Sunday, May 25, 2003

في الميزان

لاشك ان النظام المقبور كان يهدف من خلال سياساته الرعناء، تحطيم بنية المجتمع العراقي، وروحه وطموحاته، وانه استخدم كافة الوسائل المتاحة لتفريق وحدة الصف الوطني، وتصنيف المجتمع الى فئات وطوائف، متخذا مواقف ثابتة اتجاه افراد وتجمعات معينة، في الوقت الذي كان يغير مواقفه السياسية بشكل يبعث على الدهشة.
ومن تلك الوسائل استخدامه لحزب البعث كاداة قمعية تتظاهر بالمبدئية وتتصرف في الواقع لتكريس عبادة شخصية (القائد الضرورة)، ومن كان يريد الارتقاء في المناصب الوظيفية، وبالتالي الحصول على رواتب عالية، فعليه الارتقاء في المناصب الحزبية، التي لم تكن الكفاءة شرطا اساسيا لها، ان لم نقل ان الكفاءة غير مطلوبة اصلا، فقد شهدنا قاطع تذاكر يصبح (امين سر فرع) ومستخدما في الاتصالات يصبح (عضو قيادة).
ومن الوسائل الاخرى المعروفة اجهزة الامن والمخابرات والاستخبارات والامن الخاص ومنظمة (فدائيو صدام) ومنظمات اخرى علنية وسرية. غير ان اخطر تلك الاستخدامات، كان لجهاز الشرطة الوطنية. اذ عمد الى افقار افراد الشرطة ماديا، ودفعهم اما الى العمل بعد الدوام، وهو ما لم يكن متاحا لاغلبهم، او للسعي الى الحصول على ارزاقهم من الناس العاديين مستخدمين سلطتهم. وادت هذه السياسة الى تفشي الرشوة، تنخر هذا الجسم الحيوي، وتبعده عن ممارسة دوره في مكافحة الجريمة، حتى ان بعض الجرائم التي تكشفت قام بها منتسبو هذا الجهاز، اي كما يقول المثل الشعبي (حاميها...).
واليوم، بعد حصول التحول الديمقراطي، لا نستطيع بجرة قلم ان نشطب كيانات كاملة، على اساس انتماءاتها السابقة، وليس على اساس افعالها السابقة. وذلك ليس دفاعا عن البعثيين او عن افراد الشرطة، كما ان الجمع بينهما (في هذا الحديث) لا يعني انهما حالة واحدة، ولكن لان الاضواء مسلطة الان على هاتين الفئتين، اللتين تشكلان اجزاءا من مفاصل المجتمع التي لا نود ان نراها تتفكك لمجرد شبهات، او نزوات، او تصرفات فردية، او نتيجة روح اجرامية تخريبية، تعمل على استغلال الظرف من اجل اشباع ساديتها.
نعم.. يجب ان يُقدم كبار البعثيين الى المحاكمة، ولكن لا يجوز باي حال الاعتداء عليهم وتخريب مساكنهم وتشريد عوائلهم، اذ ان كل ذلك انما يعني ضياع الحقوق للمتظلم، الذي سيتحول الى جلاد يتولى تطبيق القانون بنفسه، وهذا امر مرفوض تماما. وهي فوضى عارمة، وفتنة ضارية، لا يأمن فيها احد.. بل اسميها ارهابا، لان كل عمل فردي او جماعي يتم خارج القانون وبدون تقديم الادلة الثبوتية، وبدون منح حق الدفاع عن النفس، انما هو ارهاب.
من ناحية اخرى، يجب وضع الثقة بجهاز الشرطة، الذي يريد جادا ان يتخلص من اثار التركة الصدامية، وعلينا ان نتذكر ان معظم دوائر ومؤسسات الدولة تعرضت الى ظروف مماثلة لتلك التي عانت منها اجهزة الشرطة، وانهم -اي الشرطة- ان اصبحوا في واجهة المدفع، فذلك لانهم الوحيدون الذين يواجهون الاختبار في الوقت الحاضر.
وعلينا ان لاننسى ان جهاز الشرطة قدم شهداءً في هذا الظرف من اجل حماية امن المواطنين وان عناصر جديدة تنضم يوميا الى صفوفه، وما ذلك الا ادراكا وطنيا للدور الريادي لهذا الجهاز، الذي لايستطيع ان يكون فاعلا بدون دعم حقيقي من الشعب. وندعو مواطنينا الاعزاء الى احترام دور الشرطي ومنحه الفرصة الكاملة لاثبات وطنيته التي لانشك لحظة فيها.