Monday, April 25, 2005

الجمعية الوطنية ليست كائناً عضوياً

وقف عضو الجمعية الوطنية، وقد اغرورقت عيناه بالدمع، مستنجدا بالجمعية لانصافه من حيف كبير وقع بحقه، بعد ان ادعى قيام احد عناصر الامن في القوات المتعددة الجنسيات، وعناصر من الحرس الوطني، بالاعتداء عليه لدى دخوله الى المنطقة الخضراء. واستثار هذا الموقف اعضاء الجمعية، الذين هبوا، في ما يزيد عن الساعة من الزمن، لالقاء الخطب الرنانة حول الاستقلال وطلب نقل مقر الجمعية.. ثم علقت الجمعية جلستها الصباحية واصدرت قرارا باستدعاء السفير الامريكي والطلب اليه بتقديم اعتذار عن هذا الحادث الذي عدّوه متكررا، اضافة الى معاقبة افراد الحرس الوطني المتورطين في الحادث.
ورغم اننا نعتقد بضرورة التمسك بحصانة اعضاء الجمعية، واعضاء الحكومة العراقية، وصيانة الشخصية الرسمية بشكل لائق، الا اننا نعتقد ان الجمعية قد تسرعت في اتخاذ موقف بناء على ادعاء احد الاعضاء. وهذا لا يعني اننا نشك في هذا الادعاء، ولكن لا ينبغي ان يتولى عضو واحد، او حتى مجموعة اعضاء، سوق الجمعية الى اتخاذ اجراءات معينة، دون التمحص والتحقق من طرفي القضية.
ومن ناحية اخرى، فان هناك قضايا اجرائية معينة كان ينبغي القيام بها حتى قبل التئام الجمعية. منها التعريف الكافي باعضاء الجمعية، ومنحهم بطاقات الهوية التي لا لبس فيها، وتقرير مكان عقد الاجتماعات واوقاتها. ان بعضا من هذه الاجراءات يقع ضمن حيز النظام الداخلي، الذي هو قيد الاعداد. ولكن هناك ثوابت معينة موجودة في اي نظام داخلي كان ينبغي اقرارها في جلسة الجمعية الاولى. وكان يمكن اتخاذ النظام الداخلي للمجلس الوطني السابق كصيغة مؤقتة لحين اقرار نظام داخلي لهذه الجمعية.
لقد حدث هدر كبير في الزمن. فقد تأخر انعقاد الجمعية لاكثر من شهرين بعد اجراء الانتخابات بدعوى المفاوضات حول تشكيل الحكومة الجديدة. وكان يمكن استغلال هذا الزمن في اتخاذ الاجراءات الضرورية وتوفير الاجواء الملائمة لعقد اجتماعات الجمعية. فحتى قاعة الجمعية ليست مناسبة لمثل هذه الاجتماعات من ناحية حشر الاعضاء على الارائك، وتنقل المايكروفونات بينهم، وغياب الية للتحدث وطرح مشاريع القرارات، وعدم امكانية حصر الاصوات بيسر، بل وعدم تسجيل هذه الاصوات كما ينص الدستور المؤقت. وكان يمكن استغلال الزمن الضائع في تدريب اعضاء الجمعية على الاساليب البرلمانية، وكيفية الحديث والاقتراح، واحترام جدول الاعمال والالتزام بالاوقات الواردة فيه، واصول تقديم المقترح وتعديله والنقاش حوله وطلب التصويت او التأجيل او الاحالة الى اللجنة المختصة.
وكان يمكن تدريب الاعضاء على فكرة الجسم البرلماني كهيئة تشريعية، وليست ككائن عضوي. بمعنى ان البرلمانات تناقش القضايا المطروحة امامها وتقدم المقترحات لحلها وتتدارس ايجابيات وسلبيات هذه المقترحات ثم تتخذ القرارات بشأنها.. وعند ذاك يكون القرار صادرا عن الجمعية، لا عن الاعضاء الذين اقترحوه او الذين ايدوه، وبالتالي فهو ملزم للجميع. وهذا هو معنى الجسم التشريعي. اما محاولة جعل البرلمان كائن عضوي، بان يقوم احد اعضائه باستثارته، فيقوم الاعضاء الاخرون بتأييده فقط لانه احد الاعضاء، واعتبار الاعتداء عليه اعتداء على الجمعية، هو امر مرفوض. فالبرلمان يمثل الشعب، كما يمثل السيادة الوطنية، التي لا تتحقق فقط بمنع الاعتداء على احد اعضائها، وانما بصيانة حقوق جميع افراد الشعب بنفس القدر من الحرص. وعلى هذا، فان على البرلمان ان يتفاعل مع الشعب وقضاياه ويستجيب لها بمسؤولية وواقعية، لا ان يهدر الزمن الثمين في مناقشات جانبية اقل ما يقال عنها انها غير مهمة.

