Wednesday, April 28, 2004

ميزان متأرجح

ان مقابلة بسيطة بين الحوادث التاريخية وما يجري اليوم تثبت ان الرغبة في فرض الرأي على الاخرين، والحسد، والخوف من ضياع الهوية، هي دوافع ذات ارضية واسعة، يمكن -اذا توفرت لها فرصة الظهور والتمكن- ان تنتج فئة تأتمر بامر قائد يعد رمزا لنضالها وعنوانا لرغبتها في تغيير المنهج المستهدف الى منهج متشدد لا يؤمن الا بحقائق قليلة ولا يلزم نفسه الا بالقليل من القواعد التي تعارف عليها الاخرون.
لا يمكن الاستنتاج بصورة مباشرة ان عدم التوصل الى علاج ناجع لمرض الايدز لحد الان هو سبب لتفجير عمارات سكنية في روسيا، ولا يدعي احد ذلك. ان متطرفا ما يستطيع ان يثبت ان ابتعاد بني البشر عن القيم السماوية ادى الى شيوع امراض فتاكة تهدد الجنس البشري، ولكنه لن يدعو الى افنائهم باستخدام اسلحة فتاكة.
من جهة اخرى، فان قادة المجموعات التي توصف بالارهابية كثيرا ما يعبرون عن غطرسة الحضارة الغربية، وعن ظلمها للشعوب الاكثر فقرا، ولذلك ابتليت بكوارث شتى منها الاوبئة التي لا يمكن علاجها.
وهكذا فان المتطرفين والارهابيين قد يلتقون عند نقطة، ولكن ليس بالضرورة ان تكون افكارهم متطابقة في غيرها. غير ان هذا الالتقاء قد يستثمر لايجاد تعاطف واسع مع القضايا التي تدعو اليها المجموعات (الارهابية)، مستغلة التعاطف الفطري مع القضايا التي يدعو اليها (المتطرفون).
ان التطرف لا يؤدي الى الارهاب.. لكنه يمهد ارضية لقيامه. واذا كان لنا ان نضع ميزانا، فان ميزان التطرف يميل نحو الخير بشكل متمهل، بينما يميل ميزان الارهاب نحو الشر بشكل حاد. والحقيقة التي يعيها البشر عموما، ان الموازين يمكن ان تتأرجح بحيث تجعل الامور ضبابية، وذلك يجعل الحكم عليها امرا بالغ الصعوبة احيانا.

Thursday, April 22, 2004

ماذا بعد عام

عام مضى منذ ان تحرر العراق من نظام صدام. عام من الانتظار والاحلام والامال.. فهل كان الامر يستأهل؟ هل تحسن الواقع، او تحقق ولو جزء من الامل؟ ربما كانت الاجابة غير سارة، ولكن هل ان الاسئلة منصفة؟
نعرف ان المانيا واليابان احتاجتا الى عدة سنوات لكي تحصل على الحرية والديمقراطية، ومن ثم الرفاهية. كما ان كلا منهما عانتا من فترات فوضى وانعدام الامن لمدة غير قصيرة، وقد تكونان انموذجا لما يحصل في العراق اليوم. وعلى ذلك فان الصبر هو المطلوب لكي يتحقق في العراق -الى حد ما- ما تحقق في هذين البلدين الذين ابتليا بالدكتاتورية ردحا من الزمان.
لقد انجزت بعض الامور الهامة خلال العام المنصرم.. ولكن ما كان يمكن ان يتحقق قد يكون اضعاف ذلك. فما الذي يمنع اي مشاريع كبرى للاعمار؟ وهل يجب ان تقوم بذلك الشركات الاجنبية حصرا؟ اما كان يمكن ان تمنح التخصيصات للدوائر الحكومية لتحسين الخدمات الاساسية على الاقل؟
ومن ناحية اخرى، كيف يمكن ان تقام المشاريع مع وضع امني متردِ؟ وكيف تمنح التخصيصات وكثير من دوائر الدولة تعاني الترهل والكسل والفساد الاداري؟ الم تصرف ملايين الدولارات على مشاريع لم يحصل معظمها على رضا الناس اما بسبب سوء التنفيذ، او للمبالغة بالتكاليف، او لعدم الجدوى اصلا؟ ثم ان الكثير من الدوائر اخفقت في صرف تخصيصاتها بسبب طغيان النظام المركزي، على ما يبدو.
لقد انقضى عام، وقراءة الواقع تدل على الحاجة الى عام اخر -على الاقل- قبل ان نقطف ثمار الحرية. عام من العمل الجاد والسعي الحثيث، ابتداء من (استلام السلطة) وليس انتهاء بـ(الانتخابات الدستورية).. عام او يزيد قد يكون اشد من سابقه.. ولكن لا عودة. يجب المسير حتى النهاية، او البقاء في الفوضى، لاسمح الله.

