Wednesday, June 28, 2006

شكرا سيادة الوزير

في مقابلة مع تلفزيون العراقية مساء الثلاثاء، 20 حزيران، طلع علينا السيد وزير النفط هادئا قريرا بشوشا، يتكلم عن شؤون الوزارة بكل ثقة واطمئنان، حتى يخيل اليك ان مشاكل النفط المزمنة سوف تـُحل بعد دقائق وليس ايام او اشهر. وبشـّرنا بان انتظار ساعة او ساعتين قرب محطات تعبئة الوقود هي –للاسف، على حد تعبيره– امر اعتيادي لدى العراقيين. ولا بأس فهم ألفوا شمس الـ45 درجة مئوية ظهرا، وغياب الكهرباء، والوقوف في الدور. فبعد ذلك كله ما احلى النوم في الليلة القائضة تحت مروحة تديرها مولدة تعمل بالبنزين الذي حصلوا عليه ظهر ذلك اليوم. وغدا يوم جديد.
وزير النفط الواثق و(الحازم) حسب ما يريد ان يقنعنا في تلك المقابلة ليس بمقدوره وقف المراكب البحرية العاملة في مجال صيد الاسماك من تهريب المنتجات النفطية الا عن طريق الزامهم بتسليم السمك الذي اصطادوه الى الاسواق المحلية، ولا ادري كيف سيكون ذلك ومن سيدقق في هذا الامر. هل سيكون ذلك بجلب ايصال من (علوة بيع السمك)؟ ام بان يجعلهم يقسمون على المصحف الشريف؟ في الحالتين قالوا للحرامي احلف...!!
وهو إتهم، في خروج غير معتاد على الاعراف الدبلوماسية، كل من سوريا وتركيا بشراء النفط الاسود المهرب وامتناعها عن شرائه من الحكومة العراقية مباشرة. ولكنه اقر بعد ذلك ان المقاولين الذين تعاقدت معهم وزراته قبل ان يتربع على عرشها هي التي وضعت الاسعار (الرخيصة) لهذه المادة قياسا الى الاسعار العالمية لضمان انسيابية التكرير، حيث ان تراكم هذه المادة في احواض الخزن يؤدي الى توقف التكرير، لحين تصريفه والتخلص منه. وبالتالي فليس مستغربا ان تقوم الدول المجاورة بشرائه من المقاولين وليس من الحكومة العراقية. ولم يوضح لنا السيد الوزير كيف يَعتبر من يشتري رسميا من الدولة وفق عقد اصولي مُهربا؟ بيد انه بنى على اعتباره الشخصي هذا قرارا آخر بالغاء العقود الاصولية لهؤلاء المقاولين وفرض زيادة قسرية على الاسعار. ومن الطبيعي ان يظهر الامر وكأنه حفاظ على المصلحة الوطنية، ولكن ايقاف تكرير النفط لعدة ايام (وربما اسابيع) لاجبار المقاولين على الرضوخ، دونما اي اعتبار لانقطاع المنتجات عن الاسواق المحلية نتيجة لذلك، لا يدل على حرص شديد او حكمة بالغة، ناهيك عن طريقة فرض السلطة لقرارها على المواطن وان كان مقاولا. ان هذا الاجراء يذكرنا بممارسات سابقة خلنا انها باتت تاريخا لن يعود، بل ما الفرق في ذلك عن قرار سلطة البعث المنحلة في السبعينات بتأميم النفط؟ اليس الدافع –ظاهريا– في كلتا الحالتين واحدا؟
على ان السيد الوزير الذي لم يتورع عن اتهام دول الجوار (من الشمال والغرب) بتشجيع التهريب رغم ضعف الدليل الذي قدمه، اكتفى بـ(معاتبة) الجارة الشرقية التي تحمي هؤلاء المهربين في مياهها الاقليمية ومن الواضح ان هناك ادلة دامغة على ذلك. ولعل هذا ما استدعى مقدم البرنامج الى الاستدارك بقوله للوزير: "عتاب ام احتجاج؟" ولست ادري كيف يستطيع مسؤول بهذا المستوى ان يكون على هذا القدر من ازدواج المعايير.
