Saturday, August 20, 2005

دولة شيعية ام شيعة دولية؟

اعتبر كثير من المتتبعين لعملية كتابة الدستور وما واكبها من احداث ان تصريحات السيد عبد العزيز الحكيم مفاجأة كبيرة في وقت غير مناسب تماما لاية مفاجأة. فقد طالب رئيس كتلة الائتلاف الحائزة على اكبر مقاعد الجمعية الوطنية، مخاطبا حشدا من اهالي النجف، باقامة (فيدرالية لوسط وجنوب العراق) باعتبارها (حق الشيعة المضطهدين لعقود طويلة). كما اكد هادي العامري الامين العام لمنظمة بدر التابعة الى المجلس الاعلى، الذي يرأسه الحكيم، ان (على الشيعة المضي قدما في إقامة فدرالية في الجنوب وإلا سيندمون على ذلك). وقد اعتبرت هذه التصريحات مفاجأة حتى لاكثر المطالبين بالفيدرالية، مثل محمود عثمان من لائحة التحالف الكردي.
ان المفاجأة لا تكمن فقط في كون الفيدرالية محط خلاف ضمن لجنة كتابة الدستور، وهي من الامور التي ربما لن تحسم في هذه المرحلة، وانما ايضا في طرح الموضوع بشكل يوحي ان هناك (مظلومية) تقع حاليا على مناطق الوسط والجنوب، والتي لن ترفع الا بعد اقرار هذا الاقليم بشكل شبه مستقل. وبديهي ان منطلق الحكيم في ذلك يعود الى سنوات الحكم البائد، والى عزوف ابناء هذه المناطق عن الحياة السياسية بعد ان رفض المرجع الديني المشاركة فيها حينما اتيحت لهم الفرصة.
ولكن الاحوال تغيرت، وغدا ابناء الوسط والجنوب، الذين يتمذهب معظمهم بالمذهب الجعفري، اغلبية برلمان منتخب ديمقراطيا، وهم يكتبون دستورا للعراق الواحد بمختلف اطيافه ومذاهبه، والذي يتوقع ان يكون ضمانة لحقوق كل طائفة، وخصوصا الاقليات، فما بالك بالاغلبية؟ لماذا يعتقد الحكيم واتباعه ان اقامة الفيدرالية ستدرأ خطر اضطهاد الشيعة من جديد؟ اليس في ذلك ايحاء انه غير واثق من تحقيق اغلبية برلمانية قادمة بحيث ينقلب السحر على الساحر؟
ان الانتخابات الديمقراطية ستعطي على الدوام اغلبية (شيعية) نظرا للواقع الديموغرافي، ولشكل القوانين الانتخابية المقترحة. ولكن مخاوف الحكيم هي في اغلبية تدين بـ(التشيع) مذهبا للعبادة، يقف على قدم المساواة مع أي مذهب اسلامي اخر، بل ومع أي مذهب للديانات الاخرى. هذه الاغلبية ليست (شيعية) في توجهاتها وسياساتها، بل (عراقية) تنظر الى الجزء الصغير بنفس العين التي تنظر بها الى الجزء الاكبر. فقوة العراق تكمن في تنوعه، ولو كان على شاكلة واحدة لكان حاله اليوم مختلفا كثيرا. والتنوع يعني التكامل، والاختلاف يعني قبول الاخر. والعراقيون خلال تاريخهم قبلوا هذه التحديات واثبتوا انهم فوق النحل والملل.
ان دعوة الحكيم هي محض رغبة شخصية، ودعاية انتخابية مبكرة، واستباق لمفاوضات حثيثة من اجل انجاز وثيقة الدستور المهمة. وبامكان الحكيم ان يطرح رأيه على اللجنة الدستورية، لكنه لا يستطيع ان يفرض رأيه بتأليب الرأي العام، الذي لم يفهم بعد معنى الفيدرالية، والذي يتشكك في دوافع الاكراد بالاصرار عليها، ثم يجد نفسه منقادا اليها تحت وطأة الدعاية السياسية-الدينية.
لكن البعض يعتقد ان الامر قد يكون ابعد من ذلك، من خلال محاولة اضفاء الصفة الدينية-المذهبية على مناطق العراق المختلفة، وان العراق الواحد الذي تذوب فيه الطائفة سوف يكون شوكة في جنب الانظمة الطائفية المجاورة، والتي تريد ان تجعل العراق حليفا استراتيجا ومنطقة هيمنة تشاركها النظرة المذهبية الضيقة. هذه الانظمة تريد اقناع شعوبها، اعلاميا على الاقل، بان دولة الطائفة خير من لا دولة. واذا كان الفهم العام للفيدرالية هو التقسيم، فان تكريس هذا الفهم بهذه الطريقة هو امر مرفوض، حتى وان صدر عن اكثر الناس حصولا على الاصوات. وقد حدد قانون ادارة الدولة عدد المحافظات التي تنظم في فيدرالية بثلاثة كحد اقصى، وهو تحديد عادل ومتوازن، ولا يعطي للفيدرالية الا مفهومها الصحيح من اقامة نظم لا مركزية تضمن توفير خدمات افضل لابنائها، وليس فصل سياسي قائم على الانتماء العرقي او المذهبي كما يقترح علينا سماحة السيد الحكيم.

