Monday, December 27, 2004

مبحث في الانتخابات

مما ورد في اعتراضات فئة من المخالفين الذين اعمى الله بصيرتهم انه لا يوجد دليل شرعي في وجوب الانتخاب وان القول بذلك مبني على الرأي دون التمحص في ما نقل الينا عن الشيخ الحليم. وقد رآيت ان اصنف مبحثا في هذا الشأن للرد على تلك الاعتراضات واخرس الافواه التي ما برحت تتهجم وتدعي لاظهر لهم البينة الساطعة التي لن تدع لهم مجالا للشك ان كان في قلبهم قبس من نور الايمان وفي عقلهم لمحة من الانصاف.
فقد ورد في (كتاب الاسرار) للشيخ الحصيف، ان جماعة كانت في حضرة الشيخ الحليم، فسألوه عن الانتخابات فقال: (عليكم بها فانها المخرج في ساعة الضيق). رواه ابو هبيرة وقال الشيخ الحصيف انه قول حسن.
وفي (ستر المكشوف) للعلامة الشيخ فخر الدين الاشرف فصل عن الانتخابات جمع فيه مائة حديث في المشاركة والترشيح، ومما ورد فيه: قال ابو سامي الياقوتي كان الشيخ الحليم يسير في الاسواق ويقول: عليكم بالترشح والتسجيل في الانتخابات، فقال رجل من العامة: فهل يقبل ترشيحي قال: نعم مادامت فيك الشروط. قال ابو سامي، فمازال الشيخ الحليم ينادي بالناس والناس يسألونه حتى ظننت ان الجميع سيترشحون.
وجاء في (الستر) ايضا ان رجلا منع امرأته من الانتخاب، فبلغ امره الى الشيخ الحليم فقال ائتوني به، فلما جاءه سأله: اتمنع زوجك من الانتخاب، قال نعم يا مولاي، قال: فلم؟ قال خشيت ان تصوت لغريمي. قال الشيخ الحليم، وان يكن، وامره بعدم العودة الى ذلك ابدا. واخرج صفاء المرجين مثل هذا القول غير انه قال ان الشيخ الحليم عزر الرجل بعشرة جلدات، ولم يثبت عندنا.
وجاء في (قدح القادحين) ان حاشية الشيخ الحليم كانت تراقب الانتخابات، وان منهم من يقوم على الصندوق فلا يبارحه حتى ينتهي وقت التصويت، ومنهم من يجلس في باب مركز الاقتراع يسجل المصوتين ويرسل الموقف كل حين الى مولاه. وان الفرز كان يتم بحضرته شخصيا، فان كان متوعكا امر احد التابعين فوقف على الفرز.
ومن اللمحات التي وردت في (القدح) ايضا ان احد المرشحين هدد الناس في منطقته الانتخابية في حالة عدم التصويت له، بانه سيوقع بهم اشد العذاب. فاشتكى احد هؤلاء الى الشيخ الحليم فارسل حاشيته فاعتقلوه والقوه في السجن اياما، ثم امرهم فجاءوا به اليه، فلما مثل الرجل بين يدي الشيخ الحليم اطرق رأسه، قال له: انادم انت على فعلتك، قال: نعم، وان تعف عني لن اعود اليها ما حييت.. قال الشيخ الحليم: بل تحد وتمنع من الترشح ما حييت. وامر بتقييده الى عمود في منطقته الانتخابية وكلما مر به احد يقول: انا نادم ولن اعود لها.
هذا غيض من فيض ومنه يتبين ان الانتخاب والاقتراع والترشيح هو مما تناقلته الثقاة وتواترت به الاخبار مما لا يدع شكا لضان. فان قيل فان الشيخ الحليم (عيّن) الشيخ الفهيم خلفا له، قلنا بل انه انتخبه لذلك، فهو منتخب ايضا وليس معينا. انتهى المبحث.

Monday, December 20, 2004

تصريحات الشعلان

قبل ايام قليلة صرح وزير الدفاع حازم الشعلان بان (المخابرات الايرانية والمخابرات السورية والمخابرات العراقية السابقة هي التي تغذي الشبكات الارهابية في العراق) وان (ايران هي مفتاح الارهاب) و(لن نسمح بقيام دولة صفوية جديدة في العراق) وغير ذلك من التصريحات. وهذه ليست المرة الاولى التي يطلق فيها الشعلان مثل هذه التصريحات النارية، فقد قال سابقا (ان ايران هي عدو العراق الاول) واشار كذلك الى الدور السوري في الاحداث التي تشهدها الساحة العراقية.
ورغم ورود مثل هذه التصريحات على لسان مسؤولين عراقيين اخرين، منهم رئيس الوزراء الدكتور اياد علاوي، ولكن بلهجة اقل حدة، الا انها اصبحت صفة ملازمة للسيد الشعلان وكأنه ينفرد بها. خصوصا مع نتائج مؤتمر شرم الشيخ التي ادانت الارهاب في العراق بحضور وموافقة الدول التي يتهمها، وما تلاه من مؤتمر وزراء الداخلية في ايران.
ونحن لا نستطيع ان نفند ما يصدر عن وزير الدفاع، وليس مطلوب منا ان نصدق نفي المسؤولين الايرانيين والسوريين لها بشدة. لكننا لا نستطيع كذلك ان نبقى مستمعين لا حول لنا ولا قوة. فما يضير وزير الدفاع، والحكومة المؤقتة، اذا ما اعلنت ما لديها من ادلة حول تدخل الدول المجاورة؟ ولماذا يتم التصريح بما توصلت اليه المخابرات العراقية (الحالية) دون اظهار ولو جزء من عملياتها للمواطنين؟ فهل ان مصداقية الحكومة غير قابلة للطعن؟ ام ان على الشعب ان يصدق ما يقال لها دون ان يكون له دور في الحكم عليه؟
من جهة اخرى، اذا كانت لدى وزارة الدفاع ادلة دامغة، فلماذا لا تلجأ الى الامم المتحدة كخيار دولي يعمل على دراسة الموضوع واتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع التدخل الخارجي في الشأن العراقي؟ اليس هذا ما تفعله الحكومات المستقلة ذات السيادة؟ ناهيك عن المحافل الاخرى من جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الاسلامي، دول عدم الانحياز...الخ.
لقد تحقق للعراقيين مع بزوغ شمس الحرية مكسب مهم، وهو حقهم في المشاركة، سواء في المعلومات التي تهم حياتهم ومصيرهم، او في اصدار القرار بشأن تلك الامور المصيرية على وجه الخصوص. واتهامات حازم الشعلان المستمرة اصبحت تلاقى بعد الاهتمام بسبب اهمال دور المواطن، والاستهانة بعقلية الشعب من خلال عدم الاكتراث بعرض الحقائق (ان كانت موجودة اصلا) عليه ليحكم من خلالها، وليكون عونا للحكومة ومساندا لها في أي اجراء تتخذه.
اننا نعتقد ان على الشعلان والمسؤولين العراقيين الاخرين ان يكفوا عن كيل الاتهامات والقاء التبعات وانتهاج سياسة التضليل والتعتيم، وان يعطوا الشعب العراقي دوره المميز ويعترفوا بقصور الحكومة عن توفير اهم واجباتها وهو الامن، وان لا يمارسوا الاعيبا سياسية تهدف الى رمي الكرة في ملاعب الاخرين لكسب الوقت بانتظار الانتخابات المقبلة. ان واجب الحكومة، وان كانت مؤقتة، يجب ان يتم اداؤه على افضل وجه حتى اليوم الاخير من عمرها، والا فان التاريخ سيذكرها بنفس الطريقة التي يذكر بها الحكومات التي سبقتها.

Monday, December 13, 2004

دعم الانتخابات

تناقلت وسائل الاعلام اتفاق الاحزاب الشيعية على قائمة موحدة يدعمها السيستاني، المرجع الديني الاعلى للشيعة، ستخوض الانتخابات التي ستجرى نهاية كانون ثاني المقبل. والواقع ان مثل هذه الاخبار تشعر المرء براحة نفسية كون عملية الاتفاق بحد ذاتها هي امر سار.
غير ان مسار العملية الديمقراطية، لكي يكون سليما، يجب ان ينقد ويحلل بصبر وبروح وطنية، وليس بالشعور الداخلي فقط. فمن اولى مباديء الديمقراطية، والتي شدد عليها السيستاني نفسه في اكثر من مناسبة، ان تجرى انتخابات حرة ونزيهة تكون بمثابة المخرج الشرعي والقانوني لوضع السلطة بحيث يكون لها مطلق الصلاحية في اعداد الدستور الدائم، والتفاوض حول خروج القوات المتعددة الجنسيات من العراق. كما ان مثل هذه السلطة المنتخبة ديمقراطيا لابد ان تحظى على رضا الشعب، حتى وان اختلفت رؤيا بعض افراده عن توجهات الحكومة، طالما كانت تعمل من اجل الخدمة العامة. وبالتالي تسقط الحجج التي ربما تقوم عليها (المقاومة المسلحة).
اذاً الانتخابات، يجب ان تكون (حرة ونزيهة) اي خالية من اي تأثير خارجي، او ضغط او تهديد او وعيد، او ترغيب مادي او رشوة، او كل ما من شأنه ان يغير في قرار الناخب بدون ارادة ذاتية محضة. ولعل القول بان هذه القائمة او تلك تدعم من قبل الحزب او التيار او الكتلة الفلانية، لا يعد تأثيرا على الناخب بل دعاية انتخابية. فليس هناك ضغوطات نفسية او مادية على الناخب للتصويت لقائمة حزب معين سوى قابلية ذلك الحزب على اقناع هذا الناخب.
بيد ان القول ان تلك القائمة (تدعم) من قبل المرجع الديني ذاته، فالامر مختلف. اذ لا تمثل هذه المرجعية تنظيما حزبيا او سياسيا، او تيارا فكريا وعقائديا، وانما يفترض ان تكون تجسيدا لرعاية ابوية كريمة، وبالتالي فان ما نتوقعه هو ان السيستاني سيدعم جميع القوائم، وليس اياً منها تحديدا. خصوصا مع مكانته في قلوب جميع العراقيين، ليس الشيعة فقط وانما حتى لدى العرب والاكراد السنّة الذين يكنون له اجلّ الاحترام. فان القول بان قائمة ما يدعهما السيد السيستاني سيشكل ضغطا كبيرا على الناخبين ويدفعهم للتصويت لها، فقط لهذا السبب. واذا لم يكن التصويت مبنيا على قناعة الناخب بالمرشحين او الاحزاب التي تشكل القائمة، فاننا نخاطر برفض النتيجة بعد فترة وجيزة، حتى من قبل المصوتين انفسهم، بسبب احساسهم بانهم ضحية لتحايل وان يكن غير مقصود. لقد عمل وكلاء السيد السيستاني، من خلال اللجان الشعبية التي شكلوها، على تسهيل عملية تسجيل الناخبين، وعلى دعم الانتخابات والتعريف بها والحث عليها، وهو مجهود جبار يستحق الثناء والشكر. الا ان الامر -في رأيي- يجب ان يقتصر على هذا الدور.. فالمطلوب هو دعم الانتخابات وليس دعم القوائم

