Wednesday, June 14, 2006

موت الزرقاوي نهاية الارهاب الاجنبي

بمقتل الزرقاوي، داعية العنف الاول والمحرض على الفتنة الطائفية، لابد ان تتغير طبيعة الموقف الامني في العراق. هذا التغير ينبع من طبيعة الخلل الامني من ناحية المسببات والنتائج. وقد صرح الكثير من السياسيين والقادة العراقيين والامريكيين بما يفيد ان موت الزرقاوي لا يمثل نهاية للعنف في العراق، وذهبوا الى انه يجب عدم المبالغة في التفاؤل حول تأثير غياب هذا الارهابي الدولي، غير العراقي والمنبوذ في وطنه على المستوى الرسمي والقانوني على الاقل.
غير انني اجد مقتل الزرقاوي حدثا نوعيا ستنعكس نتائجه مباشرة على اعمال العنف التي تصاعدت بشكل خطير خلال السنة الماضية. فقد اشتملت الخروقات الامنية اليومية على جميع ما دعا اليه زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الابن غير الشرعي لتنظم القاعدة الذي يقوده المطلوب رقم واحد عالميا اسامة بن لادن. ومن المعلوم ان الرجلين لم يكونا على وفاق حتى اعلن الاول بيعته للثاني في محاولة لاكتساب رضا اتباعه واظهار نوع من وحدة المواقف واعطاء صبغة عالمية ذات تنظيم مركزي للمنظمة الاشهر عالميا.
وليس خافيا ايضا ان الزرقاوي كان مشروعا صداميا استدرجه ورعاه ووفر له الملاذ الامن قبيل زواله، ربما باعتقاد انه سيساعده في الحرب الوشيكة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ولكن مثل جميع حسابات الطاغية الاخرى كان ذلك عملا ينطوي على قصر نظر وتهور واضحين. فقد اعطى وجود الزرقاوي في العراق دافعا آخر لحكومة الولايات المتحدة لشن هجومها على هذا النظام الفاسد، بل وقدمت ذلك الى مجلس الامن كاحد الادلة على تعاون نظام صدام مع منظمة القاعدة، التي تعرضت الى اشد الادانات الدولية منذ احداث 11 ايلول. واذا كان مجلس الامن لم يتخذ قرارا يبيح فيه الحرب، فلم يكن ذلك يعني الحرب سوف لن تقع.
وطيلة اسابيع الحرب الثلاثة، تعرضت معكسرات الزرقاوي في شمال العراق والتي كانت تعرف بانصار الاسلام الى قصف مركز، في محاولة امريكية للحد من تأثير هذا الفصيل المتطرف قبل ويعد ازاحة النظام البائد. وقد نجحت فعلا في تحييد عمل تلك المنظمة اثناء الحرب، مما سهل مهمة القضاء على الزمرة الصدامية. لكن تحييد التنظيم شيء، والتخلص منه شيء آخر. وربما وعى تنظيم الزرقاوي، والصداميون المقربون منهم، ان تلك الحرب لن تأتي ابدا لصالحهم، وانهم خاسرون لا محالة. فهم قد يخسروها في شهر او شهرين او ثلاثة اذا لم يكن باسبوع او اسبوعين او ثلاثة، مهما بذلوا في السجال. وعلموا ايضا ان بقاءهم في العراق وتحكمهم بمصيره لن يكون بالدخول في العملية السياسية والخضوع لارادة الشعب مع كل الجرائم التي ارتكبوها بحقه. لذلك قرروا ان ينحنوا للعاصفة ويختبئوا حينا ليعيدوا تنظيم صفوفهم ريثما تنجلي الغبرة وتتضح طبيعة الامور لديهم وبالتالي سوف يتمكنون من فرض انفسهم على الشارع بالطريقة الوحيدة التي يجيدونها.. بالعنف والتقتيل والتدمير والتهجير واستباحة الحرمات وخلق جو الفتنة الطائفية.
قد لا يكون الزرقاوي وحده من خطط لكل اعمال العنف على اختلافها في المحافظات العراقية. لكن وجوده وقيادته واشرافه كان له الدور الاكبر في معظمها. وهي لا تأخذ منحا ثابتا على طول الخط، بل تميل الى التغيير في الاستراتيجيات بين حين واخر. فمرة تتصاعد وتيرة السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، وتارة يتزايد خطف المواطنين العشوائي وقتلهم بوحشية مقصودة، وهكذا. وهذا التغيير يدل على عدم وجود خطة واضحة وهدف يعمل من اجله هذا التنظيم سوى اثارة الرعب والفزع لدى المواطنين. والزرقاويون وان كانوا غير محسوبين على اية ملة، الا انهم اتخذوا عدوا لهم الاغلبية الشيعية في العراق اضافة الى الكثير من السنة الذين اعتبروهم متخاذلين. وذلك ليس نابعا عن موقف ديني او مجرد تطرف اعمى مبني على قناعة ضيقة. بل على العكس من ذلك، فقد اعتقلت القوات العراقية والامريكية العديد منهم بمختلف مستوياتهم وكانوا من كلتا الطائفتين على السواء. ان استعداء السواد الاعظم للشعب العراقي لم يكن الا لتبرير القتل العشوائي الذي يقوم تنظيمهم بارتكابه. فلو حصروا هدفهم في قوات الاحتلال لما استطاعوا ان ينالوا شيئا يذكر. وفي الواقع ان الخسائر التي اوقعوها في القوات الامريكية لم تكن لتصل الى ما وصلت اليه لولا اضطرارها الى محاربتهم جنبا الى جنب مع القوات العراقية لمنعهم من الامعان في تقتيل وتهجير ابناء هذا الشعب.
وفي كل ذلك لم نكن نسمع او نرى غير شخص الزرقاوي. ومنذ رسالته الاولى عبر الانترنت مرورا بتسجيلاته الصوتية وانتهاءا بشريطه المصور الدعائي، لم تظهر اسماء لقادة اخرين، رغم انه كان يتوقع (الشهادة) وبالتالي كان ينبغى ان يفسح المجال لاعضاء تنظيمه بالظهور. ولكن هذا التنظيم الارهابي الذي غزا العراق في غفلة من الزمن، شأنه شأن النظام الفاسد الذي رعاه، كان يعتمد على رأسه، فان زال هذا الرأس او سقط تهاوى التنظيم وتلاشى.