Monday, January 24, 2005

انتخبوا مرشحكم...!

وقف المرشح على منصة الخطابة، وقد ارتدى اجمل حلته، وتعطر بافخر العطور الباريسية، واحاط به ثلاثة من التابعين الاشداء الذين يحملون البنادق الالية واجهزة الاتصالات، وتخفي عيونهم نظارات سميكة سوداء، فيما سكن الحاضرون انتظارا للحديث الذي سيدلي به المسؤول المهم، والمرشح بقوة للفوز بالانتخابات.. وبعد لحظات الصمت انطلقت حنجرة صاحبنا مغردة بالحديث القيم، الذي ترتفع نبرة الصوت فيه بشكل متزايد حتى يصل حد الصراخ، رغم قوة اجهزة تكبير الصوت..
"لثلاثة عقود قبع العراقيون خلف قضبان سجن كبير، واصبح الشعب كله اسير فئة يسيرة، لم يعرفوا سبيلا للكلام ولا وسيلة للتعبير، غير تنفيذ رغبة القائد (الرمز).. وقد كنا طوال هذه السنين نعمل على تحريركم، نعقد الاجتماعات، ونناقش القضايا المصيرية، وبعد تناول العشاء الفاخر، نتفق على معاودة الاجتماع.. حتى تحقق التحرير فكنا نحن اصحابه وسببه، لذلك عليكم ان تقروا بالفضل وان تصوتوا لمرشحيكم الذين سهروا الليالي في الفنادق الراقية خدمة لاهداف وطنكم، والذين اقنعوا القوى العظمى بضرورة التدخل عسكريا.. صوتوا لمرشحكم الذي ما غابت عن ناظريه قضية الوطن والظلم الذي لحق بالشعب.."
"صوتوا لمرشحكم المفضل، فانه يعدكم بالماء والكهرباء والوجه الحسن.. وبتحسين الخدمات لتصل الى مستوى يتناسب وما يصرف من اموال طائلة في سبيلها.. سوف نبلط الطرق، ونمد شبكات المجاري، حتى تصل الى ابعد قرية وحي سكني.. سوف نصلح شبكات الكهرباء، ونوفر محطات تصفية الماء، ونملأ الساحات القذرة في المناطق السكنية وغيرها بالورود واشجار الزيتون، ونوفر الملاعب في عموم المدن، فلا يضطر شبابنا الى اللعب في الشوارع والارصفة.."
"من اجل عراق اجمل واكثر اشراقا.. صوتوا لمرشحكم المخلص. سوف نقضي على الفساد الاداري، والرشوة المتفشية حتى النخاع في جسم الدولة العليل، ونجعل كل موظف يقنع براتبه الذي تضاعف عشرات المرات بعد السقوط، وسنضرب بيد من (حرير) على يد مرتش لا يشارك رئيسه فيها.. فالخير يخص والشر يعم.."
"من اجل توفير فرص العمل.. انتخبوا مرشحكم الاجدر. سوف نبني المصانع، ونعمر المزارع، ونشيع العمران، حتى لا يبقى خريج كلية يقف على (بسطة) ولا صاحب عائلة يمد يد الشحاذة.. سوف نمتص البطالة والبطالة المقنعة، فتصبح جزءا من التاريخ، كما جعلنا النظام السابق جزءا منه.."
"من اجل عراق آمن.. صوتوا لمرشحكم الامثل.. سوف نقضي على الارهاب، ونحمي الحدود، ونقوي الجيش، ونطهر الشرطة، ونطلب من دول الجوار ان تكف عن التدخل السافر في شؤوننا الداخلية، وتمتنع عن دعم المتمردين والخارجين عن القانون، وسنستحلف هذه الدول بعلاقاتنا (الحميمة) في سابق الايام، ونرجوهم ان يرحموا هذا الشعب المسكين ولا يستهتروا بدمه.."
"من اجل الاستقلال.. صوتوا لمرشحكم المجاهد. سنجبر الامريكان على الرحيل، وسنستحصل قرارا من مجلس الامن يعترف باستقلال العراق لاول مرة في تاريخه، وسنصبح احرارا في حكم انفسنا بعد مشاروة الاخوة والجيران، وسنجعل من العراق واحة للديمقراطية، وجنة للحرية.."
صفق الحضور بفتور، وقال احدهم "هيا الى الطعام" فانصرفوا بقليل من الضوضاء، وفي القاعة المجاورة، كان كل ما يسمع صوت مضغ الطعام، وتأسف بعضهم لمرضه بالسكري الذي يمنعه من التمتع بالاصناف الكثيرة على المائدة.