Sunday, November 21, 2004

البدر العاصي

إلى امّ شهيدٍ وقد جفت مآقيها، والى ابيه وقد قدم قربانه مرغما، والى اخوته واصدقائه وقد اصابهم الذهول، مرة اخرى. غدا يقام النصب، الذي نسي تشييده نارام سن، وكتب بدلا عنه قانونه الاول. اما اليوم فلنـُقم فاتحة اخرى.
عاد البدر هلالا قبل دورة الفلك العاصي، ثم امحقت ليالي العراق
العراق نافذة ضيقة للحزن ادمعت العين
العين درّت دمعا بلون نزيف اطفال العراق، في اطرافهم غدر وفي عيونهم براءة
براءة من الذين كبّروا حين سلوا السيف بوجه اعزل
اعزل انت ايها العراق منذ السقوط، والسحل في الشوارع
الشوارع تكتب قصة اخرى نسيتها شهرزاد.. ونام شهريار
شهريار قرأ التعويذة فبكت الجواري وبعض العبيد وغاب السيد
السيد يأمر بالصبر انتظارا لحدث قادم.. في عام آخر
آخر الدورة الابقة عاد الحزن بدون مؤاساة في ليالي العراق السرمدية يتسمع انات ثكالى من العهد القديم
القديم يأتي جديدا، كلما عاد العيد
العيد عاد، كما عاد البدر هلالا عاصيا
عاصيا جلس على الرصيف وضم رأسه الى رجليه فزعا
فزعا ليالي العراق تنز دما وتشتعل لهيبا
لهيبا يحرق بترولك ايها العراق، فتعود اسيرا
اسيرا سمع التكبير غير انه حُرم التشهد
اشهد الا اله الا الذي امن به السلف الصالح
صالح ما يحدث دائما، فيهِ صالح
صالح انت ايها العراق رغم العيد الابق، ورغم الدمع القرمزي والحزام الناسف

Monday, November 08, 2004

رحل زايد.. صاحب المبادرة الوحيدة لانقاذ الشعب العراقي

مساء الثلاثاء، الثاني من تشرين الثاني، فجعت الامة العربية بوفاة احد رموزها في العصر الحديث.. رجل استطاع بناء دولة من مجموعة امارات متفرقة، وبناء اقتصاد متين لا يعتمد على النفط كمورد اول، رغم ان كل ما كانت تمتلكه بلاده بداية هو النفط.. هذا الرجل لم ينصب نفسه صنما ولم يطلب جزاءا من شعبه كما جرت عادة القادة العرب الذين اذا تمكنوا من فعل الشيء القليل لشعوبهم فانهم يقيمون الدنيا ولا يقعدوها، ويحتفلون بذلك الانجاز سنويا بنصب من اضعاف الاحجام. زايد بن سلطان ال نهيان، اسم الفته الاذن العربية، ليس كحاكم فقط، وانما كعنصر رائد في رسم مسيرة التطور العربي، اذا كان لها ان تبدأ يوما.. ففي دولة صحراوية لم تتوفر على نخلة واحدة قبل ربع قرن، اصبح تعداد النخيل فيها اليوم يبلغ عشرات الملايين. وهذا يعني ان ليس العمران فقط هو ما يسجل نهضة الامارات.. انه العزيمة على تحدي حتى الظروف المناخية القاسية.. بينما كان قادة اخرون يتلهون بملئ ترسانتهم من السلاح، وبالقاء الخطب العصماء بمناسبة وبدون مناسبة، وباقامة التماثيل لتبجيلهم، والصروح والقصور لتكريسها معابد لشخوصهم. زايد اوتي من الحكمة والشجاعة ما يجعله يفكر في شعب العراق، اكثر مما فعلت قيادته، واكثر من أي قائد عربي اخر.. زايد اعلن مبادرة يذكرها العراقيون بكل اسف، فماذا كان سيكون الحال لو ان صدام حسين اصغى لتلك المبادرة؟ رفض صدام ترك السلطة طواعية، وكل ما كان يفصله عن ازاحته عنها خمسة او ستة اسابيع.. مخلفا نهرا من الدماء بدأ يوم 21 اذار 2003 ولا يعلم الا الله متى سيكون جفافه.
وفيما يلي نص المبادرة التي تقدم بها الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان.. ننشرها توخيا للفائدة، وتذكيرا بجهد خير ندر ان يبدر عن غير الاصلاء، المحبين لامتهم واقعا وليس شعارا.. فرحم الله زايدا والهم قيادة وشعب الامارات الشقيقة الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.
شرم الشيخ/ 1 اذار 2003 / وام
صاحب الجلالة الأخ الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة حفظه الله ملك مملكة البحرين رئيس القمة العربية، أصحاب الجلالة والسمو والفخامة، ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية الشقيقة. تتسارع التطورات، ومعها تعظم المخاطر التي تحدق بالأمة العربية والعالم بسبب ما وصلت إليه الأزمة في العراق، والتي تستفحل في كل يوم، بل كل ساعة، منذرة بأسوأ النتائج وأفدح الأخطار ليس على العراق وشعبه الشقيق فحسب، بل علينا جميعا وعلى العالم بشكل عام.ولعل انعقاد القمة العربية اليوم يوفر فسحة من الأمل لقادة الأمة العربية، لأن يسهموا في بلورة مخرج من هذه الأزمة المعقدة والخطيرة، يحفظ للعراق وحدته الإقليمية ويقي شعبه مزيدا من الدمار والخراب والخسائر، وينزع فتيل حرب ضروس ستؤدي دون ريب إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره. ومن منطلق التزامنا الثابت بوحدة العراق، وبكل ما فيه الخير لشعبه الشقيق على المدى البعيد، ولقناعتنا بأن يكون لقادة الأمة العربية دور رئيسي فيما يمكن أن يرقى إلى اجتراح معجزة التوصل إلى تسوية سلمية للخطر الداهم، وإدراكا منا لكل الظروف المحيطة بالأزمة وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، ولكل التعقيدات التي تكتنفها وإلى امتداداتها المتشعبة، فقد ارتأينا أن نتوجه إليكم إخواني الأعزاء، واضعين اأمام أنظاركم بعض الأفكار والتصورات التي نرى أنها قد تساهم فيما نتمناه جميعا، وما نحرص عليه كلنا، من حماية للعراق وضمان لمستقبله ووحدة أراضيه واستقلاله وسيادته، ومن تجنيب المنطقة التداعيات التي قد تترتب على ما نراه من استعدادات وحشود وتجهيزات لعمل عسكري يصعب التكهن بما سيسفر عنه من معطيات على الأرض. إخواني أصحاب الجلالة والسمو والفخامة، إنني أدعو لأن تعلن القمة العربية مبادرة تتركز في النقاط الرئيسية التالية:
أولا: أن تقرر القيادة العراقية التخلي عن السلطة وتغادر العراق على أن تتمتع بكل المزايا المناسبة، وذلك في غضون أسبوعين من تاريخ القبول بالمبادرة العربية.
ثانيا: تقديم ضمانات قانونية ملزمة محليا ودوليا للقيادة العراقية بعدم التعرض لها أو ملاحقتها بأية صورة من الصور.
ثالثا: إصدار عفو عام وشامل عن كل العراقيين داخل العراق وخارجه.
رابعا: تتولى جامعة الدول العربية، بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة الإشراف على الوضع في العراق لفترة انتقالية يصار خلالها إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية وفق ما يرتأيه الشعب العراقي الشقيق. إخواني أصحاب الجلالة والسمو والفخامة. ومن واقع مسؤوليتنا أمام الله وأمام شعوبنا، فإن لنا وطيد الأمل أن تحظى هذه الأفكار بعنايتكم واهتمامكم، والله من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زايد بن سلطان آل نهيان
رئيس دولة الامارات العربية المتحدة

Monday, November 01, 2004

الانتخاب واجب وطني

تناقلت وسائل الاعلام خبرا مفاده ان احد وكلاء سماحة اية الله العظمى السيد السيستاني وقف خطيبا في ضريح الامام الحسين (ع) في صلاة الجمعة وقال للمصلين ان الاشتراك في الانتخابات هو تكليف شرعي، وان المخالف يدخل جهنم. وبعد ايام انبرى وكيل اخر الى نفي مثل هذا التصريح غير انه شدد على ان المشاركة في الانتخابات هو امر واجب.
واذا لم تكن وسائل الاعلام تختلق مثل هذه الاخبار، وهو احتمال ضعيف بسبب تواتر الخبر، فاننا نواجه مشكلة حقيقية في التصريح باسم السيد السيستاني. اذ لم نسمع يوما تهديدا ورد في اي من فتاوى سماحته بدخول جهنم او اي شكل من اشكال العقاب الالهي، في امور تخص الدين حصرا، فكيف يرد مثل هذا التهديد في امور دنيوية مثل الانتخابات؟ وحتى على اعتبار الانتخابات امر واجب، فلماذا يكون واجبا شرعيا؟ هل اقيم الدليل الشرعي على ذلك؟ وهل يكون اتباع المذاهب الاخرى في حل من هذا الواجب، ناهيك عن الاديان الاخرى؟
نعم.. انها لفتة حكيمة من سماحة السيد السيستاني بالاهتمام بموضوع حيوي ويتعلق بمستقبل العراق، وهو موضوع الانتخابات.. والكل يعلم ان ليس لرجال الدين الاجلاء اية رغبة في خوض تلك الانتخابات، لا كأفراد ولا كتجمعات سياسية.. بل ان وظيفتهم التي حددها لهم سماحته تنحصر في الوعظ والارشاد.. وما احوج الشعب العراقي عموما الى مثل هذا الوعظ في ظرف مثل الظرف الراهن تعددت فيه التوجهات والايديولوجيات حتى بات من الصعب على المواطن العادي تلمس طريقه.
غير ان هذا الاهتمام من لدن سماحة المرجع الديني الاعلى يجب ان لا يفسر على انه امر بالتكليف الشرعي، وبالتالي امضاء افعال اناس اخرين مهما تكن درجة صوابها. فالمفوضية العليا للانتخابات، والحكومة المؤقتة، والاحزب السياسية القائمة، والامم المتحدة، اضافة الى القوة متعددة الجنسيات، وغيرها هي اطراف مشتركة في العملية وبالتالي فليس من المضمون لحد الان غياب الاملاءات والاسقاطات والمماطلات والالاعيب السياسية، مما يصب في خدمة جهة على حساب اخرى.. وربما كان افضل حكم على مثل هذه الافعال يأتي من الناخب العادي، غير الموجه مسبقا والمحسوب على توجه ما او تيار او حزب او.. وهؤلاء الناخبين العاديين هم كما يعلم الجميع الاغلبية السائدة في الساحة العراقية اليوم، والذين لا ينبغي لهم ان يوجهوا الى كيفية المشاركة والتصويت.. بل الى ضرورة تلك المشاركة كواجب وطني.
وعلى هذا، فان توجيهات مرجعنا المفدى، نبراس حكمة علينا ان نستضيء بها، وعلينا في الوقت نفسه ان نتوجه الى ذواتنا في الحكم على مجمل العملية الانتخابية والتي ستثمر عن مجلس وطني، وفيما بعد حكومة انتقالية نريد لها ان تكون ذات صفة شرعية كاملة، وكذلك ذات صفة تمثيلية وان تحتوي على افضل الكفاءات لتستطيع ان تقدم افضل ما يمكن.