لكن اكثر ما اسفت له وانا اشاهد هذه المقابلة التي دامت اقل من ساعة، هو تجريحه وهجومه على جريدة وطنية دون ان يُسمّها بالاسم. فقد نشرت هذه الصحيفة الرصينة خبرا على صفحتها الاولى عن زيادة اسعار المحروقات، مسندا الى مسؤول عالي المستوى في الوزارة وهو السيد حسين محمد البحريني مدير عام توزيع المنتجات النفطية بعد ان اجرت اتصالا هاتفيا معه. وجاء في نص الخبر الذي نشرت تلك الصحيفة في عددها الصادر يوم 19 حزيران: "اوعز وزير النفط الدكتور حسين الشهرستاني ببدء تطبيق الاسعار الجديدة للمشتقات النفطية بعد اجتماع اقرت خلالها التسعيرة الجديدة. وبموجب ذلك حدد سعر البنزين العادي بـ(175) ديناراً بدلاً من (150) دينارا للتر الواحد والبنزين المحسن بـ (250) ديناراً والذي تتزود بموجبه 90% من محطات الوقود، اما سعر لتر البنزين المستورد فحدد بـ (350) ديناراً. في حين بلغ سعر لتر الكاز (125) ديناراً بدلاً من مئة دينار والنفط الابيض (75) ديناراً للتر الواحد بدلاً من خمسين ديناراً واسطوانة الغاز السائل بـ (1000) ديناراً للقنينة الواحدة. اما السعر التجاري بمبلغ (1500) دينار في المحطات المخصصة لبيع المنتجات بالسعر التجاري."
فقد نفى الوزير بدءا اية زيادة في الاسعار متهما صحف "مغرضة.. داعمة للارهاب.. الخ" بالوقوف خلف ذلك. وهو لم يشر الى الصحيفة بالاسم، ربما تفاديا لمواجهة مع القانون، ولكنه قال ان تلك الجريدة نشرت مقابلة مع مسؤول في الوزارة "وقمت باستدعائه حول هذا التصريح فقال لي انه لم يدل باي تصريح".
ولكنه في سياق المقابلة تحدث عن انشاء محطات وقود جديدة بواقع محطة واحدة في كل محافظة واربعة في بغداد تقوم ببيع البنزين المستورد فقط وبسعر 350 دينارا للتر الواحد. وهو رغم نفيه لاية زيادة في البنزين المحلي اقر برفع سعر البنزين العادي الى 175 دينار للتر الواحد. وعلى هذا فلسنا بحاجة الى ان نسأل مدير عام توزيع المنتجات النفطية للتأكد من صحة التصريح، فقد أكد لنا الوزير كل ما ورد في الخبر المنشور.
لست بصدد تحليل كل ما ورد في المقابلة، ولا يتسع المكان لذلك. ولكن يبدو ان سيادة الوزير كان لديه موقف تجاه مقاولين وصحف ودول، وهو يحاول ان يعمل بناءا على ما قناعاته السابقة دون النظر والتمحيص في ما تكشف له حينما تسنم المسؤولية. ولا اجد هذه الطريقة فعالة من الناحية الادارية على الاقل. لكن تلك هي احدى عواقب وضع باحث في مجال الطاقة النووية، وغير مختص اطلاقا في المجال النفطي، وزيرا لاهم وزارة في العراق من ناحية استحواذها على الثروة الوطنية، او الحاجة المحلية لها.
واخيرا لابد ان اشكر سيادة وزير النفط على تفضله بتوضيح ما كان غامضا لدى الكثيرين، ومنهم الكاتب. فقد كنا نتساءل هل يمكن ان توجد لدى الوزير حلول شبه سحرية، او معجزات خارقة، للخروج من نفق ازمة الوقود التي تسبب بدورها ازمات اخرى كثيرة. وبالنسبة لي فقد عرفت الجواب.

