Monday, August 25, 2003

مسؤولية تاريخية

منذ اقدم العصور، كان الناس بحاجة الى القانون لينظم شؤون حياتهم اليومية ومعاملاتهم وحقوقهم وواجباتهم. كما ان كل المجتمعات حتى البدائية منها اتفقت على ضرورة وجود سلطة قادرة على فرض القانون والا فانه سيتحول الى مجموعة من النصوص على الورق ليس لها اثر على ارض الواقع.
وتعد الحاجة الى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، اهم متطلبات المجتمع، ذلك انه مهما كان المجتمع متمدنا ومتحضرا، ومهما كانت اصوله العقائدية وتربيته الفكرية، فانه لا يخلو من بعض الافراد الذين لن يقتنعوا بأخذ حقهم، بل يسعون الى الحصول على (حقوق) مضافة، حتى وان كان على حساب المجتمع ككل.
ان السلطة القضائية هي المعنية بالفصل في الحقوق، ويؤشر مقدار نجاحها في عملها مستوى العدالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية، وهو ما يعود على المجتمع بالامن والاستقرار، وان كانت السلطة التنفيذية هي المعنية بتحقيق ذلك. ومن ناحية اخرى فان غياب السلطة التشريعية يمكن ان يعرقل مسيرة المجتمع ولكنه لا يمكن ان يمنعها.
ولهذا فاننا نجد من الضروري -حتى في غياب السلطتين التشريعية والتنفيذية- ان تقوم السلطة القضائية باعمالها على اكمل وجه لانها امام مسؤولية تاريخية، وربما تقع على عاتقها -الان اكثر من اي وقت اخر- مسؤولية الحفاظ على الامن وذلك بانزالها العقاب بحق المجرمين بدلا من التسويف والتعطيل والاحتجاج بالخوف من الانتقام.. ونحن واثقون ان قضاتنا احرار ومسؤولون ولاتأخذهم في الحق لومة لائم.

Monday, August 18, 2003

انا واخي وابن عمي

تطالعنا بين الحين والاخر فبركات اعلامية من بعض القنوات الفضائية العربية، تتخذ شكل الخبر حينا، والتقارير الصحفية احيانا، اخرى للتأثير على المشاهد، والايحاء اليه بان العراق يغرق في بحر من الفوضى، وانعدام الامن، وتردي الخدمات الاساسية.. حيث يجري تضخيم حوادث منفردة في اماكن متفرقة دون تمحيص لمعرفة الاسباب والدوافع -التي قد تكون فردية محضة- بل يتم تصويرها على انها اعمال شعبية و(مقاومة وطنية).
انها مشكلة عصية، مشكلة الاعلام العربي.. فعلى الرغم من كل التطور التقني والتنقل السريع للمعلومات والاحتكاك مع الثقافات العالمية الاخرى، لم يستطع هذا الاعلام الخروج من دائرة (انا واخي على ابن عمي ونحن جميعا على الغريب).. لم يستطع ان يكون موضوعيا. حتى انه قد يتخذ موقف الوصاية على الشعب العراقي، فاخذ يطلق الاوصاف على الاحداث كما يريدها ان تكون وليس كما حصلت فعلا.
ان هذا المنهج لا يخدع الشعب العراقي، الذي لم يقف معه يوما معظم القائمين على وسائل الاعلام العربي، هؤلاء الذين مجدوا شخص (القائد الضرورة) ورفعوه الى (بطل قومي) لاسباب عديدة لم يغـب عنها العامل المادي.. ولكن ما نشعر به من اسف هو للمتلقي العربي الذي لم يكن سهلا عليه التحري عن حقيقة الامور، وبالتالي اصبح ضحية لهذا التضليل.. مما احدث هوة آخذة في التنامي بين الشعب العراقي واشقائه العرب.. وما احوج العراقيون اليوم الى رأب الصدع وجمع الكلمة ولم الشمل مع جيرانهم واشقائهم.