Monday, October 18, 2004

دعاء الصباح والمساء

اللهم يا من بيده الملكوت واليه المصير.. اسألك بحق من خلقته في ظلمات ثلاث، وكرمته على سائر المخلوقات.. ان تهدي الضالين عن سبيلك، وتنير قلوبهم الى هديك، وتفتح عقولهم لدرك حدود حرامك وحلالك،
فلا يعودوا لسفك الدماء وازهاق الارواح، وحزّ الرؤوس.. واشغلهم عن تفخيخ السيارات، وتسليب العابرين، وتهديد الامنين، واستهداف غير المعتدين.. وان تجمع المؤمنين في كنفك، وليس فقط في عربات الزائرين، اللهم وحد كلمتهم في مقارعة الباطل، وامنحهم شجاعة المحتسبين، كما كان اجدادهم من قبل.. وكما تريد لهم ان يكونوا. واغفر لهم خطاياهم، وسكوتهم عن الحق في غير اوان التقية.. واجعلهم حزبا واحدا في الانتخابات ولا تجعلهم احزابا متناحرة.. اللهم اجلعهم في القائمة التي تفوز، ولاتجعلهم في القوائم الخاسرة، ولمّ شملهم في حكومة ائتلافية تعمل من اجل مصلحة الوطن الجريح.. اللهم امنحهم حب الوطن كما يحبون انفسهم واهليهم.. اللهم ارفع شأن العراق بين الدول فلا يستصغروه، وعلّ مكانة حكومته بين الحكومات فتهاب كما ينبغي لها.. اللهم اخرس القنوات الفضائية المحرضة على الفتنة ورد كيدهم في نحورهم، وامنع عنهم الاعلان، فلا يستطيعون قياما ولا ينظرون.. اللهم ارزقنا شركات اعمار لا تخاف، تصلح بنيتنا الفاسدة منذ عصور، ومؤسسات حكومية لا تتحزب، وتعمل باللامركزية كما نرتجي منها ونأمل، ومجالس محلية ذات سلطان، تعرف صلاحياتها وصلاحيات الوزارات ويُعترف بها، وموظفين تزكم انفوهم الرشوة، ومسؤولين حكوميين يضعون الصالح العام نصب اعينهم، وافتح الابواب امام العاطلين واشباه العاطلين الذين سئموا ضعف حالهم، وان لم ييأسوا من رحمتك.. اللهم سلط علينا من يخافك، واجلعنا من اتباعه المخلصين، برحمتك يا ارحم الراحمين.. آمين

Wednesday, September 22, 2004

متطلبات الانتخابات

منذ سقوط النظام السابق، برزت دعوات كثيرة من اجل اجراء انتخابات تراوحت بين مسؤولي الدوائر الحكومية واعضاء مجالس محلية وصولا الى انتخابات المجلس الوطني المؤقت، دون ان تـُعد اية دراسة علمية، او القيام باي جهد يذكر للتعرف على طبيعة ونتائج الانتخابات لمنصب رسمي، وتأثير ذلك على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
ولا يمكن الاعتراض على ان الانتخابات التي يتمخض عنها تشكيل هيئة تشريعية وسلطة تنفيذية، هي خير وسيلة لتسليم السلطة والحكم باسم الشعب. لكن المشكلة في الخطوات المعقدة لهذه الانتخابات.
فاذا اريد للانتخابات ان تؤدي الغرض المطلوب وجب ان تنفذ بالشكل الصحيح، والا فانها ستصبح بذرة لحرب اهلية حقيقية. ذلك ان الفائزين بالانتخابات سيصرون دوما على شرعية توليهم المناصب، مقابل اصرار معارضيهم، او منافسيهم، على فقدان هذه الشرعية. ويعلم العراقيون ان من بين الاسباب الرئيسة لتردي الوضع الامني هذه الايام انما يعود للطعن بشرعية الدولة القائمة، محليا على الاقل.
قبل فترة وجيزة صرح السيد رئيس الوزراء، الدكتور اياد علاوي، ان الانتخابات ستجرى حتى لو تخلف عنها بعض العراقيون.. واعطى ارقاما ليستدل على ان نسبة المتخلفين قليلة مقارنة بالراغبين في المشاركة. والحقيقة ان اية نسبة من المواطنين تحرم حقها في المشاركة، مهما تكن قليلة، يمكن ان تكون عاملا اساسيا في تقويض العملية برمتها. والمطلعون يعلمون انه غالبا ما تكون نتائج الانتخابات التي تجرى في جو ديمقراطي، متقاربة الى حد يصبح فيه الحسم لاصوات قليلة. من جهة اخرى قد يكون من الصعب اقناع بعض المواطنين بالمشاركة، فهي حق خالص، ولا يجوز الزام أي مواطن على المشاركة. وفي هذه الحالة فان ذلك سيكون خيارا فرديا اتخذه المواطن بمحض ارادته. وهو امر يختلف تماما عن استثناء منطقة معينة او مدينة او محافظة من الدخول في العملية الانتخابية، تحت اية ذريعة.
ولكي نحقق انتخابات تحوز على رضا الشعب عموما، يجب ان يتم الوفاء بالمتطلبات الاساسية، ومن اهمها تبني قانون انتخابي وآلية انتخابية تلائم طبيعة المجتمع العراقي، وتضمن التمثيل السياسي المناسب لكافة شرائحه بشكل عادل. كما ان تقسيم الدوائر الانتخابية قد يكون امرا معضلا، ويغير بشكل حاسم نتيجة هذه الانتخابات. ويجب اعداد كوادر فنية لادارة الانتخابات في المناطق، وتدريبها لتلافي الاخطاء التي قد تكون ذات تأثير مباشر على النتائج. ويجب توفير المراكز الانتخابية وحمايتها. كما يجب منح الوقت الكافي للمرشحين والاحزاب للتعريف ببرامجها والدعاية الانتخابية، وتثقيف مجتمع الناخبين حول مجمل العملية الانتخابية وحثهم على المشاركة، وضمان نزاهة الاقتراع وسريته. والسؤال الان: كم تحقق من هذه المتطلبات خلال فترة اربعة اشهر من عمل الهيئة الانتخابية المستقلة؟ وهل سيتم انجازها خلال الاربعة اشهر القادمة؟ هل يمكن الوصول الى انتخابات عادلة برغم الوضع الحالي؟

Wednesday, September 15, 2004

استمعوا للمواطنين

يتكلم الناس همسا حينا، وبصوت مرتفع احيانا، عن مظاهر للفساد الاداري في مؤسسات الدولة الناشئة.. تلك المظاهر التي اخذت تتفشى بسرعة خيالية محرقة الاخضر واليابس، ومؤدية الى تذمر واسع بين المواطنين الذين أملوا في تغيير حقيقي يستحق التضحيات التي تقدم بشكل يومي.
ان المواطن العادي يجد الحرية، التي نجمت عن اسقاط النظام السابق، وبالا عليه بدل ان تكون مكسبا. فقيادة السيارات في الشوارع اصبحت (حرة) لا يردعها قانون او نظام، واستغلال الارصفة وحتى اجزاء من الشارع من قبل الباعة المتجولين بات حقا مكتسبا لا يجرؤ احد على منعه، وتعالي بعض الموظفين على المراجعين واستعمال الفاظ مهينة بشكل سافر قلما عرض ذلك الموظف الى المحاسبة ناهيك عن العقاب.
واذا كان العذر في ذلك كله ان (التركة الثقيلة) فاننا نتفق على ذلك، غير اننا ننبه ان وقت الاعتذار قد فات.. فليس القاء التبعات هو ما سيحقق للمواطن طموحاته وامانيه في العيش بكرامة وامن وبرفاهية، ولو باقل قدر منها.. اننا نتوقع جيلا جديدا من المسؤولين الذين عليهم قيادة كوادرهم نحو تلبية مطالب الشعب، وهم الذين عليهم ان يجدوا الوسائل الناجعة لاحداث هذا التغيير الضروري.
وفي حين اننا تحت النظام السابق رغم فساده قد سمعنا عن حالات طرد وسجن وعقوبات اخرى بتهمة الفساد الاداري، فاننا في زمن الحرية لم نسمع عن موظف واحد، او مسؤول واحد، قد عنف او انذر نتيجة تصرف غير لائق او تلقيه الرشوة، رغم ادعات كثيرة بهذا الشأن.. فهل ان شكاوى المواطنين المتكررة هي محض افتراء؟ وحتى على هذا الفرض، فهل اعلن عن التحقيق في قضية ما ليعلم المواطنون ان شكاواهم لا تذهب ادراج الرياح؟
انني اذ اشيد بدور الكثير من الموظفين الحكوميين الذين يضحون بارواحهم من اجل سلامة المواطنين، وواولئك الذين يسهرون الليل في مواساة آلآمهم وعلاجها، وغيرهم من يسير على نهج تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. في الوقت الذي احنى هامتي تحية لهؤلاء، اطالب بالاستماع الى المواطنين والتحقيق في دعاواهم حول تصرفات موظفين اخرين، منعا لخلط الغث بالسمين، وخوفا على الصحيحة (تـَجْربُ).

