Wednesday, May 26, 2004

أه يا عقيل

رحل عقيل..
رحل شهيدا..
شهيد الكلمة الحرة الشريفة، شهيد الرأي النزيه المخلص، شهيد الامل نحو الحرية، شهيد الحرب ضد الفساد والتسلط.. رحل شهيدا كما رحل من قبل ابوه على يد الطغاة.
رحل وهو يحمل في عقله النير الاف الخطط من اجل الوطن الآمن الحر، وفي قلبه الاف الامنيات من اجل المستقبل الرغيد لابناء شعبه المثقلين بالجراح..
رحل عقيل الجنابي..
اغتالته ايادٍ اثيمة يئست من رحمة الله، وظنت انها بمنأى عن العقاب، وان الدم الذي انفجر من رأسه المبارك، ان هو الا ماء.. فكم كانوا واهمين.. فهل نسي الناس شهداءهم؟ وهل قدر للفوضى ان تبقى الى الابد؟ غدا يعلم المجرمون.
رحل عقيل، كما رحل الاف الشهداء، في مسيرة هذا الشعب، ليعلم العالم اجمع ان الحرية لم تأت الينا، بل ان علينا ان نأخذها اخذا، فالمجرمون يغتالون الفكر لانه من سيقتلعهم اخيرا، ولن يستطيع اي جبار ان يسكت الفكر الحر، وسيكمل المسيرة حتما من انعم الله عليه بالايمان واوتي الحكمة..
لقد كان الشعب مضطهدا عقودا من الزمن.. ولن يرضى ابدا بعد الان بالضيم، لن يكون عبدا للطاغوت، واسيرا لنزوات المنحرفين.. ولكن هل هذه مجرد اوهام؟
نعم، انها اوهام، طالما كان من يرى لا يشهد، ومن يقضي لا يحكم، ومن يحرس لا يحمي.. وطالما كان بين اناسنا من يقول (ليس عليّ شيء).. (ابعد عن الشر و...) فهل كان سيقول ذلك لو انهالت عليه ضربة الساطور؟ وهل ابتعد الناس يوما عن الشر فأمنوه؟
ان الشر اذا حلّ بقوم فانه باق فيهم، يفت عضدهم ويستميلهم اليه (ان النفس لامارة بالسوء) فان لم يكن فيهم (الا مارحم ربي) فما عليهم الا ان يتبعوه يلتقطهم الوحد تلو الاخر.. ويرسلهم الى نهايتهم الحزينة، التي فرّوا منها اولا.
آه يا عقيل.. هل كنت الا نسمة من عبير الحرية، في جو قائض مغبر؟ هل كنت الا عبرة في صدور المظلومين، وحسرة في اعين المحرومين؟ هل كنت الا شمعة اخرى في المسيرة الدامية، التي قدر لها ان تسير عبر صحراء قاحلة في ليل دامس؟
أه يا عقيل..