Saturday, April 17, 2004

تسليم السلطة

يتساءل البعض عن تمكن العراقيين من تسلم السلطة في الموعد المحدد اواخر حزيران القادم، خصوصا بعد الاحداث الاخيرة التي افرزت نقاط ضعف كبيرة لدى جهاز الشرطة، وامكانية ظهور قوى جديدة على الساحة في اي وقت، ووجود مليشيات غير حكومية تمتلك اسلحة واعتدة ليست بالقليلة. فهل ان العراقيون مؤهلون لاستلام زمام الامور في بلدهم؟
نعم.. ان الامور لا تسير في الاتجاه الصحيح، بيد ان تسليم السلطة اذا تأخر عن الموعد المحدد، فلن يكون ذلك في صالح العراقيين ايضا. ان الدافع لاعمال المقاومة سواء السلمية منها او المسلحة انما هو وجود قوات الاحتلال، ووجود حكم اجنبي متمثل في سلطة التحالف المؤقتة.. وسوف يختلف الموقف جذريا في حال انتقال السلطة، حتى ان وكان هناك تأثير محتمل على السياسة الوطنية من قبل القوات المرابطة في العراق، اذ يبقى القرار الاخير بيد سلطة عراقية مساءلة امام شعبها.
ان التصعيد الاخير للاحداث انما قصد به تأخير هذه العملية، او ربما تعليقها الى اجل غير مسمى، لكي يتسنى ابقاء الاوضاع في العراق في حالة من الفوضى وانعدام الامن والضعف السياسي والاقتصادي، وهي اهداف تسعى من اجلها -للاسف- بعض دول الجوار، لتعرقل التحول الديمقراطي في العراق، والذي -لاشك- سينعكس عليها في المستقبل.
ان العراقيون كانوا -على مر العصور- امة متماسكة، ولن يكون التدخل الاجنبي لتفتيت الوحدة الوطنية الا محاولات يائسة سيذكرها التاريخ بكل ازدراء.. وسيتسلم العراقيون مقاليد السلطة وسيثبتون للقريب والبعيد ان (اهل مكة ادرى بشعابها)، ولن تفلح -بعون الله- المحاولات الخائبة لتعطيل هذه المسيرة.

Monday, April 05, 2004

القمة انعقدت

بينما كان اجتماع وزراء خارجية الدول العربية جاريا، والمناقشات محتدمة حول صيغة البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية المزمع عقدها في تونس، استدعي وزير الخارجية التونسي لتلقي مكالمة (الرئيس)، الذي ابلغه قراره بتأجيل القمة! هكذا بكل بساطة، وبدون الحاجة الى تبريرات اواعتذارات!
فهل اجلت القمة؟ كلا.. لقد عقدت هذه القمة فعلا! عقدت حينما افصح احد قادة العرب عن موقفهم، وطريقتهم المثلى في اتخاذ القرار بصورة منفردة، وبدون تشاور حتى مع اقرب وزرائهم (وزير الخارجية في هذه الحالة).
وما ان اعلن النبأ، حتى بادر الرئيس المصري الى الاعلان عن استعداده لعقد القمة في القاهرة! هكذا بدون استشارة، او عودة الى (اخيه) الرئيس التونسي للاستيضاح ومعرفة الدوافع التي حدت به الى تأجيل القمة. وما الحاجة الى ذلك؟ فقد (زعل) القادة العرب على (اخيهم) وسيثبتون له انهم ليسوا في حاجة اليه.
لقد انعقدت القمة واعلنت نتائجها، واهمها فشل القادة في تحمل المسؤوليات، وفشل القادة في المشاركة مع شعوبهم، وفشل القادة في الاتفاق على الاصول قبل الفروع.. فشل القادة في تجاوز الازمات، وفشلهم في البحث عن الحلول.
لقد انعقدت القمة، وعلى رأس جدول اعمالها بحث اصلاح الجامعة العربية، وخرجت بنتيجة واضحة. فليست الجامعة العربية وحدها بحاجة الى اصلاح، وانما عقول القادة العرب، وانظمة حكم العرب، تلك التي استأثرت بالسلطة منذ وقت بعيد. واخر نتائجها موقفا جديدا: لابد من التحول الديمقراطي، ومشاركة الشعوب العربية في اتخاذ القرار.. وسيكون العراق قائد هذا التحول ان شاء الله.