Wednesday, September 08, 2004

الموت المقدس

عشرون (مجاهدا) يقتحمون مدرسة في احدى الجمهوريات الروسية الصغيرة، ويعلنون جميع من فيها من تلاميذ واولياء امورهم ومدرسيهم رهائن من اجل القضية التي (يجاهدون) من اجلها.. تحرير الشيشان! يا لها من شجاعة، ويا له من جهاد.. لابد ان السلف الصالح سيفخر بما يفعله هؤلاء الثلة التي ضمنت الجنة بـ(استشهادها) من اجل قضيتها.. كيف لا وقد اتوا فعلة لم يفكر فيها حتى اكثر اسلافهم تقوى وثورية.. واثبتوا ان ملتهم تستطيع ان تتجد في الاساليب كما تجدد في الغايات.
نعم، فقبل نحو خمسة عشر عاما كان هذا النفر يجاهدون من اجل اخراج (السوفييت) الملحدين من افغانستان.. وكان هناك تعاطف كبير مع قضيتهم.. فقد ارتكبت السلطات المحتلة جرائم شتى ضد المعارضين للحكم الافغاني العميل لهم انذاك. ولم يتورع هؤلاء المجاهدون عن استلام المعونات من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاطلسيين، الذين كانوا يقدمونها كجزء من ضرورات الحرب الباردة مع (الاتحاد السوفيتي).
وسقطت الشيوعية، وسنحت للمجاهدين اخيرا فرصة اقامة دولتهم الايمانية، ولم يمانع العالم، طالما كان ذلك خيارا داخليا، ليس له تأثير على بقاع اخرى في المعمورة. وسرعان ما تبين العالم انه كان واهما.. فمن الهجوم على المصالح الامريكية، الى هدم الرموز الثقافية، الى احتضان منظمة القاعدة التي اعلنت نفسها، وبشكل منفرد، المدافع عن الاسلام، والناشر لراية التوحيد.. كل ذلك جلب الاحتلال مرة اخرى الى ارض افغانستان المبتلاة، ودكت الصواريخ والطائرات والمدافع والدبابات مدن وقرى هذا البلد تحت نظر وسمع العالم الذي وقف حائرا بين الرغبة في مساعدة الشعب المظلوم، والخوف من تنامي قوة المتشددين الذين اتخذوه مأوى لهم.
واليوم، يعود المجاهدون الى عدوهم السابق.. ليس السوفييت بل الروس، غير آبهين بالتغيير الجوهري الذي حصل بزوال الاتحاد السوفييتي، والتحول الى الديمقراطية، بل ان الاسوأ من ذلك انهم يحاولون الاستفادة من هذه الديمقراطية.. وللمقارنة فان ستالين رحّل جميع الذكور البالغين الشيشانيين الى سيبريا حين لاحت لهم بوادر ثورة، ناهيك عمن اعتقل واعدم. اما اليوم فتجري انتخابات لاختيار رئيس للشيشان من ابنائها، وتقول الاحصاءات الرسمية ان نسبة تقارب الـ80% قد شارك فيها، فما الداعي للـ(جهاد) والقيام باعمال (ارهابية) حسب تعبير السواد الاعظم من البشر؟ لا اجد مبررا غير ان هناك نفرا من الناس عزموا على الموت بطريقة يكون فيها تقديس ومهابة، حتى وان لم يجدوا نصيرا.. فانا لله وانا اليه راجعون.

Wednesday, August 25, 2004

القدرة والعجز

هناك خطآن قد يقع في احدهما من يسعى لتحليل السياسة الخارجية الامريكية. الاول افتراض ان اصحاب القرار في الولايات المتحدة يرسمون مسيرة الاحداث بشكل متقن ويحسبون لكل شيء حسابه، وبالتالي فان كل ما يحصل فهو مخطط له مسبقا، او ما اصطلح عليه بـ(نظرية المؤامرة). والخطأ الاخر، ان سياسيي الولايات المتحدة يفتقرون الى الخطة ويتصرفون رهن اللحظة، بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية وسطحيتهم في التعامل مع الاحداث، وانهم انما تحركهم الدوافع الانتخابية لا اكثر.
لكن هؤلاء القادة وغيرهم من اصحاب القرار ليسوا الا بشر، ولا يستطيعون انجاز ما يفوق قدرة البشر الاخرين. من ذلك ما يتردد احيانا ان الولايات المتحدة قد خططت مسبقا لاستدراج (الارهابيين) الى العراق، ومحاولة القضاء عليهم في هذا البلد. فان كان القادة الامريكان يريدون نصب فخ للارهابيين في العراق، وان ذلك هو السبب الحقيقي في غزو العراق واسقاط نظامه، فقد كان الارهابيون تحت بصرهم وسمعهم في افغانستان التي غزوها قبل ذلك، فما الذي تغير؟ وهل تمكنوا من الحصول على انتصار حقيقي عليهم هناك؟
ان استذكار وقائع الحرب في العراق تؤكد ان قرار الحرب كان معدا قبل فترة طويلة، حتى قبل سقوط الابراج في نيويورك، وقبل ذيوع صيت ابن لادن.. قرار الحرب كان رؤية استراتيجية في السياسة الامريكية. واقامة الديمقراطية في العراق، وليس اقتناص الارهابيين، هي الثمرة التي كان من المفترض ان يقدمها الرئيس الامريكي لشعبه وفقا لهذه الرؤية. ان المأزق الامريكي في العراق قد تعدى الحسابات التي اعدت قبل الحرب. وهذا يؤكد ما توصل اليه ابن لادن من قبل: ان الولايات المتحدة قادرة على فعل اشياء مذهلة، غير انها قد تكون عاجزة احيانا. ولسوء الحظ فان هذا العجز قد يكلف سقوط ضحايا ابرياء، كما هو الحال اليوم في العراق.

Wednesday, August 11, 2004

افتحوا الطرقات

في نهاية الاسبوع الماضي، حدث اعتداء آثم على مركز شرطة في مدينة المحاويل راح ضحيته العديد من الشهداء والجرحى. ومع استحضار ذكرى الاعتداء الذي سبقه في شارع الفـداء قبل ستة اسابيع، فان الكثير من الاجراءات الامنية يتم اتخاذها هذه الايام للحيلولة دون تكرار مثل هذه الاعمال الاجرامية.
غير ان التدابير الامنية يجب ان يراعى فيها مصلحة المواطنين في شؤون اخرى، مثل عدم التضييق عليهم بدرجة كبيرة، فهم غير مسؤولين عن الهجمات، ولايجب ان يدفعوا ثمنها. ومن هذه الاجراءات غلق الطرقات بشكل يؤدي الى اختناقات مرورية لا تطاق، وفي بعض الاحيان تحصل كوارث نتيجة تأخر سيارات الاسعاف والاطفاء وما سواها من الوصول الى المناطق المطلوبة في الوقت المناسب بسبب الزحام الهائل، خصوصا في اوقات الذروة. ومن الملاحظ ان معظم المنافذ المؤدية الى مراكز الشرطة في مدينة الحلة قد تم غلقها، بشكل كامل او على فترات. وهذا الامر يحمل على التساؤل فيما اذا كان اهتمام رجال الامن ينصب على أمنهم الذاتي اكثر من حرصهم على أمن المواطنين؟
ولاشك عندي في الاجابة، حيث ان شرطتنا الوطنية التي قدمت الشهداء على مسيرة الحرية والبناء الديمقراطي، لن تضع ابدا مصلحة ذاتية فوق مصلحة المجموع. ولكن وددت الاشارة الى ان قطع الطرقات يؤدي الى تقليل فاعلية الشرطة لصعوبة وصول المواطن الى مراكزها، ويقيم حاجزا نفسيا بين المواطن ورجل الشرطة، ويسجل انتصارا لمنفذي الهجمات الارهابية في جعل حياة المواطن العراقي اصعب واكثر تعقيدا.
ان حقيقة زوال الاحتلال بشكله الرسمي، يلقي علينا جميعا مسؤولية مشتركة في ازالته بشكل نهائي.. وهو ما لم يتحقق الا بشرطة وجيش وطنيين، يمثلان عيونا ساهرة على امن واستقرار البلاد.. وفي الطرف الاخر تقع مسؤولية المواطن. لذلك ينبغي اقامة الجسور بين رجال الامن والمواطنين وليس باقامة الحواجز التي، مع مرور الزمن، تجعل من مراكز الشرطة حصونا مهيبة.

Wednesday, July 28, 2004

سلطة وسيادة

كشفت الاحداث الفلسطينية الاخيرة عن تداعيات خطيرة لغياب السلطة او بالاصح تغيبها عن ساحة الفعل والتأثير. فبعد سلسلة الاعدامات في الميادين العامة بتهمة التعاون مع (اسرائيل)، وبعد سلسلة الاختطاقات في غزة التي طالت اعلى المسؤولين في الدولة، قامت احداث شغب ومصادمات بين قوات الامن ومسلحين فلسطينيين.
واذا كان يحلو لبعضهم مقارنة الوضع في العراق بالوضع في فلسطين على اساس وجود قوى الاحتلال والمقاومة في كليهما.. فالمقارنة يجب ان تعقد على اسس اخرى ايضا، منها تنامي وجود المسلحين غير النظاميين، او المليشيات، ومنها سطوة احزاب بعينها مدعومة من الخارج، ومنها الصراع على السلطة والتكالب عليها، واوجه مقارنة عديدة اخرى.
غير ان عمر الاحتلال في فلسطين يبلغ عقود من الزمن، بينما لم يتجاوز عمره في العراق الخمسة عشر شهرا.. واذا كان لنا ان نعقد المقارنة على هذا الاساس فيجب الاقرار ان العراقيون بزوا في بعض الاحيان اخوانهم الفلسطينيين في اختلاق الازمات والرغبة في السيطرة على الشارع، عسكريا ان لم يكن سياسيا، وتجاوزا كل امم العالم في تخريب منشآتهم وبنيتهم التحتية تحت ذريعة المقاومة، وهي اشياء تندر على القياس.
وهكذا، فان كان الفلسطينيون يخطفون مسؤولي الدولة لـ(فسادهم) فان العراقيون يقتلونهم فورا، حتى بدون ذكر السبب. واذا كانت الدولة الفلسطينية قد ارتضت وجود عناصر مسلحة خارج سيطرة الدولة، لاتاحة الفرصة لهم لمقاومة الاحتلال، فان العناصر المسلحة في العراق قد فرضت على الدولة من قبل الاحتلال ذاته.. الاحتلال الذي سرح الجيش والشرطة وعمل على بنائهما من جديد، ولكن ليس الى القدر المطلوب، وذلك لتجنب ان يطلب منه ذات يوم الرحيل. فمالقارنة اذاً بين البلدين تحمل الكثير من المتناقضات التي يصعب فهمها، ولاشك ان هناك اوجه شبه يجب الانتباه اليها. واهمها ان يتاح للسلطة ان تمارس دورها في حل الازمات وتدارك الملمات كما ينبغي لسلطة ذات سيادة.