Wednesday, June 21, 2006

ديمقراطية عصب الاعين

بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على تحرر العراق من قبضة الاستبداد، لا يجد الكثير من الناس اثرا حقيقيا لمثل هذا التحرر. لاشك ان هناك منجزات قد تحققت، بدءا من الحصول على الحرية –وان جاوزت الحد في بعض الاحيان– ومرورا بتحسين الوضع المعاشي لفئات واسعة من الشعب، وانتهاءا بخوض الانتخابات الديمقراطية الاولى في تاريخ العراق الحديث.
غير ان كل هذه المنجزات مرت بمراحل عسيرة وتضحيات جسيمة، وجاءت في كثير من الاحيان اقل من التوقعات، مما افقدها قيمتها واهميتها. واذا كانت هناك اصوات اخذت تعلو في المقارنة بين وضع العراق الان وفي فترة حكم النظام السابق، فان خيبة الامل الشعبية جعلت لتلك الاصوات صدى يتردد بين الاذان واجبرتها على الاصغاء. خيبة الامل لم تكن نتيجة فقدان الامن وحده، او العجز عن توفير الحد الادنى للحياة الكريمة للشعب، وانما في افتقاد الروح الوطنية سواء بين الاحزاب السياسية عموما او بين الشخوص السياسية.
لقد طغى خطاب الطائفة والعرق على خطاب الوطن والمصير المشترك. وسادت الساحة السياسية مشادات ومناورات ظاهرها خدمة مصالح الناخبين (بالمعنى الاضيق)، وباطنها الحصول على اكبر قدر من المكتسبات الشخصية. وبات المواطن في حيرة من امره، فهو اول من يُستثار وآخر من يُستشار! ترى كم خرج في مسيرات ومظاهرات واحتجاجات، وكم حصل بناءا على ذلك من مكتسبات؟ لا نجد مثالا واحدا على ان هناك من يستمع لمطالب الشعب، مهما كانت صاخبة. لكننا كثيرا ما نرى قادة هذا الشعب يستعملون تلك المطالب وسيلة للحصول على مآربهم، في المنصب والجاه، وربما الثراء ايضا.
لقد وجدت الحضارة في ارض الرافدين قبل اكثر من ستة الاف عام. تلك الحضارة توزعت في ثلاث مناطق رئيسة: سومر وبابل وآشور. وشكلت هذه المناطق في واقع الامر اجزاء العراق الرئيسة، ومجموع حدودها هو حدود العراق في غالب الاحيان. والعراق هبة الرافدين والارض الخصبة التي يحتضناها، وهو قام بهما ولهما. وفي العصر الاسلامي كانت البصرة والكوفة كلاهما عراقا حتى انجبتا بغداد عاصمة العالم المستنير لسنوات طويلة. وبسقوطها على يد التتار سقط العراق. وباحتلالها من قبل الاكليز أنجز احتلال العراق. وعلى مدى هذا التاريخ كان العراق واحدا في سنوات المجد والعلياء، او عند غوصه في العصور المظلمة. لم يكن هناك عراق شيعي وسني. لم يكن هناك عراق عربي وكردي. لم يكن العراق يعرف بطائفة او قومية.
ولكن ستة الاف سنة من الوحدة مهددة اليوم بالتقسيم، ليس لان ذلك ما تخطط له الامبريالية العالمية للاستيلاء على نفط العراق. وليس لان ذلك لعبة مخابراتية من دول الجوار لافشال مشروع امريكا في نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط. كما انه ليس لان الارهاب التكفيري يريد تصفية الحسابات الاقليمية والدولية على ارض العراق. السبب في ذلك هو مجرد رغبة الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها لدى مجموعة من السياسيين الطموحين الذين لم يكن يفكر ايا منهم قبل الغزو الامريكي بانه قد يكون في مثل هذا الموقع، وبالتالي لم يكن مستعدا. فهم يحاولون ان يعوضوا عن قلة خبرتهم وعدم كفاءتهم في قيادة البلد بكيل الاتهامات الى فيلق الارهاب القادم من بحر الظلمات. وهم يظهرون انفسهم لاحول لهم ولاطول بسبب (مؤامرات) ضد الطائفة او العرق او حتى ضد الحزب والشخصية.