Monday, August 11, 2003

نية حسنة

عرضت احدى المحطات التلفزيونية الفضائية العربية مؤخرا وثيقة قالت انها بخط يد الرئيس المخلوع صدام حسين، وانها تحققت من صحتها، يوجه فيها امرا الى كبار مساعديه ابان انتفاضة 1991، باستعمال خدعة لقمع هذه الانتفاضة، وذلك بالقاء بيان مكتوب يهدد سكان المدن الثائرة باستعمال الاسلحة الكيمياوية ضدهم، وبررت الوثيقة هذا الاجراء برغبة صدام في اخماد الحركة الثورية باقل ما يمكن من خسائر مدعيا انه يتصرف بـ(نية حسنة) تجاه الشعب العراقي.
ان ما يهمنا في الموضوع هو الطريقة التي تعرض بها مثل هذه الوثائق، والتي يراد بها تجميل النظام السابق.. حيث تساءل مقدم البرنامج عن حقيقة استخدام الاسلحة الكيمياوية في قمع الانتفاضة، او حتى استخدامنها من قبل في (حلبجة).
ونحن نقول.. نعم ان الشعب العراقي يعلم حقيقة البيان الذي القته الطائرات العمودية على المدن، وانه كان مجرد خدعة.. ولكنه ما كان يملك الا ان يصدقها.. فقد استخدم صدام وزبانيته الاسلحة الكيمياوية في حربه مع ايران وفي مدينة (حلبجة) العراقية الكردية، الامر الذي دفع مجلس الامن الدولي -في حينها- الى اصدار ادانة واضحة لهذا النظام.. ولو ان استخدام الاسلحة الكيمياوية لم يكن حقيقة في السابق لما كان للتهديد باستخدامها اثر.
ولكن اليس هذا التهديد هو جريمة بحد ذاته؟ الا يعد التهديد باستخدام اسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين ترويعا لهم، يعدل استخدامها فعلا؟ الم يؤد هذا التهديد الى تشريد الملايين من العراقيين الى المناطق النائية والدول المجاورة؟ ثم ماذا فعل جيش صدام (المنتصر) بعد هذه الخدعة (العبقرية) التي اريد بها حقن الدماء؟ الم يدخل المدن الامنة بالدبابات والمدرعات؟ الم يعتقل من تبقى من رجال، وربما نساء وشيوخ واطفال، ليجعلهم هدفا لانتقامه المريض، كما شهدت على ذلك المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها؟ الم ينهب هذا الجيش (ذي النيات الحسنة) المحال التجارية والدور السكنية التي اضطر اصحابها الى الفرار خوفا من هذا التهديد (الخدعة)؟

Monday, August 04, 2003

المجاملة الاخيرة

واخيرا وبعد طول انتظار وترقب تشكل في بغداد (مجلس الحكم) وهو الصيغة التي يفترض ان تؤدي الى حكومة وطنية. واذا لم يكن بالامكان مناقشة كيفية اختيار اعضاء المجلس ولا صيغة التوزيع الطائفي ولا صلاحيات المجلس مقابل الحاكم المدني الامريكي.. فلابد من مناقشة ما يمكن ان يحصل عليه الشعب العراقي من هذا المجلس.
ان اول القرارات التي اصدرها المجلس يعكس طبيعته، فقد قرر ان يكون يوم 9/4 اليوم الوطني للعراق. لقد كان يوم تنصيب صدام حسين (17/7) يوم العراق الوطني والان اصبح يوم سقوطه هو اليوم الوطني. وكأن تاريخ هذا البلد العريض يخلو من اية احداث سوى ما يتعلق بصعود وسقوط صدام حسين. بل ان شبح صدام سيبقى يتردد كل عام: 9/4 اليوم الوطني، يوم سقوط الطاغية!
لكن علينا الاعتراف ان الفضل في سقوط صدام انما يرجع الى قوات التحالف، واذا كان المجلس المعين من قبل هذه القوات عليه ان يقر بهذا ايضا، فلابد ان يبدي لغة للمجاملة، وما الضير في ذاك؟ ليس في ذلك بأس. ليكن اليوم الذي يرضى به الجميع، ولكن لتكن هذه المجاملة هي الاخيرة اذا اريد لهذا المجلس ان يحظى بثقة ودعم الشعب العراق وليس دعم قوات التحالف فقط. ان مصدر السلطة ينبغي ان يكون من الشعب وان كانت القدرة متوفرة الان لغيره.. ففي النهاية حينما تسود الديمقراطية كما يرجو المجلس فسيحاسب اعضاؤه وفقا لمنهج الخطأ والصواب وليس منهج الغايات الانية والضرورات المرحلية، وعلى مجلس الحكم ان ينظر في النهاية الى حكم الشعب وليس الى رضا الحاكم المدني.