Wednesday, July 14, 2004

المال والرجال

يعرف الجميع ان مصادر القوة لاي مجتمع انما تكمن في توافر الموارد المادية والطاقات البشرية، او بتعبير اوضح المال والرجال.. وان الحكومة اذا ارادت ان تكون فعالة فعليها ان تعمل على ايجادهما ورعايتهما وتوفير الفرص لاستخدامهما بالشكل الامثل.
وخلال خمسة عشر شهرا من الاحتلال، ورغم توافر الموارد للعراق سواء على صعيد الثروة الوطنية او من مساعدات الدول المانحة ومنها نفس الدول المحتلة، ورغم توفر الطاقات البشرية الهائلة التي ربما تبز معظم الدول المجاورة في حجمها وتأثيرها.. خلال هذه الفترة الطويلة لم يلمس العراقيون تطورا ملحوظا لا في بنيته التحتية ولا الفوقية.. ولاتجد مشروعا واحدا يفخر به من قام به، ولاتجد تطورا خدميا واحدا يمكن ان ينسب الى هذه الفترة التي تضاف الى قائمة الفترات المظلمة في تاريخنا الحديث وغير الحديث.
والغريب ان هناك من يتساءل في الكونغرس الامريكي عن اسباب الاخفاق في انفاق المنحة الامريكية البالغة 18 مليار دولار.. حيث ان ما تم انفاقه حسب هذا المصدر لم يتعد 3,7 مليار دولار فقط! واعتقد ان هذا المبلغ انفق على التحوطات الامنية وتدريب الشرطة وتجهيز الجيش و..الخ، لاننا لم نلمس اي مشروع حيوي واحدا مهما كانت كلفته قليلة قد انجز لحد الان في عموم العراق، باستثناء بعض اعمال التأهيل في المرافق الخدمية دون تطويرها بشكل جدي.. وان كلفة بعض هذه الاعمال قد تكون اضعاف كلفتها الحقيقية وبمواصفات قد لا تتجاوز مرتبة غير الجيدة، ان لم تكن سيئة.
واليوم وقد تسلمنا من جديد سيادتنا على اموالنا ورجالنا يحدونا الامل الى عدم تسجيل وقت ضائع اخر في فترة مظلمة اخرى تحت اية حجة. علينا المبادرة فورا الى توجيه الرجال والنساء الطامحين الى خدمة وطنهم نحو مشاريع كبرى تمسح عن وجوه العراقيين غبار عقود من التخلف وتعمل على الحاقهم في ركب الامم المتقدمة كما يليق بهم. علينا ان لا نركن فقط الى محاربة الارهاب، ونوجه كل مقدراتنا نحوه.. فهذا بالضبط ما يريده الارهابيون، من تعطيل لمسيرة التحرر وتقييد لحركة الاعمار وتحييد للطاقات البشرية الكبرى في العراق.

Sunday, July 04, 2004

شارع المارقين

اغلق بوابة الزمن وسجل في ذاكرة التاريخ انتصارا اخر للموت العابث.. ابحث في بقايا الحطام عن حلم غاب عن المولد.. سجل صفحات حمراء اخرى تشع بلهب الحقد الدامي.. العنف والكراهية.. اقرأ الحقيقة التي زورها المؤرخون في مقبرة جماعية، مرة في الحفر، وتارة على الارصفة. ايتها الاجساد الملتهبة تجري بحثا عن بقعة ماء.. ابتها الاطراف الموزعة بين الاشجار وسقوف المنازل.. وعلى الارض الرؤوس. يا زمن العودة الى قانون القوة المجردة، سجل انتصارا اخر للبربرية على حضارة التسامح، واستمع صاغرا الى فلسفة البقاء للاقوى.. واطع سادة النظام، العارفين باثمان الانفس. ايها القهر المختبيء خلف المنبر، الداعي بين جمهور الغافلين الى موت المخالفين، المعارضين، الابقين، الكافرين، الشياطين. ادعو بالحكمة التي جعلتك اميرا، الى قتل المارقين غير الابهين.. اقتلوا كل عدو للدين، ولو كانوا نصف اهل الارض اجمعين، فنحن من اختارته السماء، ونحن من وهبنا حكمة الاولين والاخرين، وما سوانا الا قردة خاسئين.. ايتها العباءة المحتضنة لجسد هزيل، تستر القليل، وتفضح الكثير.. في حفرة بلا شاهد سوى ذكريات اب ذهب بصره، هل كانت الا نزوة؟ وهل ستكون الا زفرة؟ يا كل عذابات الدنيا في حفلة شواء الادميين.. ايتها الانفس اللاهثة تبحث عن يوم آمن، يوم ساكن، ولو سكون المقابر.. حذار من شارع المارقين.. حذار من فضول المتطفلين، حذار من غمضة عين، ومن لفتة رأس.. حذار من التجمع لاكثر من اثنين، فقانون الطواريء اتم عامه الاربعين. والويل لمن تسول له نفسه قراءة دستور الخطايا والتوراة والانجيل.. احفر في ساحة الدار حفرة اخرى وادفن، مرة اخرى، كتب الضلالة واتبع سبيل السلف الصالحين.. لن تكون عبدا الا لمن يملك مفتاح عقلك.. لن تكون خادما الا لرب ارضي رغما عن الاصحاح والمساند.. انا احي واميت.. انا اميت.. انا اميت.. اه يا زمن السحت والديناميت، وبقايا الفجرة.

Wednesday, June 23, 2004

علم السعودية

في فترة لم تتعد الشهر، عانت السعودية من ستة هجمات ارهابية ضد الاجانب الغربيين العاملين في قطاعات الصناعة السعودية، مسببة اضرارا هائلة بالاقتصاد السعودي وشعورا بالمرارة لدى عامة الناس.
لقد كانت السعودية في قترة ما مهدا، وارضا خصبة، وملاذا امنا لاخطر حركات التكفير التي تحولت الى منظمة ارهابية، عرفت باسم القاعدة، تنشر رعبها وتبشيرها الاسود باسم الاسلام في كافة بقاع المعمورة. وكانت السعودية ايضا المصدر الرئيس لتمويل هذه المنظمة الخارجة عن القانون، بل الخارجة عن الاسلام.
نعم.. لقد دفع الشعب السعودي اليوم ثمن دعمه في الماضي لتلك الحركة متصورا انها حركة اصولية تهدف الى نشر الفكر المتشدد الذي تؤمن به جمهرة السعوديين، والذي يميز اتباعه ويرفض التسامح ويدعو الى تكفير كل مخالف له. ولازال الكثير من السعوديين، رغم ظهور حقيقة القاعدة على الملأ، لازالوا يدعمون تلك الفكرة ويدافعون عنها، وخير مثال على ذلك ما يدور من جدل في المنتديات الاسلامية على الانترنت.
ان فكرة الجهاد تعتبر من اصول الدين لدى كافة المسلمين، وليست مقتصرة على الحركة الوهابية او الحركات المتطرفة الاخرى. ولكن التراث الاسلامي خلال القرون استطاع ان يوفر تعريفا محددا للجهاد وحصره في اجماع الامة وافتاء الفقهاء ووجود الخطر الداهم من اعداء الدين المتربصين له، ولم يكن ابدا فكرة فردية او لجماعات معزولة تدعي الوصاية على امة الاسلام. ولعل هذه الفكرة -الجهاد- هي المقصودة بوضع رسم السيف تحت كلمة التوحيد في العلم السعودي.
ان حكومة السعودية التي باتت تدرك وتعاني من الخطر الجسيم الناجم عن دعم الحركات المتطرفة التي تدعو الى اسقاط الاخر وتكفيره، تلك الحكومة التي بدأت تضع عينها على مخابيء هذه الجماعات ومصادر تمويلها، مطالبة اليوم باعادة النظر ايضا في توجهاتها الايديولوجية، ومنها تبني الجهاد سياسة رسمية كما يعبر عن ذلك عَلمها. وحين تقرر السعودية محو السيف من العلم، تكون القاعدة قد هزمت.

Sunday, June 13, 2004

القاعدة والاستثناء

خلال العقود الثلاثة الماضية كانت هناك حالات كثيرة سادت فيها استثناءات عن القواعد التي ربما كانت تسنها الدولة او كانت قانونا راسخا او حتى اعرافا اجتماعية جرت العادة على التمسك بها. ولم يعدم المستثني حجة من عصيان او حرب او حصار او حتى (محاربة الامبريالية).
واليوم بعد اكثر من عام على تحرر العراق من قبضة النظام السابق الحديدية نجد ان هذه الاستثناءات قد اصبحت قواعد في مجالات كثيرة ليس اقلها المطالبة بتمييز ذوي شهداء الانتفاضة عن باقي المواطنين، ولا اكثرها استثناءات لجنة اجتثاث البعث، باستخدام ذرائع لا تختلف في جوهرها عن تلك التي كان يستخدمها النظام المباد.
فحجة ان الحاجة الامنية تقتضي تصرفا معينا تستخدم بمناسبة وبدون مناسبة لتبرير الافعال التي تعد شائنة اكثر من مثيلاتها في ظل حكم صدام، تلك التي جعلت طائفة من الناس يعتقدون ان لا تغيير يحدث الا لما هو اسوأ.
وخير مثال على ذلك احاطة معظم الدوائر المهمة ومراكز الشرطة بالمتاريس والحواجز الكونكريتية والاسلاك الشائكة وقطع الطرق المحيطة بها دون الالتفات الى ما يسببه ذلك من زحام شديد ومعاناة للمواطنين الذين عليهم دائما ان يدفعوا ثمن الاستثناء، وهم على يقين انه سيصبح قاعدة بـ(التعود).
نعم.. هناك تهديدات امنية خطيرة، ولكن اخذ المواقع الدفاعية ليس ردا كافيا.. كما ان من الممكن ان يصار الى فتح طرق جديدة تعويضا عن تلك التي قطعت (للضرورة الامنية).. وجعل المتاريس اذا لم يكن منها بد بالحد الذي يسمح بمرور السيارات ولو الضرورية منها على الاقل كسيارات الاسعاف.. حيث ان تنقل هذه السيارات اصبح عسيرا جدا وربما قضي المريض في الطريق الى المستشفى.
ان الوضع الامني غير المستقر يجب ان ينظر اليه كاستثناء، ويجب ان تراجع التحضيرات لمواجهته دوريا بحيث يدرك الجميع، مسؤولين ومواطنين، ان هذه الاجراءات سوف توقف حال زوال التهديد.. هذا هو الوضع في الدول المتحضرة التي نروم ان يكون العراق احدها.