Monday, January 10, 2005

الشعارات الانتخابية

يعرب المواطن البسيط، في غمرة الحيرة وعدم الاستيعاب لما يجري من احداث في يومه وليلته، عن امله في المستقبل، ولا يخفي خوفه من الحاضر، وفي احيان قليلة يبدي حنينه الى الماضي. ولا تجد في الجهة المقابلة، والتي تعتمد على هذا اللبنة الاساسية (المواطن)، تلك الجهة التي تشتمل على المؤسسات الحكومية، والحزبية، والدينية، والعشائرية وما سواها، لا تجد لديها اهتماما واضحا بهاجس الشارع، او بتطلعاته وآماله. بل ربما انعزل بعضها في صومعة، ومن ثم نادت بنفسها مخلصة، ومنقذة، وخيارا وطنيا.. واستغرقت في رفع الشعارات دون ان تفعل شيئا ملموسا للبرهنة على صدق النوايا وحسن التوجه.
وقد تكون الانتخابات المقبلة ميدانا لاثبات وجود التيارات السياسية المتعددة التي تعج بها الساحة العراقية، في فترة ما بعد سقوط الطاغية، حيث يكون صندوق الاقتراع حكما في شعبيتها ودرجة قبولها على الصعيد الاجتماعي. الا ان هذه الانتخابات، بالمقابل، قد لا تؤدي الا الى تكريس وجود بعض التجمعات او الاحزاب التي لا تمتلك بعدا جماهيريا، او حضورا شعبيا، كنتيجة لطبيعة النظام الانتخابي الذي يسمح باحتواء اطراف مختلفة ضمن القائمة الواحدة. ولن تكون هناك ضمانة لفوز التنظيم الذي يصوت له الناخب، طالما كان يمنح صوته لكل تلك الاطراف. وقد عبّر احد المرشحين عن خيبة امله حينما جاء تسلسله متأخرا في القائمة بقوله "الذين هم في ذيل القائمة انما يعملون من اجل فوز من هم في اعلاها، دون ان يكون لهم حظ وفير في الفوز"، وذلك بسبب النظام النسبي المتبع في هذه الانتخابات. ان كثيرا من الناخبين سيدلون باصواتهم لصالح قوائم ذات شخصيات متميزة من وجهة نظرهم، مهما يكن تسلسل تلك الشخصيات.
فاذا لم يكن توجه الناخبين نحو الافراد او الشخصيات في القوائم، وانما نحو البرامج الانتخابية للاحزاب التي تحتويها تلك القوائم، فان الصورة لن تكون اكثر اشراقا. انظر الى اللافتات التي تملأ الشوارع وتحمل شعارات تدل على البرامج الانتخابية لاصحابها. فهذا الحزب يؤكد انه سيعمل على توفير فرص العمل في حالة فوزه، وذاك سيكون همّه حلّ مشكلة الكهرباء (المزمنة)، وثالث يركز على توفير الخدمات، وهكذا.. وهم جميعا يتفقون على ان انتخابهم يعني احلال الامن، وانهاء الاحتلال باخراج القوات المتعددة الجنسيات.. وتلك –لعمري- دعاية انتخابية هزيلة، تستخف بعقل الناخب بشكل لا مثيل له. فحريّ بهذا الشعب، الذي يتوفر على طاقات فكرية تبز كثير من الشعوب الاخرى، ان يُخاطب اعلاميا بشكل اكثر وعيا، واقل اسفافا. سيّما وان من يدعي قدرته على احلال الامن، قد اتيحت له الفرصة في الماضي لاثبات ذلك، حيث انه اما كان ضمن مجلس الحكم السابق، او عنصرا في الحكومة الحالية.
اما شعار توفير الخدمات، فهو امر يعتبر بديهيا بالنسبة لاية حكومة، فما الذي يجعل الوعد به دعاية انتخابية؟ هل اصبحت قضايا مثل ازمة الوقود وندرة الكهرباء عصية على الحل الى هذه الدرجة؟ على اننا لا نعلم بلدا اخر في العالم يعاني من ازمات مماثلة، وبهذه الحدة سوى العراق، وما ذلك الا بسبب سوء ادارة الدولة او اهمالها. تلك الدولة التي تشكل الاحزاب المتنافسة في الانتخابات الحالية، ركنها الاساس.. وهي مع ذلك لا تعترف بالتقصير، بل على العكس ترى انها غير مسؤولة عن تلك الازمات، وان الامور لا تحل الا بحكومة (شرعية).. أي منتخبة ديمقراطيا!!