Monday, April 18, 2005

قوانين مرورية جديدة

لم يعد الحصول على سيارة شخصية امرا بعيد المنال، كما كان عليه الحال قبل عامين فقط. وصار بامكان الموظف البسيط، والكاسب والطالب، وغيرهم من شرائح وطبقات المجتمع اقتناء سيارة حديثة نسبيا تسهل تنقله وتختصر الزمن المهدور في وسائل النقل العامة. وخلال العامين المنصرمين غصت شوارع كافة المدن العراقية بالكم الهائل من السيارات ذات المناشيء المتعددة والموديلات المختلفة حتى بات التمييز بينها متعذرا لكثير من الناس. وجلبت هذه المركبات معها قوانين جديدة، لسائقين جدد، في بلد يتجدد كل حين.
فبعد أن غزت الشارع المركبات ذات المقود الأيمن، والتي سمح لها بالتحرك بكل حرية حتى وقت قريب، لم يعد مهما الالتزام بالجانب الأيمن للسير، والجانب الأيسر للاجتياز.. وصار السير على الجانبين مسموح، والاجتياز من الجانبين مسموح أيضا في بلد المسموحات الكثيرة. وإذا فسرت لأحدهم سبب كثرة الحوادث التي تقع لسيارات المقود الأيمن، مقارنة بتلك ذات المقود الأيسر العادي، جاءتك الإجابة مباشرة: السبب ليس في السيارة بل من السائق.. فهل يمكن أن تكون المركبة بأي حال هي السبب؟
وساهم انقطاع الكهرباء بشكل مستمر في تعطيل إشارات المرور الضوئية تماما، وحل محلها شرطي المرور، أو مجموعة من شرطيي المرور في التقاطع الواحد.. وهنا يوجد قانون جديد آخر: إذا أشار لك شرطي المرور بالتوقف وكان سمح للسيارة التي أمامك بالمرور، فهو لا يعني أن تتوقف أنت، بل السابرة رقم ستة أو سبعة خلفك، فلا عليك إن أهملت هذه الإشارة ومضيت قدما في تجاوز التقاطع. وحتى إن كان السير متوقفا في اتجاهك، فيمكنك التحرك رويدا رويدا لتصبح في منتصف التقاطع وتجبر شرطي المرور على إيقاف السير في جميع الاتجاهات لتمر سيارتك، وإلا فان اختناقا كبيرا سيحصل.
ومن القوانين الهامة التي نتجت عن وجود أجيال شابة من المركبات وأخرى في مرحلة الكهولة، أن الأولوية لم تعد لمن في الساحة كالسابق.. بل أصبحت الأولوية للسيارة (الأكبر عمرا).. فإذا كنت تقود سيارة نوع (لادا) موديل 1975، وأردت الخروج من شارع فرعي إلى الشارع العام، فليس من المهم الانتباه إذا ما كانت هناك سيارات تسير فيه، لأنها على الأغلب ستكون (اوبل) موديل 1992 وسيكلف الحادث صاحبها الشيء الكثير، بينما لا تخسر أنت شيئا.. خصوصا إذا كنت ماهرا في رفع صوتك ووصف سائق المركبة الأخرى بالأعمى والجاهل والـ(حواسم) وغيرها من الأوصاف التي ستجعله يفر مذعورا من مكان الحادث.
