Wednesday, August 02, 2006

تأملات في خطاب المالكي للكونغرس

توجه رئيس الوزراء نوري المالكي بخطاب الى الكونغرس الامريكي يوم 27 تموز الماضي. وفي هذا الخطاب شدد رئيس الوزراء على الدور الامريكي في العراق، وطلب المساعدة من الجانب الامريكي سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وكان محور الخطاب يدور حول الحرب على الارهاب ودورها في اقامة نظام ديمقراطي في العراق. وتطرق المالكي ايضا الى اوجه التقدم في الساحة العراقية بعد تحريره من براثن الدكتاتورية، ولكنه لم يذكر في الواقع تقدما حقيقيا سوى اجراء الانتخابات البرلمانية وان اكد على حصول تطور في الاقتصاد وعلاقة العراق مع الدول المجاورة قياسا مع الوضع في زمن النظام السابق.
ومن المفهوم ان رئيس الوزراء وهو يتكلم في حضرة الكونغرس الامريكي لابد ان يشدد على الحرب على الارهاب، غير انه لم يذكر استراتيجيات حكومته في هذه الحرب. لقد اعاد ذكر كلمات ارهاب وارهابيين في خطبته حوالي عشرين مرة، شاملا بذلك احداث 11 ايلول في الولايات المتحدة، ومحاولا ان ينفي ارتباط هذه الاحداث بالاسلام بوجه. وذلك صحيح، ولكنه عفى عليه الزمن واصبح من نافلة القول. فلم يعد الكونغرس او الشعب الامريكي، او الرأي العام العالمي بحاجة الى مزيد من التوضيح بهذا الشأن.
والامر ذاته يتكرر مع محاولة المالكي بيان ان حقوق الانسان ليست تراثا غربيا وانما توجد لها جذور في العالم الاسلامي مستشهدا بآيات من الذكر الحكيم تؤيد ذلك، ولست ادري ما الذي يريد ان يثبته المالكي بذلك. الارجح انه يحاول ان يهدأ من روع الحكومة الامريكي في كون الاحزاب الدينية قد تولت السلطة في العراق، والخطر المحتمل من ذلك على المصالح الامريكية. ولكن اذا كانت الادارة الامريكية قلقة بهذا الشأن فما الذي جعلها تمضي وتصر على تلك الانتخابات في الاصل؟ كان على رئيس الوزراء ان يثبت ان الحزبية –السياسية والدينية- في العراق هي عامل تطور ونمو في الحياة السياسية.
وهو تطرق الى المليشيات المسلحة في فقرة متعجلة قائلا: "الامر الآخر الذي يعيق الاستقرار في العراق هو وجود المليشيات المسلحة لقد قلت في اكثر من مناسبة تصميمي على حل كل المليشيات دون استثناء وحصر السلاح بيد الدولة وضمان الامن للمواطنين، حتى لا يحتاجوا الى آخرين للدفاع عنهم." ان اي مراقب للوضع الامني في العراق يعلم جيدا ان تلك المليشيات بدأت تأخذ دورا جديا على كافة الصعد. ولكن المالكي يعامل هذه المسألة كما لو كانت مجرد (اعاقة) في استقرار العراق، وليست احد الاسباب الرئيسة في عدم استقراره. وكل ما استطاع فعله هو التحدث عن تصميمه المتواصل على حل المليشيات، دون ان نرى في الواقع اية اشارات على هذا التصميم.
وفي فقرة غريبة يدعي المالكي ان عدم الاستقرار الامني انما هو في مناطق محدودة وسط العراق. ربما هو لا يقرأ نشرات الاخبار يوميا، او انه لا يعتبر انفجار لسيارة مفخخة في كركوك، او العصور على جثث في واسط، او المواجهات المسلحة بين الشرطة ومسلحين في الديوانية، او مقتل قدامى البعثيين في كربلاء، او نشاط فرق الموت في البصرة، وسيطرة المسلحين المتطرفين على الموصل، لا يعتبرها خروقات امنية تضع تلك المدن وغيرها على لائحة عدم الاستقرار الامني. ناهيك عن المآسي التي تعيشها مدن بغداد وبعقوبة والرمادي نتيجة المواجهات المسلحة ذات الطابع الطائفي، والنشاط الاجرامي والارهابي، وعمليات المتعددة الجنسيات. غير ان الشيوخ والنواب الامريكيين الذين استمعوا له وصفقوا له لابد انهم يعرفون هذه الحقائق جيدا.
في تقديري ان المالكي اراد تقديم صورة اقل قتامة ان لم نقل وردية عن الوضع العراقي للكونغرس، وكأنه احد المسؤولين الامريكيين في العراق، وليس القائد المنتخب (نظريا) لهذا البلد. ربما يعود ذلك الى رهبة الكونغرس، او الى الرغبة في مجاملة ممثلي الدولة التي تمثل الحليف الاول (والوحيد احيانا) للعراق. لكن الارجح انه اراد احالة الامور الى الكونغرس بدلا من توليها بنفسه. ودلالة ذلك انه يطلب المساعدة في اعادة الاعمار، مؤكدا على المناطق التي كانت "مهملة لفترة طويلة من الزمن، هذه المناطق كانت الاكثر حرمانا في زمن النظام السابق وكانت الاكثر بسالة في جهاد العراقيين من اجل الحرية"، وهي كما هو واضح مناطق وسط وجنوب العراق والتي صوتت للقائمة التي اتت به للحكم، وبذلك يكون اخلى مسؤوليته تجاه ناخبيه!
ولم يدع المالكي خطابه ينتهي بدون ان يقدم وعدا: "ثقوا بان العراق سيكون مقبرة للارهاب والارهابيين دفاعا عن الانسانية في كل مكان." وهو وعد يفوق طاقة الحكومة العراقية والشعب العراقي، وليس مطلوبا على الاطلاق. فالانسانية تملك مقومات الدفاع عن نفسها في كل مكان، ولن يكون على العراقيين ان يخوضوا حربا نيابة عن الجميع.