Wednesday, May 19, 2004

الخيار الوحيد

من المعروف ان الديمقراطية تكون هشة في مرحلة البناء، وتزداد صلابة مع ترسيخ مبادئها. ولذلك يحتاج بناؤها إلى الكثير من التأني في العمل، ويستغرق زمنا ليس بالقصير لإرساء مفاهيم جديدة وتغيير مفاهيم أخرى.. وطيلة هذه المدة لن يكون للديمقراطية ثمار قريبة، بل على العكس ربما حملت عملية البناء معها الكثير من السلبيات التي تؤدي الى الشك في فائدة التطبيق، وما إذا كانت تستحق فعلا العناء.
لاشك ان العراقيين عانوا طوال عقود من الزمن من أهوال حكم تسلطي فردي يصنع القرار فيه خلف أبواب مغلقة وينأى صانعوه عن المسائلة. والأنكى من ذلك ان معظم هذه القرارات أصبحت تصدر عن (القائد الضرورة) شخصيا، بعد ان تلاشت المعارضة له على كافة المستويات.. وبالتالي أصبحت شطحات فكره (الملهم) نبؤات واجبة التطبيق وعلى الجميع ان يصفق لها مهما كانت النتائج المحتملة وبيلة.. حتى أن بعضها أدى إلى تقويض نفس نظامه نفسه.
نعم.. ان الديمقراطية هي البديل عن الوضع المأساوي الذي آل اليه شعب ودولة العراق بسبب الحكم الفردي. أن طريق تطبيق الديمقراطية كمفاهيم عليا سيكون شاقا باعتبار اننا نبدأ من الصفر (او ربما تحته) ولكننا لا نملك خيار آخر. فحتى محاولة اقتباس مفاهيم مثل مفهوم حقوق الإنسان دون أخرى مثل مفهوم الحرية الفردية، سيؤدي في النهاية الى إلغاء دور المُقتبس. وفي الدول التي تخضع لنظم حكم فردية تحاول تطبيق بعض المفاهيم بدعوى الإصلاح، إنما يكون ذلك تحت رقابة مشددة للتأكد من أن أية مساحة إضافية للحرية قد يكتسبها الشعب يجب ان لا تؤدي إلى تهديد نظام الحكم القائم. ولن تتردد قيادات هذه الدول في إيقاف أي إصلاح سيؤدي إلى مسائلة القيادة العليا، أو هز صروح السلطة وتعريضها للخطر.

Wednesday, May 12, 2004

الارهاب والعقاب الالهي

يتحدث بعض المثقفين عن (الارهاب) كـ(عقيدة اصولية)، وبالتالي يحاولون ايجاد الاسباب والدوافع التي تبرر الافعال المندرجة تحت تعريفه، وان كان التعريف ذاته محل اختلاف شديد. وليس بخاف ان بعض العقائد الاصولية، التي تحث على (الشهادة) في سبيل الله قد تعتبر دافعا قويا للتضحية بالنفس مقابل الفوز بالنعمة الالهية.
غير ان الارهاب اذا قصد به الاتيان بافعال ذات طبيعة تدميرية واسعة (او محدودة ولكن مستنكرة) باستخدام وسائل غير سليمة، بغض النظر عن الدوافع، فمن الواضح ان ذلك ليس له علاقة بالعقيدة.. بل على العكس يدل على ان الارهاب ليس عقيدة بالمرة، انما هو سلوك فردي، او لجماعات محدودة، ولا يعبر مطلقا عن توجه عقائدي او اصولي.
ان محاولة لاستقراء الجماعات التي توصف بالارهابية في وقتنا الحاضر تنم عن تجمعات صغيرة ومشتتة ومنعزلة في اغلب الاحيان، وان كان لها تأثير كبير بسبب قدرتها على الهجوم في وقت وزمان غير محددين.. وهذه التجمعات لا يمكن ان تعبر عن اية عقيدة او فكر يمكن ان يستخدم ايديولوجيا في اضفاء الشرعية على الارهاب.
ولاريب ان هناك تعاطفا شعبيا مع قضايا المظلومين، ينتج عنه رد فعل جماعي اولي غير متعاطف تجاه المصائب التي تصيب الظالمين.. وهو الامر الذي قد يصور على انه تسويغ لافتعال مصائب تردع الظالمين عن ظلمهم. ولكن الحقيقة عكس ذلك. فالتعاطف الذي يجنية ضحايا الارهاب اخر الامر ينسي القضايا التي يدعو اليها المظلومون، ويحول الانظار عنهم. ان العقاب الالهي عقيدة لاخلاف عليها في كل الاديان، ولكن هناك خط فاصل واضح.. لا يمكن لاحد ان يدعي انه سيف الله المصلت على رؤوس العباد بدعوى انهم ظالمون، ومن كان فعل ذلك في سالف الزمن، ذكره التاريخ كدجال لعين.