ويعتقد الكثير من السائقين أن الإشارة الضوئية الجانبية في المركبة ليست جدية أو ضرورية.. فقد يعمد بعضهم إلى فتح إشارته للجهة اليمنى، ولكنه يستدير يسارا.. أو يفتح الإشارة اليسرى ولكنه يمضي قدما في المسير دون أن يستدير. وإذا أراد التوقف وكان على الجانب الأيسر، فما عليه إلا أن يكبح الفرامل فورا ثم يأخذ الجانب الأيمن، ولا يهم حجم الإرباك الذي يحصل في الشارع.. فالمشكلة بالنسبة إليه أن الشارع ضيق ولا يتحمل هذا العدد من السيارات.
والقوانين الجديدة لا تقتصر على مقتني المركبات، بل تعدتهم إلى أصحاب المحلات والدكاكين والدور التي تقع على شارع عام. فقد أصبحت المساحة من الشارع التي تقع أمام محلاتهم حقاً لهم، ولا يجوز لأحد التوقف فيها وان كان قانون المرور (القديم) يسمح بذلك. وعمدوا إلى وضع حواجز حديدية، وصخور، وأحيانا علب الصفيح والكراسي المستهلكة لمنع التوقف في هذه الأماكن. وإذا تجرأتَ وأزلتها وأوقفت سيارتك في هذه الأماكن (المحرمة) فعليك أن تتوقع مشكلة كبيرة تصل إلى حد الاعتداء عليك بالضرب والسب والشتم.. فهذا تعدي على أملاك الغير، وعلى المرء أن يدافع عن أملاكه! ولكن بعض السائقين لا يمانع في امتلاك نواصي الشوارع الفرعية، بحيث لا يمكن الدخول إليها من الشارع الرئيسي.. فهذه أماكن يمتلكها من يقف عليها، وإذا حدث أن احتـُجزت فيها خلف سيارة متوقفة في مدخل الشارع، فلا ينبغي إن تلوم سائق تلك السيارة، بل وجه اللوم إلى نفسك لأنك تسكن في شارع فرعي.
ومع استمرار غلق الشوارع وتحويل معظم حركة مرور المركبات إلى عدد محدود من الشوارع والجسور.. ظهرت قوانين (حواسمية). منها، أن سيارة الأجرة لها أولوية على باقي السيارات، طالما كان الوقت مهما لها دون غيرها، ولذلك فلا عليها إن اجتازت صفا طويلا من المركبات من جهة اليمين، أو باستعمال الرصيف، أو بالتعدي على اتجاه السير المقابل، لتصبح فجأة أول مركبة في الصف!
وباستخدام الذرائع الأمنية، يمكن غلق أي شارع في أي وقت ومنع التوقف في شوارع أخرى، وإذا اضطررت للتوقف لسبب ما، فقد يهاجمك عشرة من أفراد الشرطة المدربين جيدا، والذي يصوبون بنادقهم الآلية غير المؤمـّـنة صوبك أمريك بالتحرك فورا. وهذا هو أحدث القوانين.. فمع غياب الأساليب المتعارف عليها في تطبيق القانون الذي يعرفه الجميع (والذي صار قديما)، قد تدفع حياتك ثمنا لمخالفتك القانون (الجديد) الذي تجهله لا عن عمد.