ان الفشل الامني الذريع هو نتيجة حتمية للفشل السياسي الذريع. واذا كان من غير المنصف مقارنة الوضع الامني الان مع الوضع الامني تحت سلطة صدام، فان ذلك فقط اذا كان الخرق الامني يتأتى من اتباع صدام. لكننا نرى اليوم ان من يهدد الامن ربما كانت احزاب لها حضور واسع في السلطة. واذا كان نظام صدام في الماضي يشكل تهديدا لكل مواطن سواء بالاعتقال او التهجير والنفي والتقتيل، فان هناك اليوم من يقوم بنفس تلك الافعال واكثر من ذلك: "تم العثور على كذا عدد من الجثث في مزبلة في ضواحي مدينة كذا، وهي مصابة بطلق ناري في الرأس ومعصوبة الاعين وموثوقة الاطراف وعليها آثار تعذيب". من العار ان تكون لدينا ديمقراطية وحكام منتخبون، وهم اكثر شرعية من جميع الحكام في المنطقة، ومع ذلك تتكرر هذه العبارة المشؤومة كل يوم او يومين.
نعم، شهد العراق ديمقراطية غير مسبوقة، ولكن غير مشتهاة كذلك. فالعراقيون اليوم يساءلون هل ان الديمقراطية تعني توزيع الثروات بين الاحزاب؟ وهل ان مناصب الحكم هي حكر على شخوص بعينهم؟ وهل ان شهوة الكرسي اهم من نزيف الدم اليومي الذي يسيل تحت اقدام هؤلاء الحكام، فداءا لبقائهم في السلطة؟ والى متى يموت الناس معصوبي الاعين بعد عاشوا معظم حيواتهم معصوبي الاعين؟ اية ديمقراطية تلك التي تجرد الناس من كل شيء لاجل نفر من السادة المتنفذين الذين نادرا ما يتوجه احدهم بخطاب ولو للمواساة عن هذا الكرب اليومي؟ الى متى؟

Wednesday, June 14, 2006

موت الزرقاوي نهاية الارهاب الاجنبي

بمقتل الزرقاوي، داعية العنف الاول والمحرض على الفتنة الطائفية، لابد ان تتغير طبيعة الموقف الامني في العراق. هذا التغير ينبع من طبيعة الخلل الامني من ناحية المسببات والنتائج. وقد صرح الكثير من السياسيين والقادة العراقيين والامريكيين بما يفيد ان موت الزرقاوي لا يمثل نهاية للعنف في العراق، وذهبوا الى انه يجب عدم المبالغة في التفاؤل حول تأثير غياب هذا الارهابي الدولي، غير العراقي والمنبوذ في وطنه على المستوى الرسمي والقانوني على الاقل.
غير انني اجد مقتل الزرقاوي حدثا نوعيا ستنعكس نتائجه مباشرة على اعمال العنف التي تصاعدت بشكل خطير خلال السنة الماضية. فقد اشتملت الخروقات الامنية اليومية على جميع ما دعا اليه زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الابن غير الشرعي لتنظم القاعدة الذي يقوده المطلوب رقم واحد عالميا اسامة بن لادن. ومن المعلوم ان الرجلين لم يكونا على وفاق حتى اعلن الاول بيعته للثاني في محاولة لاكتساب رضا اتباعه واظهار نوع من وحدة المواقف واعطاء صبغة عالمية ذات تنظيم مركزي للمنظمة الاشهر عالميا.
وليس خافيا ايضا ان الزرقاوي كان مشروعا صداميا استدرجه ورعاه ووفر له الملاذ الامن قبيل زواله، ربما باعتقاد انه سيساعده في الحرب الوشيكة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ولكن مثل جميع حسابات الطاغية الاخرى كان ذلك عملا ينطوي على قصر نظر وتهور واضحين. فقد اعطى وجود الزرقاوي في العراق دافعا آخر لحكومة الولايات المتحدة لشن هجومها على هذا النظام الفاسد، بل وقدمت ذلك الى مجلس الامن كاحد الادلة على تعاون نظام صدام مع منظمة القاعدة، التي تعرضت الى اشد الادانات الدولية منذ احداث 11 ايلول. واذا كان مجلس الامن لم يتخذ قرارا يبيح فيه الحرب، فلم يكن ذلك يعني الحرب سوف لن تقع.