Wednesday, June 02, 2004

افضل الخاطبين

ليس هناك من حديث اكثر شيوعا هذه الايام من موضوع تشكيل الحكومة الانتقالية المقبلة، والتي من المتوقع ان تضطلع بمهام الحكم لفترة ستة او سبعة اشهر. ففي حين يصرح الجميع تقريبا برفض (المحاصصة) اي ان تكون هناك حصة لكل طائفة او عرق في تشكيلة الحكومة، يرى الكثيرون ضرورة تولي (شيعي) رئاسة الجمهورية باعتبار ان (الشعية) يشكلون الاغلبية في العراق.
واذا كان لمراكز ومناصب الدولة العليا ان نوزع بموجب الطوائف، فقد نصل الى نظام اشبه بالنظام اللبناني الذي يعتبر اساسا للحرب الاهلية التي استمرت سنوات طويلة.
كما ان غبن حق بعض الطوائف ومنعها من تولي المناصب العليا في الدولة تحت اي ذريعة قد ينجم عنه نتائج سيئة من الشعور بالعزلة وتعزيز الروح الانفصالية لدى تلك الطائفة، وهو الامر الذي كان سمة النظام البائد.
لذلك علينا قبل ان نسأل عن طائفة او قومية المسؤول الفلاني ان نتحرى عن وطنيته ونزاهته واخلاصه وكفائته (او ـها في كل تلك الصفات). ولنعتبر ان المنصب فتاة شابة تنتظر الخاطبين، فاذا توفر لها الشخص المناسب كما هو متعارف، فعليها ووليها قبول المتقدم، لا الانتظار لحين الحصول على خاطب افضل. وعلى هذا المثال لدينا ميزة.. فبينما تكون خطبة الفتيات مقررة لمصيرها غالبا، يكون شغل المناصب الحكومية في النظام الديمقراطي لفترة محدودة، وبالتالي اذا لم يكن شاغل المنصب كفوءا له فسيتم استبداله بمن هو افضل.. كما هناك آليات كثيرة تضمن عدم انفراد كبار المسؤولين بالقرار، وتحول دون تمسكه بالمنصب الى ما لانهاية.
وهكذا فليكن مثلا رئيس الدولة كرديا وقائد الجيش سنيا وان لم يكونا من الاغلبية الشيعية.. اذا كان لهما من المواصفات ما يؤهلهما لذلك وكان النظام متينا بما يكفي.. وغدا ستقول صناديق الاقتراع كلمتها.

Wednesday, May 26, 2004

أه يا عقيل

رحل عقيل..
رحل شهيدا..
شهيد الكلمة الحرة الشريفة، شهيد الرأي النزيه المخلص، شهيد الامل نحو الحرية، شهيد الحرب ضد الفساد والتسلط.. رحل شهيدا كما رحل من قبل ابوه على يد الطغاة.
رحل وهو يحمل في عقله النير الاف الخطط من اجل الوطن الآمن الحر، وفي قلبه الاف الامنيات من اجل المستقبل الرغيد لابناء شعبه المثقلين بالجراح..
رحل عقيل الجنابي..
اغتالته ايادٍ اثيمة يئست من رحمة الله، وظنت انها بمنأى عن العقاب، وان الدم الذي انفجر من رأسه المبارك، ان هو الا ماء.. فكم كانوا واهمين.. فهل نسي الناس شهداءهم؟ وهل قدر للفوضى ان تبقى الى الابد؟ غدا يعلم المجرمون.
رحل عقيل، كما رحل الاف الشهداء، في مسيرة هذا الشعب، ليعلم العالم اجمع ان الحرية لم تأت الينا، بل ان علينا ان نأخذها اخذا، فالمجرمون يغتالون الفكر لانه من سيقتلعهم اخيرا، ولن يستطيع اي جبار ان يسكت الفكر الحر، وسيكمل المسيرة حتما من انعم الله عليه بالايمان واوتي الحكمة..
لقد كان الشعب مضطهدا عقودا من الزمن.. ولن يرضى ابدا بعد الان بالضيم، لن يكون عبدا للطاغوت، واسيرا لنزوات المنحرفين.. ولكن هل هذه مجرد اوهام؟
نعم، انها اوهام، طالما كان من يرى لا يشهد، ومن يقضي لا يحكم، ومن يحرس لا يحمي.. وطالما كان بين اناسنا من يقول (ليس عليّ شيء).. (ابعد عن الشر و...) فهل كان سيقول ذلك لو انهالت عليه ضربة الساطور؟ وهل ابتعد الناس يوما عن الشر فأمنوه؟
ان الشر اذا حلّ بقوم فانه باق فيهم، يفت عضدهم ويستميلهم اليه (ان النفس لامارة بالسوء) فان لم يكن فيهم (الا مارحم ربي) فما عليهم الا ان يتبعوه يلتقطهم الوحد تلو الاخر.. ويرسلهم الى نهايتهم الحزينة، التي فرّوا منها اولا.
آه يا عقيل.. هل كنت الا نسمة من عبير الحرية، في جو قائض مغبر؟ هل كنت الا عبرة في صدور المظلومين، وحسرة في اعين المحرومين؟ هل كنت الا شمعة اخرى في المسيرة الدامية، التي قدر لها ان تسير عبر صحراء قاحلة في ليل دامس؟
أه يا عقيل..

Wednesday, May 19, 2004

الخيار الوحيد

من المعروف ان الديمقراطية تكون هشة في مرحلة البناء، وتزداد صلابة مع ترسيخ مبادئها. ولذلك يحتاج بناؤها إلى الكثير من التأني في العمل، ويستغرق زمنا ليس بالقصير لإرساء مفاهيم جديدة وتغيير مفاهيم أخرى.. وطيلة هذه المدة لن يكون للديمقراطية ثمار قريبة، بل على العكس ربما حملت عملية البناء معها الكثير من السلبيات التي تؤدي الى الشك في فائدة التطبيق، وما إذا كانت تستحق فعلا العناء.
لاشك ان العراقيين عانوا طوال عقود من الزمن من أهوال حكم تسلطي فردي يصنع القرار فيه خلف أبواب مغلقة وينأى صانعوه عن المسائلة. والأنكى من ذلك ان معظم هذه القرارات أصبحت تصدر عن (القائد الضرورة) شخصيا، بعد ان تلاشت المعارضة له على كافة المستويات.. وبالتالي أصبحت شطحات فكره (الملهم) نبؤات واجبة التطبيق وعلى الجميع ان يصفق لها مهما كانت النتائج المحتملة وبيلة.. حتى أن بعضها أدى إلى تقويض نفس نظامه نفسه.
نعم.. ان الديمقراطية هي البديل عن الوضع المأساوي الذي آل اليه شعب ودولة العراق بسبب الحكم الفردي. أن طريق تطبيق الديمقراطية كمفاهيم عليا سيكون شاقا باعتبار اننا نبدأ من الصفر (او ربما تحته) ولكننا لا نملك خيار آخر. فحتى محاولة اقتباس مفاهيم مثل مفهوم حقوق الإنسان دون أخرى مثل مفهوم الحرية الفردية، سيؤدي في النهاية الى إلغاء دور المُقتبس. وفي الدول التي تخضع لنظم حكم فردية تحاول تطبيق بعض المفاهيم بدعوى الإصلاح، إنما يكون ذلك تحت رقابة مشددة للتأكد من أن أية مساحة إضافية للحرية قد يكتسبها الشعب يجب ان لا تؤدي إلى تهديد نظام الحكم القائم. ولن تتردد قيادات هذه الدول في إيقاف أي إصلاح سيؤدي إلى مسائلة القيادة العليا، أو هز صروح السلطة وتعريضها للخطر.

Wednesday, May 12, 2004

الارهاب والعقاب الالهي

يتحدث بعض المثقفين عن (الارهاب) كـ(عقيدة اصولية)، وبالتالي يحاولون ايجاد الاسباب والدوافع التي تبرر الافعال المندرجة تحت تعريفه، وان كان التعريف ذاته محل اختلاف شديد. وليس بخاف ان بعض العقائد الاصولية، التي تحث على (الشهادة) في سبيل الله قد تعتبر دافعا قويا للتضحية بالنفس مقابل الفوز بالنعمة الالهية.
غير ان الارهاب اذا قصد به الاتيان بافعال ذات طبيعة تدميرية واسعة (او محدودة ولكن مستنكرة) باستخدام وسائل غير سليمة، بغض النظر عن الدوافع، فمن الواضح ان ذلك ليس له علاقة بالعقيدة.. بل على العكس يدل على ان الارهاب ليس عقيدة بالمرة، انما هو سلوك فردي، او لجماعات محدودة، ولا يعبر مطلقا عن توجه عقائدي او اصولي.
ان محاولة لاستقراء الجماعات التي توصف بالارهابية في وقتنا الحاضر تنم عن تجمعات صغيرة ومشتتة ومنعزلة في اغلب الاحيان، وان كان لها تأثير كبير بسبب قدرتها على الهجوم في وقت وزمان غير محددين.. وهذه التجمعات لا يمكن ان تعبر عن اية عقيدة او فكر يمكن ان يستخدم ايديولوجيا في اضفاء الشرعية على الارهاب.
ولاريب ان هناك تعاطفا شعبيا مع قضايا المظلومين، ينتج عنه رد فعل جماعي اولي غير متعاطف تجاه المصائب التي تصيب الظالمين.. وهو الامر الذي قد يصور على انه تسويغ لافتعال مصائب تردع الظالمين عن ظلمهم. ولكن الحقيقة عكس ذلك. فالتعاطف الذي يجنية ضحايا الارهاب اخر الامر ينسي القضايا التي يدعو اليها المظلومون، ويحول الانظار عنهم. ان العقاب الالهي عقيدة لاخلاف عليها في كل الاديان، ولكن هناك خط فاصل واضح.. لا يمكن لاحد ان يدعي انه سيف الله المصلت على رؤوس العباد بدعوى انهم ظالمون، ومن كان فعل ذلك في سالف الزمن، ذكره التاريخ كدجال لعين.