Monday, April 11, 2005

مؤهلات موجودة.. مؤهلون مفقودون

ما هو المعيار الذي يحكم اختيار الاشخاص المناسبين لتولي مهام سياسية، تمنحهم القدرة على الهيمنة على مقدرات الشعب، والتحكم بمصيره؟ ما هي مواصفات هؤلاء الاشخاص، وكيف يتم انتقاؤهم، بل وكيف نحثهم على تقديم انفسهم، ان كانوا ضمن الاغلبية الصامتة؟ هل نتوقع ان يحدد الدستور مؤهلات صارمة للموشحين، ام يترك ذلك للتقدير الشعبي؟
لعل هذه الاسئلة تدور في اذهان الكثير من الناس، بعد ان تردد ان بعض اعضاء مجالس المحافظات (وربما الجمعية الوطنية) قد خالفوا التعليمات ورشحوا انفسهم ضمن قوائم انتخابية.. وكان ابرز هذه المخالفات عدم حصولهم على الشهادة الاعدادية، بل ان بعضهم عمد الى (تزوير) الوثيقة المدرسية بهدف الاشتراك في الانتخابات! وهذا الامر يفتح الباب لتساؤل جاد: هل خلا البلد من حملة الباكلوريوس والماجستير والدكتوراه، حتى يتم ترشيح من لم يحصل حتى على شهادة الاعدادية؟ لقد كانت هذه اقل المتطلبات، ولكننا نجد انها اصبحت وكأنها شيء نادر، يصعب الحصول عليه.
طبعا، هناك اشخاص لهم تأثير مهم في المجتمع لم تتوفر لهم فرصة الحصول على شهادة عليا بسبب الهجرة او العمل او الانشغال بالعمل السياسي في المعارضة. ولكن تلك هي حالات خاصة، وعلى كل حال كانت فكرة القبول بالشهادة الاعدادية من اجل هؤلاء حصرا. على اننا نجد ان هناك الكثير من الاعضاء في الجمعية الوطنية او مجالس المحافظات لم يتجاوزا الاعدادية، وان كان الكثير منهم لم يكن في صفوف المعارضة او مهاجرا او حرم من التعليم لاسباب قاهرة.
على ان تمثيل المواطنين يحتاج الى مؤهلات خاصة، وتدريب تقني متميز. ففي الكثير من دول العالم يشترط ان يحوز من يتقدم منصب عام، تشريعي او تنفيذي، على شهادة اكاديمية في العلوم السياسية او الادارة او فن الحكم. فليس من المعقول ان يتدرب ممثلو الشعب على كيفية ادارة شؤون المواطنين من خلال موقعهم القيادي. وليس من اللائق ان يستخدم الشعب ساحة للتجارب والمناظرة. يجب ان يكون صانعو القوانين ومنفذوها على قدر كبير من الدراية والخبرة مما يمنع الى حد كبير خسارة الوقت والجهد في بحث تشريعات خيالية، او تطبيقها بشكل اعمى.
فما بالك، اذاً، بالذي يزور الشهادة الدنيا المطلوبة منه؟ لاشك انها انتكاسة عظيمة للديمقراطية ولمبدأ الثقة الذي نتوقع ان يسود في الحقبة التالية.. كما انها حرمان للمواطن من حقه في التمثيل النيابي، حيث ان الانظمة الحالية للمفوضية، والتي تحكم كيفية اختيار اعضاء المجالس والجمعية، ومنها النظام 17، تمنع استبدال العضو الذي يتبين عدم اهليته. وهكذا فان المجلس سوف يصبح اقل عددا وبدون استعاضة، والمواطنون الذين صوتوا لهؤلاء، ثقة بهم وبالاجراءات التي تتخذها المفوضية، سيضحون بلا تمثيل. وقد كان احرى بالمفوضية العليا للانتخابات، وفروعها في المحافظات العمل على التأكد من اهلية كل مرشح قبل الموافقة على ترشيحه، ضمانا لحقوق الناخبين، وليس الاكتفاء بالتعهد الشخصي من الكيان السياسي.. اذ ما الفائدة بعد ذلك من التدقيق، سوى سحب عضوية المزورين؟ وهل كونهم اعضاء مجالس هو امتياز لهم؟ لا نريد ونحن على ابواب تحقيق ديمقراطيتنا الخاصة، ان يفكر قادتنا بانهم يحصلون على امتياز لكونهم في موقع ما.. يجب عليهم ان يفكروا ان خدمة المواطن وحمايته هي الهدف النهائي للحكومة، وان تواجدهم في سدتها يجعلهم مسائلين اكثر مما هم مسؤولين. ومن لم تتوفر له المؤهلات الكافية، والتي من اهمها التحصيل العلمي، عليه ان يكون ناصحا وموجها وناقدا، ولكن ليس نائبا ممثلا للشعب.