباق للامور، حتى يأتي بناؤها متينا حصينا لا تنال منه مؤامرات الحاقدين والحاسدين.
وهكذا فان الديمقراطية لن تكون مفاجأة تحدث على حين غرة، بل هي هدف نبيل يجب ان نسعى لتحقيقه دون كلل او ملل، ودون ان تفت في عضدنا احباطات تحصل لضرورات مرحلية، بل علينا مغالبة الصعاب من اجل الوصول الى تحقيق الامل المنشود.. ولن يكون ذلك الا بالعمل الجاد المخلص الذي يتحلى بروح الوطنية وليس المنفعة الذاتية، فالديمقراطية امل مشروع للشعب العراقي، وهي مسيرة عمل ليس هينا باي حال، تبدأ من انهاء حالة الفوضى، وتستمر صعودا الى بناء المؤسسات، وصولا الى تحقيق الحرية في كافة مناحي الحياة، واحلال الامن والنظام وسيادة القانون.