Wednesday, April 28, 2004

ميزان متأرجح

ان مقابلة بسيطة بين الحوادث التاريخية وما يجري اليوم تثبت ان الرغبة في فرض الرأي على الاخرين، والحسد، والخوف من ضياع الهوية، هي دوافع ذات ارضية واسعة، يمكن -اذا توفرت لها فرصة الظهور والتمكن- ان تنتج فئة تأتمر بامر قائد يعد رمزا لنضالها وعنوانا لرغبتها في تغيير المنهج المستهدف الى منهج متشدد لا يؤمن الا بحقائق قليلة ولا يلزم نفسه الا بالقليل من القواعد التي تعارف عليها الاخرون.
لا يمكن الاستنتاج بصورة مباشرة ان عدم التوصل الى علاج ناجع لمرض الايدز لحد الان هو سبب لتفجير عمارات سكنية في روسيا، ولا يدعي احد ذلك. ان متطرفا ما يستطيع ان يثبت ان ابتعاد بني البشر عن القيم السماوية ادى الى شيوع امراض فتاكة تهدد الجنس البشري، ولكنه لن يدعو الى افنائهم باستخدام اسلحة فتاكة.
من جهة اخرى، فان قادة المجموعات التي توصف بالارهابية كثيرا ما يعبرون عن غطرسة الحضارة الغربية، وعن ظلمها للشعوب الاكثر فقرا، ولذلك ابتليت بكوارث شتى منها الاوبئة التي لا يمكن علاجها.
وهكذا فان المتطرفين والارهابيين قد يلتقون عند نقطة، ولكن ليس بالضرورة ان تكون افكارهم متطابقة في غيرها. غير ان هذا الالتقاء قد يستثمر لايجاد تعاطف واسع مع القضايا التي تدعو اليها المجموعات (الارهابية)، مستغلة التعاطف الفطري مع القضايا التي يدعو اليها (المتطرفون).
ان التطرف لا يؤدي الى الارهاب.. لكنه يمهد ارضية لقيامه. واذا كان لنا ان نضع ميزانا، فان ميزان التطرف يميل نحو الخير بشكل متمهل، بينما يميل ميزان الارهاب نحو الشر بشكل حاد. والحقيقة التي يعيها البشر عموما، ان الموازين يمكن ان تتأرجح بحيث تجعل الامور ضبابية، وذلك يجعل الحكم عليها امرا بالغ الصعوبة احيانا.

Thursday, April 22, 2004

ماذا بعد عام

عام مضى منذ ان تحرر العراق من نظام صدام. عام من الانتظار والاحلام والامال.. فهل كان الامر يستأهل؟ هل تحسن الواقع، او تحقق ولو جزء من الامل؟ ربما كانت الاجابة غير سارة، ولكن هل ان الاسئلة منصفة؟
نعرف ان المانيا واليابان احتاجتا الى عدة سنوات لكي تحصل على الحرية والديمقراطية، ومن ثم الرفاهية. كما ان كلا منهما عانتا من فترات فوضى وانعدام الامن لمدة غير قصيرة، وقد تكونان انموذجا لما يحصل في العراق اليوم. وعلى ذلك فان الصبر هو المطلوب لكي يتحقق في العراق -الى حد ما- ما تحقق في هذين البلدين الذين ابتليا بالدكتاتورية ردحا من الزمان.
لقد انجزت بعض الامور الهامة خلال العام المنصرم.. ولكن ما كان يمكن ان يتحقق قد يكون اضعاف ذلك. فما الذي يمنع اي مشاريع كبرى للاعمار؟ وهل يجب ان تقوم بذلك الشركات الاجنبية حصرا؟ اما كان يمكن ان تمنح التخصيصات للدوائر الحكومية لتحسين الخدمات الاساسية على الاقل؟
ومن ناحية اخرى، كيف يمكن ان تقام المشاريع مع وضع امني متردِ؟ وكيف تمنح التخصيصات وكثير من دوائر الدولة تعاني الترهل والكسل والفساد الاداري؟ الم تصرف ملايين الدولارات على مشاريع لم يحصل معظمها على رضا الناس اما بسبب سوء التنفيذ، او للمبالغة بالتكاليف، او لعدم الجدوى اصلا؟ ثم ان الكثير من الدوائر اخفقت في صرف تخصيصاتها بسبب طغيان النظام المركزي، على ما يبدو.
لقد انقضى عام، وقراءة الواقع تدل على الحاجة الى عام اخر -على الاقل- قبل ان نقطف ثمار الحرية. عام من العمل الجاد والسعي الحثيث، ابتداء من (استلام السلطة) وليس انتهاء بـ(الانتخابات الدستورية).. عام او يزيد قد يكون اشد من سابقه.. ولكن لا عودة. يجب المسير حتى النهاية، او البقاء في الفوضى، لاسمح الله.

Saturday, April 17, 2004

تسليم السلطة

يتساءل البعض عن تمكن العراقيين من تسلم السلطة في الموعد المحدد اواخر حزيران القادم، خصوصا بعد الاحداث الاخيرة التي افرزت نقاط ضعف كبيرة لدى جهاز الشرطة، وامكانية ظهور قوى جديدة على الساحة في اي وقت، ووجود مليشيات غير حكومية تمتلك اسلحة واعتدة ليست بالقليلة. فهل ان العراقيون مؤهلون لاستلام زمام الامور في بلدهم؟
نعم.. ان الامور لا تسير في الاتجاه الصحيح، بيد ان تسليم السلطة اذا تأخر عن الموعد المحدد، فلن يكون ذلك في صالح العراقيين ايضا. ان الدافع لاعمال المقاومة سواء السلمية منها او المسلحة انما هو وجود قوات الاحتلال، ووجود حكم اجنبي متمثل في سلطة التحالف المؤقتة.. وسوف يختلف الموقف جذريا في حال انتقال السلطة، حتى ان وكان هناك تأثير محتمل على السياسة الوطنية من قبل القوات المرابطة في العراق، اذ يبقى القرار الاخير بيد سلطة عراقية مساءلة امام شعبها.
ان التصعيد الاخير للاحداث انما قصد به تأخير هذه العملية، او ربما تعليقها الى اجل غير مسمى، لكي يتسنى ابقاء الاوضاع في العراق في حالة من الفوضى وانعدام الامن والضعف السياسي والاقتصادي، وهي اهداف تسعى من اجلها -للاسف- بعض دول الجوار، لتعرقل التحول الديمقراطي في العراق، والذي -لاشك- سينعكس عليها في المستقبل.
ان العراقيون كانوا -على مر العصور- امة متماسكة، ولن يكون التدخل الاجنبي لتفتيت الوحدة الوطنية الا محاولات يائسة سيذكرها التاريخ بكل ازدراء.. وسيتسلم العراقيون مقاليد السلطة وسيثبتون للقريب والبعيد ان (اهل مكة ادرى بشعابها)، ولن تفلح -بعون الله- المحاولات الخائبة لتعطيل هذه المسيرة.

Monday, April 05, 2004

القمة انعقدت

بينما كان اجتماع وزراء خارجية الدول العربية جاريا، والمناقشات محتدمة حول صيغة البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية المزمع عقدها في تونس، استدعي وزير الخارجية التونسي لتلقي مكالمة (الرئيس)، الذي ابلغه قراره بتأجيل القمة! هكذا بكل بساطة، وبدون الحاجة الى تبريرات اواعتذارات!
فهل اجلت القمة؟ كلا.. لقد عقدت هذه القمة فعلا! عقدت حينما افصح احد قادة العرب عن موقفهم، وطريقتهم المثلى في اتخاذ القرار بصورة منفردة، وبدون تشاور حتى مع اقرب وزرائهم (وزير الخارجية في هذه الحالة).
وما ان اعلن النبأ، حتى بادر الرئيس المصري الى الاعلان عن استعداده لعقد القمة في القاهرة! هكذا بدون استشارة، او عودة الى (اخيه) الرئيس التونسي للاستيضاح ومعرفة الدوافع التي حدت به الى تأجيل القمة. وما الحاجة الى ذلك؟ فقد (زعل) القادة العرب على (اخيهم) وسيثبتون له انهم ليسوا في حاجة اليه.
لقد انعقدت القمة واعلنت نتائجها، واهمها فشل القادة في تحمل المسؤوليات، وفشل القادة في المشاركة مع شعوبهم، وفشل القادة في الاتفاق على الاصول قبل الفروع.. فشل القادة في تجاوز الازمات، وفشلهم في البحث عن الحلول.
لقد انعقدت القمة، وعلى رأس جدول اعمالها بحث اصلاح الجامعة العربية، وخرجت بنتيجة واضحة. فليست الجامعة العربية وحدها بحاجة الى اصلاح، وانما عقول القادة العرب، وانظمة حكم العرب، تلك التي استأثرت بالسلطة منذ وقت بعيد. واخر نتائجها موقفا جديدا: لابد من التحول الديمقراطي، ومشاركة الشعوب العربية في اتخاذ القرار.. وسيكون العراق قائد هذا التحول ان شاء الله.

Monday, March 29, 2004

التطرف

لايمكن ان يبتلى مجتمع ما باسوأ من التطرف، بكل اشكاله، الديني او السياسي او غيره. فالتطرف هو آفة تنخر هيكل المجتمع وتفرض وجهة نظر غالبا ما تكون ضيقة ويعتقد بها اقلية قليلة عدديا.
ان تنوع افكار الناس واتجاهاتهم ومعتقداتهم هو من مظاهر الطبيعة البشرية. والواقع اننا نادرا ما نجد مجموعة كبيرة من الناس تشترك تماما في كل افكارها ومعتقداتها. اذا كلما توسعت القاعدة الجماهيرية قلت العوامل المشتركة بينها. غير ان كل جماعة من البشر مهما كبرت لابد ان تجد لها عوامل مشتركة اساسية. ان هذين العاملين هما اللذان يبقيان بني البشر في حالة تعايش مع بعضهم، مع احتفاظهم بخصوصيتهم في نفس الوقت.
والمتطرفون من الناس يعملون على فرض فكرة معينة تجد لها قاعدة واسعة لدى مجموعة ما، وان لم يكن الجميع متفقا على درجة قبولها. فهم يستعملون المسلمات والمقدمات المنطقية لاثبات ان فكرتهم ليست غير خاطئة فقط، بل انها ضرورية وصالحة تماما. وهؤلاء يسعون الى جعل من يخالفهم يبدو وكأنه خاطيء او اثم يستحق العقاب، ويثيرون لديهم وخز الضمير مما يحمل المخالفين (حتى وان كانوا اغلبية) على عدم معارضة هؤلاء المتطرفين، ان لم يكن تأييدهم.
ان مثل هذه المساعي كفيلة بان ترجح وجهة نظر واحدة، مهما بلغت صلاحيتها، وبالتالي فرضها على الجميع بغض النظر عن العيوب التي لايظهرها الا وجود معارضة قادرة على التشخيص، وتعمل بحرية كاملة وبدون ضغوط نفسية. لذلك حذار من تلقي الافكار المتطرفة، او من السماح لها بالانتشار، فهي سرعان ما ستغدو قاعدة لايجرؤ احد على مخالفتها، وستصادر الحرية الفكرية قبل اي شيء، ليتحول المجتمع بعدئذ الى مجرد منفعل لا حول له ولا قوة.