وطيلة اسابيع الحرب الثلاثة، تعرضت معكسرات الزرقاوي في شمال العراق والتي كانت تعرف بانصار الاسلام الى قصف مركز، في محاولة امريكية للحد من تأثير هذا الفصيل المتطرف قبل ويعد ازاحة النظام البائد. وقد نجحت فعلا في تحييد عمل تلك المنظمة اثناء الحرب، مما سهل مهمة القضاء على الزمرة الصدامية. لكن تحييد التنظيم شيء، والتخلص منه شيء آخر. وربما وعى تنظيم الزرقاوي، والصداميون المقربون منهم، ان تلك الحرب لن تأتي ابدا لصالحهم، وانهم خاسرون لا محالة. فهم قد يخسروها في شهر او شهرين او ثلاثة اذا لم يكن باسبوع او اسبوعين او ثلاثة، مهما بذلوا في السجال. وعلموا ايضا ان بقاءهم في العراق وتحكمهم بمصيره لن يكون بالدخول في العملية السياسية والخضوع لارادة الشعب مع كل الجرائم التي ارتكبوها بحقه. لذلك قرروا ان ينحنوا للعاصفة ويختبئوا حينا ليعيدوا تنظيم صفوفهم ريثما تنجلي الغبرة وتتضح طبيعة الامور لديهم وبالتالي سوف يتمكنون من فرض انفسهم على الشارع بالطريقة الوحيدة التي يجيدونها.. بالعنف والتقتيل والتدمير والتهجير واستباحة الحرمات وخلق جو الفتنة الطائفية.
قد لا يكون الزرقاوي وحده من خطط لكل اعمال العنف على اختلافها في المحافظات العراقية. لكن وجوده وقيادته واشرافه كان له الدور الاكبر في معظمها. وهي لا تأخذ منحا ثابتا على طول الخط، بل تميل الى التغيير في الاستراتيجيات بين حين واخر. فمرة تتصاعد وتيرة السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، وتارة يتزايد خطف المواطنين العشوائي وقتلهم بوحشية مقصودة، وهكذا. وهذا التغيير يدل على عدم وجود خطة واضحة وهدف يعمل من اجله هذا التنظيم سوى اثارة الرعب والفزع لدى المواطنين. والزرقاويون وان كانوا غير محسوبين على اية ملة، الا انهم اتخذوا عدوا لهم الاغلبية الشيعية في العراق اضافة الى الكثير من السنة الذين اعتبروهم متخاذلين. وذلك ليس نابعا عن موقف ديني او مجرد تطرف اعمى مبني على قناعة ضيقة. بل على العكس من ذلك، فقد اعتقلت القوات العراقية والامريكية العديد منهم بمختلف مستوياتهم وكانوا من كلتا الطائفتين على السواء. ان استعداء السواد الاعظم للشعب العراقي لم يكن الا لتبرير القتل العشوائي الذي يقوم تنظيمهم بارتكابه. فلو حصروا هدفهم في قوات الاحتلال لما استطاعوا ان ينالوا شيئا يذكر. وفي الواقع ان الخسائر التي اوقعوها في القوات الامريكية لم تكن لتصل الى ما وصلت اليه لولا اضطرارها الى محاربتهم جنبا الى جنب مع القوات العراقية لمنعهم من الامعان في تقتيل وتهجير ابناء هذا الشعب.
وفي كل ذلك لم نكن نسمع او نرى غير شخص الزرقاوي. ومنذ رسالته الاولى عبر الانترنت مرورا بتسجيلاته الصوتية وانتهاءا بشريطه المصور الدعائي، لم تظهر اسماء لقادة اخرين، رغم انه كان يتوقع (الشهادة) وبالتالي كان ينبغى ان يفسح المجال لاعضاء تنظيمه بالظهور. ولكن هذا التنظيم الارهابي الذي غزا العراق في غفلة من الزمن، شأنه شأن النظام الفاسد الذي رعاه، كان يعتمد على رأسه، فان زال هذا الرأس او سقط تهاوى التنظيم وتلاشى.