Monday, August 08, 2005

الحكومة والقدرة على التغيير

يصرح العديد من العراقيين اليوم عن خيبة املهم في الحكومة الحالية معتبرين اداءها ضعيفا وقاصرا، وانها لم تول مسألة الامن اولوية خاصة بدليل تكاثر العمليات المسلحة وتنوع اهدافها بشكل فاق من ناحية التأثير والعدد مثيلاتها في عهد الحكومة السابقة او حتى تحت سلطة الحاكم المدني الامريكي. ولعل ضعف الاداء الحكومي هذا كان متوقعا في مثل هذه الظروف، وربما يرد بعضهم ان الحكومة السابقة هي السبب في هذا التردي الامني لعدم تعاملها بحزم كاف مع المسلحين وترددها ازاء العصيان المدني الذي شهدته بعض المحافظات العراقية.
والواقع انه لا يمكن الجزم بان الحالة الامنية كانت ستتحسن لو بقيت حكومة اياد علاوي في السلطة. ولكن توقع مثل ذلك الامر لن يكون خياليا كذلك. اذ ان المعروف ان الفترات الانتقالية هي اسوأ الفترات في الحكم، ليس فقط لكون الصلاحيات مقيدة، ولكن ايضا لعدم رغبة الحكومة المنصرفة في اتخاذ قرار تتحمله الحكومة المقبلة على الرغم منها. كما ان اتخاذ الحكومة الجديدة لمواقعها يستغرق وقتا يسجل لصالح المتمردين في نهاية الامر.
لقد تحققت بعض الانجازات الامنية في عهد علاوي رغم قصر فترة حكومته، ولكن حكومة الجعفري، التي توافرت على موارد اكثر وصلاحيات اكبر ودعم شعبي غير مسبوق فشلت في تحقيق اي نصر حقيقي. وبقي الطنين الاعلامي لعمليات البرق والرعد والسيف وغيرها يقابله تزايد في العمليات المسلحة ضد الشرطة والجيش والمدنيين، وبالطبع ضد القوات المتعددة الجنسيات.
وبقي المواطن يعاني من نفس الازمات، من نقص البنزين بسبب تخريب صهاريج النفط، الى نقص الكهرباء بسبب تخريب منشآت التوليد والنقل. وبقيت الحصة التموينية تراوح مكانها، ولم يعلن عن مشروع واحد رئيسي لامتصاص البطالة وتطوير الاقتصاد. ولست ادري لماذا اعتقد الناس ان الانتخابات ستأتي لهم بالحل السحري لكل مشاكلهم، ولكني افترض ان من فاز فيها يتحمل مسؤولية تحقيق بعض الطموحات الوطنية على الاقل.
ومع ان اهم مسألة تواجه الحكومة الحالية هي كتابة واقرار الدستور الدائم، الا اننا نرى ان الحكومة توجه اقل عناية لهذه العملية المهمة. نعم، تعرض الفضائيات اعلانات باهضة الثمن للحث على المشاركة في كتابة الدستور، وان الجمعية الوطنية شكلت اللجنة الدستورية وتدعو من قاطع الانتخابات الى المشاركة فيها. ولكننا لا نلمس اي تقدم في نفس عملية كتابة الدستور سوى ما يصرح علينا من نسب مئوية، تذكرنا بنسب انجاز المقاولين لاعمالهم، والتي يستحقون عليها دفعات نقدية.
ان التغيير لم يكن يوما مسألة هينة، وفي النظام الديمقراطي ليس هناك مجال للتجربة. فمن يتصدى للحكم ليس فقط من يحصل على اغلبية الاصوات، ولكن الحاصل ايضا على افضل المؤهلات، وعلى اكثر دعم من القاعدة الاقتصادية للنظام. وفي حالة العراق الفريدة،غاب التقييم العام للمؤهلات، واستغني عن الدعم الاقتصادي الحر (بسبب انعدامه اصلا) وبالتالي فقد وصلت الحكومة الحالية الى السلطة بطريق الاصوات فقط. ونحن لا نقول انهم غير مؤهلين علميا، فمن بينهم حملة شهادات عليا، ولكن هناك قصور في التأهيل السياسي والاقتصادي انعكس بشكل سلبي على اداء الحكومة ككل. ولعل هذا الدرس سيكون مفيدا في الانتخابات القادمة لكل من الناخب والمرشح على حد سواء.