Monday, March 15, 2004

الحل الوسط

بعد اجتماع عاصف لمجلس الحكم خرج احد اعضاءه وصرح للصحفيين ان المجلس قد خرج بنتيجة بعد ايجاد حل وسط، واضاف (بمرارة): يبدو اننا اصبحنا متمرسين في ايجاد الحلول الوسط!
وفي الحقيقة ان التوصل الى حل وسaط في اي نقطة خلاف هو احد المباديء المهمة التي تقوم عليها الديمقراطية. ذلك ان الاختلاف في الاراء اذا اريد له ان يكون مفيدا فلابد ان يثمر عن ايجاد حل لمسالة او تشريع لقانون. وطالما كان الاختلاف سمة من سمات الطبيعة البشرية، فلابد اذن من ايجاد طريقة لتقريب وجهات النظر والخروج بالحلول الوسط.
ومما لا يختلف عليه اثنان ان هناك قضايا لايجوز ان تحل بالتسويات والحلول الوسط، وخصوصا القضايا التي تمس المعتقدات والامور المصيرية. غير اننا يجب ان لانتوسع في اضافة المسائل الى قائمة المحضورات، لان ذلك يضيع فرصة التوصل الى اتفاق.
ان من اهم عوامل النجاح للديمقراطية هو امكانية الخروج بقرارات تفيد المجتمع وتعمل على حل مشاكله، وليست هناك حكمة من النقاش المطول اذا لم يثمر عن قرار هادف. كما ان العامل الاخر لنجاح تنفيذ القرار هو اقتناع مشرعيه بفائدته ولو جزئيا، ولا يكون ذلك الا بمساهمتهم في انجازه، من خلال التعديل حسب ما يرونه مناسبا، وعلى اصحاب المقترحات الاصليين ان يتفهموا اهمية التعديلات التي يضعها الاخرون.
ان التوصل الى قرار باجماع الاراء ليس من الاشياء المعتادة في حياة الناس، ولكن التقريب بين الاراء وايجاد الحلول الوسط هو الذي يمكن من نيل رضا الجميع وبالتالي دعم الجميع، وهو الحماية الاكيدة للاقلية من تعسف (ولو غير مقصود) الاكثرية. وتلك هي ضمانة استمرار الديمقراطية اذا اريد لها ان تكون نظاما يسود الجميع.

Monday, March 01, 2004

التعبير السلبي

لم يكن حادث التفجير في مقر القوات البولندية الاول من نوعه في محافظة بابل، فقد سبق ذلك حادث مماثل في مدينة الاسكندرية. كما كانت هناك بعض الحوادث الموجهة ضد قوات التحالف وقوات الشرطة العراقية وبعض المنظمات الانسانية العاملة في العراق.
والغريب انك تجد عددا من المواطنين يدّعي ان هذه الحوادث هي من تدبير قوات التحالف نفسها! فهناك من يقول ان طائرات مقاتلة امريكية قامت بقصف الاهداف في مدينتي الحلة والاسكندرية ويتذرعون بالحفر التي خلفتها الانفجارات، بل يجزمون انهم حصلوا على قطع من شظايا الصواريخ المستخدمة في الهجوم!
ولست هنا في موقف الدفاع عن قوات التحالف، كما انني لا اروم اثبات ان التفجيرات كانت باستخدام سيارات مفخخة يقودها انتحاريون.. فهذا الامر واضح للمتتبع والمحلل المنصف. الا ان ما اريد الاشارة اليه هو تقبل االعديد من المواطنين للتحليلات الخيالية بهذه البساطة، دون الامعان في النظر ولا اعمال الفكر في منطقية الادعاء.
ولاشك ان هناك خيبة امل شديدة حيال السياسة الامريكية في العراق.. فالمواطن العادي لمس بعض التحسن خلال فترة العشرة اشهر الماضية الا ان ذلك لم يكن بالمستوى الذي كان يطمح اليه، رافقه ترديا في الناحية الامنية. غير ان هذا الاحباط ليس مبررا لتقبل الاشاعات ونشرها، ويجب الحديث عنه بشكل منفصل وواضح، وليس بالتعبير السلبي المتمثل بتحويل الانظار عن قضية الارهاب الذي يتفشى في الساحة العراقية، وهو ما يريده اعداء العراق الحقيقيون.

Monday, February 16, 2004

مظاهرات

لعل من ابرز الامور التي حدثت بعد سقوط نظام صدام، الحرية في التعبير عن الرأي التي تمثلت بالمظاهرات والمسيرات، حيث اصبحت جزءا من الحياة السياسية ومنفذا مهما للتعبير عن اراء وتوجهات الفئات والتجمعات الاجتماعية والسياسية.
ففي اماكن عددية من العراق تجري بشكل يومي مظاهرات تتراوح بين استنكار فعل او المطالبة بحقوق معينة او ربما تأييد مسؤولين حكوميين. وهذه في حد ذاتها ظاهرة صحية يجب ان ينظر اليها اولا من منظار الحرية التي هي ابرز سمات المجتمع العراقي اليوم. واذا كانت بعض المظاهرات قد شابتها للاسف بعض الحوادث غير المقبولة فهذا لا يعني باي حال انها غير صحيحة كمفهوم، ولكن علينا ان ننتقد تلك الممارسات الخاطئة بشكل تحليلي لا يلغي الهدف الاساسي.
ومن ناحية اخرى فان العديد من المواطنين يشتكي ان لا فائدة من المظاهرات طالما انها لا تجد اذانا صاغية سواء من قوات التحالف او من المسؤولين. وهذا غير صحيح، ذلك ان المظاهرة تشكل ضغطا كبيرا على كل من هذين، ولكن لكي تكون ذات فائدة مباشرة، على القائمين بها ان يقدموا مقترحات لحل المشاكل التي ادت الى خروج المظاهرة.
وهنا نود الاشارة الى فكرة مهمة: لكي تكون لدينا استفادة حقيقة من الديمقراطية علينا ان نراعي شروطها.. ومن اهمها احترام حقوق الغير في التعبير عن الرأي. لقد قال الرئيس الامريكي جورج بوش حينما سئل عن المظاهرات التي وصفت بـ(المليونية) والتي خرجت في انحاء عديدة من العالم مطالبة بعدم شن الحرب على نظام صدام، قال: ليس من حق اي مظاهرة مهما بلغ عددها ان تدعي انها تمثل الاغلبية.. ومضى قدما الى الحرب، وحدث تحرير العراق، وسكتت هذه المظاهرات. ترى ماذا سيكون الحال اليوم لو ان بوش اصغى الى تلك المظاهرات؟

Monday, January 26, 2004

قانون الانتخابات

تدور في هذه الايام نقاشات ساخنة حول امكانية اجراء انتخابات للمجلس التشريعي الذي ستنبثق عنه الحكومة المؤقتة التي ستتسلم مقاليد الامور في نهاية حزيران المقبل، كما تقضي خطة مجلس الحكم.
ففي حين يصر البعض على صعوبة او استحالة اجراء مثل هذه الانتخابات، يحتج المعارضون بانها ممكنة جدا، اعتمادا على معلومات تعداد 1997 والبطاقة التموينية. والحق ان كلا الطرفين لديه حجة مقنعة.
ولاشك ان فكرة اجراء انتخابات هي في تصميم التوجه الديمقراطي المؤمل للعراق الجديد، والدعوة اليها هي احد الخطوات المهمة على طريق بناء ديمقراطية تكون (مثالا لدول الجوار). ولكن هناك قواعد للديمقراطية تمنع العبثية والفوضوية، وتضع ضمانات ديمومة واستمرارية النظام الديمقراطي. ومن اهم هذه القواعد سيادة القانون، الذي يشتمل ايضا على قانون الانتخابات نفسها. فاذا اردنا ان ندعو الى انتخابات، فما هي القواعد والقوانين الواجب اتخاذها؟ ما هو العمر المسموح به للناخب والمرشح؟ ماهي شروط الترشيح؟ ما هو دور المرأة؟ ما هو موقف البعثيين السابقين؟ من يشرف على مراكز الانتخاب؟ من يحميها؟ من يفرز الاصوات؟ واسئلة اخرى كثيرة.
ان الجواب على بعض هذه الاسئلة قد يكون بالاعتماد على القوانين السابقة بعد تنقيحها، ولكن سؤال اخر سيطرح حالا: من ينقح هذه اللوائح؟ كما ان الاعتماد على بعض شرائح المجتمع العراقي لن يحمل الشرعية الكافية، بل يجب اشراك جميع الشرائح في هذه العملية. ان خطة مجلس الحكم قد لا تكون الامثل، لكنها على الاقل تضمن ان من يكتب الدستور سيكون منتخبا وليس معينا او منتدبا، وبالتالي فان الشرعية ستأتي تدريجيا وليس دفعة واحدة.. ولكنها ستحل في النهاية.

Wednesday, January 14, 2004

المرأة قائدا

في مناطق كثيرة من العالم حصلت المرأة على حقوق واسعة، واصبحت شريكا للرجل في كل ميادين الحياة تقريبا. واستطاعت ان تتولى مسؤوليات مهمة كالسفارات والوزارات بل والرئاسة ايضا. ولكن تولي المناصب المهمة بقي في الاغلب الاعم محصورا على الرجال، وكانت المرأة استثناء ومثالا ليس الا. وذلك لا يعود الى عدم قدرة المرأة على القيادة كما قد يحاجج البعض، بل لانها هي غير مهتمة بالامر.
وفي المجتمعات الشرقية كانت هناك منذ بداية القرن الماضي دعوات كثيرة لتحرير المرأة.. وان كان بعضها لا يتعدى الدعوة الى رفع الحجاب عن الوجه (البوشيه)، والمساواة في التعليم، وما شاكل ذلك. بينما كان تولي المناصب الرسمية ومنها القضاء امرا مستنكرا حينا ومدعاة للدهشة احيانا أخرى. فاذا كانت المرأة الغربية والتي تتمتع بالحرية والشخصية المستقلة، والتي تجد نفسها ندا مساويا للرجل بكل ثقة، اذا كانت هذه المرأة غير مهتمة بالحياة السياسية، فما هو حال المرأة الشرقية والعربية تحديدا؟
غير اننا لا يجب ان ننتظر حتى تصبح نصف الوزارات والبرلمانات الغربية من النساء حتى نبدأ بالتفكير في شيء مماثل لنسائنا.. فان وجود المرأة على الساحة السياسية ضروري ليس من اجل قضايا المرأة فقط، وانما لانها لا تقل شأنا عن الرجل ولها كل الحق في ابداء الرأي، علاوة على كونها العنصر الاقل تعصبا والاكثر صبرا.. وهما العاملان الاساسيان في تجنب الحروب واشاعة الاستقرار والرفاهية.. فهل سيأتي يوم نجد محافظ بابل مثلا، اماً سهرت على تربية ابنائها حتى عرفت باي ثمن يكبر الاولاد؟ عسى ان يكون قريبا..