Wednesday, September 22, 2004

متطلبات الانتخابات

منذ سقوط النظام السابق، برزت دعوات كثيرة من اجل اجراء انتخابات تراوحت بين مسؤولي الدوائر الحكومية واعضاء مجالس محلية وصولا الى انتخابات المجلس الوطني المؤقت، دون ان تـُعد اية دراسة علمية، او القيام باي جهد يذكر للتعرف على طبيعة ونتائج الانتخابات لمنصب رسمي، وتأثير ذلك على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
ولا يمكن الاعتراض على ان الانتخابات التي يتمخض عنها تشكيل هيئة تشريعية وسلطة تنفيذية، هي خير وسيلة لتسليم السلطة والحكم باسم الشعب. لكن المشكلة في الخطوات المعقدة لهذه الانتخابات.
فاذا اريد للانتخابات ان تؤدي الغرض المطلوب وجب ان تنفذ بالشكل الصحيح، والا فانها ستصبح بذرة لحرب اهلية حقيقية. ذلك ان الفائزين بالانتخابات سيصرون دوما على شرعية توليهم المناصب، مقابل اصرار معارضيهم، او منافسيهم، على فقدان هذه الشرعية. ويعلم العراقيون ان من بين الاسباب الرئيسة لتردي الوضع الامني هذه الايام انما يعود للطعن بشرعية الدولة القائمة، محليا على الاقل.
قبل فترة وجيزة صرح السيد رئيس الوزراء، الدكتور اياد علاوي، ان الانتخابات ستجرى حتى لو تخلف عنها بعض العراقيون.. واعطى ارقاما ليستدل على ان نسبة المتخلفين قليلة مقارنة بالراغبين في المشاركة. والحقيقة ان اية نسبة من المواطنين تحرم حقها في المشاركة، مهما تكن قليلة، يمكن ان تكون عاملا اساسيا في تقويض العملية برمتها. والمطلعون يعلمون انه غالبا ما تكون نتائج الانتخابات التي تجرى في جو ديمقراطي، متقاربة الى حد يصبح فيه الحسم لاصوات قليلة. من جهة اخرى قد يكون من الصعب اقناع بعض المواطنين بالمشاركة، فهي حق خالص، ولا يجوز الزام أي مواطن على المشاركة. وفي هذه الحالة فان ذلك سيكون خيارا فرديا اتخذه المواطن بمحض ارادته. وهو امر يختلف تماما عن استثناء منطقة معينة او مدينة او محافظة من الدخول في العملية الانتخابية، تحت اية ذريعة.
ولكي نحقق انتخابات تحوز على رضا الشعب عموما، يجب ان يتم الوفاء بالمتطلبات الاساسية، ومن اهمها تبني قانون انتخابي وآلية انتخابية تلائم طبيعة المجتمع العراقي، وتضمن التمثيل السياسي المناسب لكافة شرائحه بشكل عادل. كما ان تقسيم الدوائر الانتخابية قد يكون امرا معضلا، ويغير بشكل حاسم نتيجة هذه الانتخابات. ويجب اعداد كوادر فنية لادارة الانتخابات في المناطق، وتدريبها لتلافي الاخطاء التي قد تكون ذات تأثير مباشر على النتائج. ويجب توفير المراكز الانتخابية وحمايتها. كما يجب منح الوقت الكافي للمرشحين والاحزاب للتعريف ببرامجها والدعاية الانتخابية، وتثقيف مجتمع الناخبين حول مجمل العملية الانتخابية وحثهم على المشاركة، وضمان نزاهة الاقتراع وسريته. والسؤال الان: كم تحقق من هذه المتطلبات خلال فترة اربعة اشهر من عمل الهيئة الانتخابية المستقلة؟ وهل سيتم انجازها خلال الاربعة اشهر القادمة؟ هل يمكن الوصول الى انتخابات عادلة برغم الوضع الحالي؟