Monday, January 03, 2005

بين الشرعية والكفاءة

من الامور التي يسلم بها الجميع ان الحكومة، أي حكومة وطنية، لكي تكون قادرة على اداء مهامها بالشكل الامثل، يجب ان تحوز على الرضا العام للشعب. وهذا الرضا يتأتى من طرق شتى.. منها المساندة الشعبية، وعدم المعارضة، والطاعة غير القسرية، وتجنب العصيان. غير ان كل هذا لا يمنع من الطعن في شرعية تلك الحكومة، اذا لم تكن ممثلة بشكل شرعي للشعب. ومن المعروف ان التمثيل الشرعي لا يكون الا بالانتخاب.
على ان انتخاب الحكومة، قد لا يأتي بالضرورة بعناصر هدفها خدمة المجموع، وتحقيق امال الشعب الذي صوت لاجلها. كما ان هؤلاء المنتخبين ديمقراطيا قد لا يكونون اصحاب مباديء سامية ومثل عليا. ولذلك كان هناك مبدأ الانتخابات الدورية، لمعالجة الوضع الذي يحتل فيه الوصولي او غير الكفؤ سدة الحكم، او مقعد البرلمان.
وفي حالات كثيرة، وجدت حكومات لا تتمتع بالشرعية (الانتخابية)، كانت قادرة على تقديم خدمات لشعبها، وحماية امنه ورفاهيته، بشكل ربما عجزت عنه حكومات اكثر شرعية منها. والمقياس في ذلك مقدار الفساد السياسي والاداري الذي يرافق عمل السلطة. فالفساد الاداري في الحقيقة هو انعكاس للفساد السياسي، على المستوى البيروقراطي الاداري. فاذا كانت رموز الدولة بمستوى صناع القرار منشغلة بتقوية نفوذها، وترسيخ قواعد احزابها، واكتناز خزان الدولة لصالح مجموعاتها.. فان اركان الدولة بمستوى التنفيذ ستكون اقل اهتماما بمعالجة السلبيات وتصحيح الاخطاء، واكثر ميلا الى استغلال المنصب الاداري، وقديما قيل (اذا كان رب الدار...).
وفي بلد انهار فيه النظام السياسي والاداري فيه كليا، كانت هناك ضرورة للبدء من الصفر، او ربما من تحته، وكان يجب ان يصار الى ارساء النظام السياسي اولا، ليتم بعد ذلك تشكيل مؤسسات حكومية بدرجة عالية من النزاهة، لا ان تترك الساحة نهبا للانشطة السياسية الحزبية الضيقة، التي سعت من اجل مصالح احزابها دون ان تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. فكان ان انتشر الفساد الاداري بشكل لا مثيل له، حتى في اكثر الانظمة استبدادا في العالم اليوم.
وبدلا من المطالبة بحكومة كفوءة، شفافة، نزيهة، مسؤولة، ومحاسبة امام الشعب، لتكون قدوة لمجمل هيكل الدولة الناشئة، ومن ثم العمل على تحديد شكل النظام السياسي الذي يناسب واقع وتطلعات الشعب العراقي.. بدلا من ذلك كانت الاصوات تتعالى من اجل اجراء الانتخابات، في ظروف لا يستطيع فيها المواطن ان يصنف افرادا او احزابا بناء على ما قدموه للشعب.. الا تنظر الى دعايتهم الانتخابية التي تقول: انتخبونا من اجل ان نوفر لكم الامن والاستقلال وفرص العمل والكهرباء والوقود.. الخ، وكأنهم كانوا على القمر. فاذا كان ذلك بامكانكم، فما الذي منعكم لسنة ونصف؟ اذا كانت لديكم الكفاءة فعملكم، لا شعاراتكم، هي ما سيثبتها، واذا كنتم تبحثون عن الشرعية، فما اسوأ حظ هذا الشعب المظلوم، اذ يمنح الشرعية طائعا مختارا، لمن لا يملك ادنى مقومات التواصل الاجتماعي والحنكة السياسية، ناهيك عن الكفاءة الادارية!!