Monday, January 10, 2005

الشعارات الانتخابية

يعرب المواطن البسيط، في غمرة الحيرة وعدم الاستيعاب لما يجري من احداث في يومه وليلته، عن امله في المستقبل، ولا يخفي خوفه من الحاضر، وفي احيان قليلة يبدي حنينه الى الماضي. ولا تجد في الجهة المقابلة، والتي تعتمد على هذا اللبنة الاساسية (المواطن)، تلك الجهة التي تشتمل على المؤسسات الحكومية، والحزبية، والدينية، والعشائرية وما سواها، لا تجد لديها اهتماما واضحا بهاجس الشارع، او بتطلعاته وآماله. بل ربما انعزل بعضها في صومعة، ومن ثم نادت بنفسها مخلصة، ومنقذة، وخيارا وطنيا.. واستغرقت في رفع الشعارات دون ان تفعل شيئا ملموسا للبرهنة على صدق النوايا وحسن التوجه.
وقد تكون الانتخابات المقبلة ميدانا لاثبات وجود التيارات السياسية المتعددة التي تعج بها الساحة العراقية، في فترة ما بعد سقوط الطاغية، حيث يكون صندوق الاقتراع حكما في شعبيتها ودرجة قبولها على الصعيد الاجتماعي. الا ان هذه الانتخابات، بالمقابل، قد لا تؤدي الا الى تكريس وجود بعض التجمعات او الاحزاب التي لا تمتلك بعدا جماهيريا، او حضورا شعبيا، كنتيجة لطبيعة النظام الانتخابي الذي يسمح باحتواء اطراف مختلفة ضمن القائمة الواحدة. ولن تكون هناك ضمانة لفوز التنظيم الذي يصوت له الناخب، طالما كان يمنح صوته لكل تلك الاطراف. وقد عبّر احد المرشحين عن خيبة امله حينما جاء تسلسله متأخرا في القائمة بقوله "الذين هم في ذيل القائمة انما يعملون من اجل فوز من هم في اعلاها، دون ان يكون لهم حظ وفير في الفوز"، وذلك بسبب النظام النسبي المتبع في هذه الانتخابات. ان كثيرا من الناخبين سيدلون باصواتهم لصالح قوائم ذات شخصيات متميزة من وجهة نظرهم، مهما يكن تسلسل تلك الشخصيات.
فاذا لم يكن توجه الناخبين نحو الافراد او الشخصيات في القوائم، وانما نحو البرامج الانتخابية للاحزاب التي تحتويها تلك القوائم، فان الصورة لن تكون اكثر اشراقا. انظر الى اللافتات التي تملأ الشوارع وتحمل شعارات تدل على البرامج الانتخابية لاصحابها. فهذا الحزب يؤكد انه سيعمل على توفير فرص العمل في حالة فوزه، وذاك سيكون همّه حلّ مشكلة الكهرباء (المزمنة)، وثالث يركز على توفير الخدمات، وهكذا.. وهم جميعا يتفقون على ان انتخابهم يعني احلال الامن، وانهاء الاحتلال باخراج القوات المتعددة الجنسيات.. وتلك –لعمري- دعاية انتخابية هزيلة، تستخف بعقل الناخب بشكل لا مثيل له. فحريّ بهذا الشعب، الذي يتوفر على طاقات فكرية تبز كثير من الشعوب الاخرى، ان يُخاطب اعلاميا بشكل اكثر وعيا، واقل اسفافا. سيّما وان من يدعي قدرته على احلال الامن، قد اتيحت له الفرصة في الماضي لاثبات ذلك، حيث انه اما كان ضمن مجلس الحكم السابق، او عنصرا في الحكومة الحالية.
اما شعار توفير الخدمات، فهو امر يعتبر بديهيا بالنسبة لاية حكومة، فما الذي يجعل الوعد به دعاية انتخابية؟ هل اصبحت قضايا مثل ازمة الوقود وندرة الكهرباء عصية على الحل الى هذه الدرجة؟ على اننا لا نعلم بلدا اخر في العالم يعاني من ازمات مماثلة، وبهذه الحدة سوى العراق، وما ذلك الا بسبب سوء ادارة الدولة او اهمالها. تلك الدولة التي تشكل الاحزاب المتنافسة في الانتخابات الحالية، ركنها الاساس.. وهي مع ذلك لا تعترف بالتقصير، بل على العكس ترى انها غير مسؤولة عن تلك الازمات، وان الامور لا تحل الا بحكومة (شرعية).. أي منتخبة ديمقراطيا!!