Wednesday, September 15, 2004

استمعوا للمواطنين

يتكلم الناس همسا حينا، وبصوت مرتفع احيانا، عن مظاهر للفساد الاداري في مؤسسات الدولة الناشئة.. تلك المظاهر التي اخذت تتفشى بسرعة خيالية محرقة الاخضر واليابس، ومؤدية الى تذمر واسع بين المواطنين الذين أملوا في تغيير حقيقي يستحق التضحيات التي تقدم بشكل يومي.
ان المواطن العادي يجد الحرية، التي نجمت عن اسقاط النظام السابق، وبالا عليه بدل ان تكون مكسبا. فقيادة السيارات في الشوارع اصبحت (حرة) لا يردعها قانون او نظام، واستغلال الارصفة وحتى اجزاء من الشارع من قبل الباعة المتجولين بات حقا مكتسبا لا يجرؤ احد على منعه، وتعالي بعض الموظفين على المراجعين واستعمال الفاظ مهينة بشكل سافر قلما عرض ذلك الموظف الى المحاسبة ناهيك عن العقاب.
واذا كان العذر في ذلك كله ان (التركة الثقيلة) فاننا نتفق على ذلك، غير اننا ننبه ان وقت الاعتذار قد فات.. فليس القاء التبعات هو ما سيحقق للمواطن طموحاته وامانيه في العيش بكرامة وامن وبرفاهية، ولو باقل قدر منها.. اننا نتوقع جيلا جديدا من المسؤولين الذين عليهم قيادة كوادرهم نحو تلبية مطالب الشعب، وهم الذين عليهم ان يجدوا الوسائل الناجعة لاحداث هذا التغيير الضروري.
وفي حين اننا تحت النظام السابق رغم فساده قد سمعنا عن حالات طرد وسجن وعقوبات اخرى بتهمة الفساد الاداري، فاننا في زمن الحرية لم نسمع عن موظف واحد، او مسؤول واحد، قد عنف او انذر نتيجة تصرف غير لائق او تلقيه الرشوة، رغم ادعات كثيرة بهذا الشأن.. فهل ان شكاوى المواطنين المتكررة هي محض افتراء؟ وحتى على هذا الفرض، فهل اعلن عن التحقيق في قضية ما ليعلم المواطنون ان شكاواهم لا تذهب ادراج الرياح؟
انني اذ اشيد بدور الكثير من الموظفين الحكوميين الذين يضحون بارواحهم من اجل سلامة المواطنين، وواولئك الذين يسهرون الليل في مواساة آلآمهم وعلاجها، وغيرهم من يسير على نهج تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. في الوقت الذي احنى هامتي تحية لهؤلاء، اطالب بالاستماع الى المواطنين والتحقيق في دعاواهم حول تصرفات موظفين اخرين، منعا لخلط الغث بالسمين، وخوفا على الصحيحة (تـَجْربُ).

Wednesday, September 08, 2004

الموت المقدس

عشرون (مجاهدا) يقتحمون مدرسة في احدى الجمهوريات الروسية الصغيرة، ويعلنون جميع من فيها من تلاميذ واولياء امورهم ومدرسيهم رهائن من اجل القضية التي (يجاهدون) من اجلها.. تحرير الشيشان! يا لها من شجاعة، ويا له من جهاد.. لابد ان السلف الصالح سيفخر بما يفعله هؤلاء الثلة التي ضمنت الجنة بـ(استشهادها) من اجل قضيتها.. كيف لا وقد اتوا فعلة لم يفكر فيها حتى اكثر اسلافهم تقوى وثورية.. واثبتوا ان ملتهم تستطيع ان تتجد في الاساليب كما تجدد في الغايات.
نعم، فقبل نحو خمسة عشر عاما كان هذا النفر يجاهدون من اجل اخراج (السوفييت) الملحدين من افغانستان.. وكان هناك تعاطف كبير مع قضيتهم.. فقد ارتكبت السلطات المحتلة جرائم شتى ضد المعارضين للحكم الافغاني العميل لهم انذاك. ولم يتورع هؤلاء المجاهدون عن استلام المعونات من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاطلسيين، الذين كانوا يقدمونها كجزء من ضرورات الحرب الباردة مع (الاتحاد السوفيتي).
وسقطت الشيوعية، وسنحت للمجاهدين اخيرا فرصة اقامة دولتهم الايمانية، ولم يمانع العالم، طالما كان ذلك خيارا داخليا، ليس له تأثير على بقاع اخرى في المعمورة. وسرعان ما تبين العالم انه كان واهما.. فمن الهجوم على المصالح الامريكية، الى هدم الرموز الثقافية، الى احتضان منظمة القاعدة التي اعلنت نفسها، وبشكل منفرد، المدافع عن الاسلام، والناشر لراية التوحيد.. كل ذلك جلب الاحتلال مرة اخرى الى ارض افغانستان المبتلاة، ودكت الصواريخ والطائرات والمدافع والدبابات مدن وقرى هذا البلد تحت نظر وسمع العالم الذي وقف حائرا بين الرغبة في مساعدة الشعب المظلوم، والخوف من تنامي قوة المتشددين الذين اتخذوه مأوى لهم.
واليوم، يعود المجاهدون الى عدوهم السابق.. ليس السوفييت بل الروس، غير آبهين بالتغيير الجوهري الذي حصل بزوال الاتحاد السوفييتي، والتحول الى الديمقراطية، بل ان الاسوأ من ذلك انهم يحاولون الاستفادة من هذه الديمقراطية.. وللمقارنة فان ستالين رحّل جميع الذكور البالغين الشيشانيين الى سيبريا حين لاحت لهم بوادر ثورة، ناهيك عمن اعتقل واعدم. اما اليوم فتجري انتخابات لاختيار رئيس للشيشان من ابنائها، وتقول الاحصاءات الرسمية ان نسبة تقارب الـ80% قد شارك فيها، فما الداعي للـ(جهاد) والقيام باعمال (ارهابية) حسب تعبير السواد الاعظم من البشر؟ لا اجد مبررا غير ان هناك نفرا من الناس عزموا على الموت بطريقة يكون فيها تقديس ومهابة، حتى وان لم يجدوا نصيرا.. فانا لله وانا اليه راجعون.