Wednesday, January 18, 2006

علم خمس نجوم

في ذروة الحماسة للقومية العربية وظهور حركات تدعو للوحدة بين الاقطار العربية تحقق هذا الحلم لفترة وجيزة بوحدة بين مصر وسوريا.. وكان هناك طموح لتوسيع هذا الاتحاد ليشمل العراق، وعلى اثر ذلك تم اعتماد العلم العراقي بثلاث نجوم لتمثل كل نجمة دولة من دول هذا الاتحاد المفترض. وانهار الاتحاد السوري-المصري ولكن بقيت له اثارا على العلم السوري بدلالة النجمتين، بينما محيت احداهما من العلم المصري. اما العلم العراقي فقد احتفظ بنجماته الثلاث. ومع تغيير الازمان والانظمة تغير تفسيرات هذه النجوم. اذ اعتمد نظام البعث الذي استولى على السلطة عام 1968 شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية واصبحت كل نجمة تشير الى احدى هذه الشعارات الطنانة الرنانة، بغض النظر عن تطبيقها في واقع الحال.
وبعد الغزو الامريكي للعراق وتنصيب مجلس الحكم من قبل الحاكم المدني الامريكي، جرت محاولة خجولة لتغيير هذا العلم ولكنها باءت بالفشل الذريع. وظل العلم الاصلي بنجومه الثلاث مرفرفا على رموز السلطة في كل مناطق العراق باستثناء منطقة كردستان التي ينتمي اليها رئيس جمهورية العراق الحالي، في واحدة من التناقضات الكثيرة التي يحفل بها المشهد العراقي الراهن.
وكالعادة بقي العلم وتغيرت التفسيرات. فمن قائل ان النجوم الثلاث ترمز الى المكونات الرئيسة للشعب العراقي.. ولكن الكثيرين يرفضون هذا التقسيم الطائفي ولا يقبلون بهكذا تفسير خصوصا وان الاكراد لا يعترفون بهذا العلم. بعض الناشطين الديمقراطيين يدّعون ان هذه النجوم ترمز الى مفردات الديمقراطية حسب التعريف الغربي.. حكومة الشعب، تنتخب من قبل الشعب، تعمل لاجل الشعب. ولكن عارضهم آخرون بان هذه الشعارات يجب توضيحها بطريقة اقرب الى فهم عامة الناس، لتصبح مفردات الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، او الوطنية والحرية وحقوق الانسان.. وهكذا.
لكن غيرهم يرون ان هناك تغييرات جذرية في حياة الشعب قد حصلت وبالتالي يمكن ان يستمد التفسير من هذه التغييرات. ومن اهمها دخول القنوات الفضائية الى معظم البيوت العراقية، ولذلك فان كل نجمة يمكن ان ترمز الى احد الاقمار الاصطناعية الثلاثة التي تلقى رواجا بين عامة الناس وهي العرب سات والنيل سات والهوت بيرد (سيء الصيت). آخذين بنظر الاعتبار الدور الحيوي الذي تعلبه هذه القنوات الفضائية في رسم ملامح عراق المستقبل من خلال نقل الاخبار المنقوصة او المجتزأة، وبتحليلات كيفية او موجهة من قبل دول او فئات لها مصالح محددة ليست خافية على اللبيب، او بالتحريض على العنف والتقسيم الطائفي.
بينما يرى آخرون قياسا على نفس النهج في رصد التغيرات الطارئة بعد (تحرير) العراق ان الأولى ان تشير نجوم العلم العراقي الى شركات الهاتف المحمول الثلاث، الاثير وعراقنا واسياسيل، باعتبار ان هذه الخدمة رغم عدم توفرها في كثير من الاوقات هي تجاوز لاحتكار الدولة السابق لقطاع الاتصالات، كما انها سهلت التعامل التجاري داخل وخارج العراق وبالتالي ساهمت في توفير السلع للمواطنين، وان استخدمت في تفجير العبوات الناسفة عن بعد، الا ان ذلك يعد مجرد عارض جانبي.
غير ان هناك بعض المراقبين المتطرفين لا يرون الا الجانب المظلم من مرحلة ما بعد السقوط، والمتمثلة بالخلل الامني الفادح، الذي حول العراق الى بلد الخروج عن القانون بعد ان غاب هذا القانون ومن يطبقه عن الساحة. وهؤلاء يعتقدون ان ملامح هذا الغياب يجاب ان يشار اليها في العلم وانتقوا ثلاث مظاهر رئيسة في حياة الشعب، والتي لا يكاد يمر يوم دون ان يحدث واحد او اكثر منها. تلك هي الحزام الناسف، والسيارات المفخخة، والقذائف الصاروخية. ويحتجون ان شكل النجمة نفسه يدلل على حالة الانفجار، ولذلك فهو التفسير الاقرب الى الواقع.
ومع تعدد هذه التفسيرات لجأنا الى احد العرافين والذي شرح لنا اسباب مختلفة للنجوم الثلاث. فقد قال ان كل منها تمثل احدى الحكومات التي تولت السلطة بعد التاسع من نيسان، وهي حكومة مجلس الحكم (التي اعتمدت نظام السلفة في تسليم رئاستها) والحكومة المؤقتة (المقيدة بالاتفاقات المسبقة مع الحاكم المدني) والحكومة الانتقالية (المشغولة بالمحاصصة). وحينما سألناه عن الحكومة الرابعة قال انها ستغير العلم ليصبح اربع نجوم. وتنبأ كذلك بان الحكومة التي ستليها بعد اربع سنوات سوف تعمل على جعل العلم خمسة نجوم اسوة بفنادق الدرجة الاولى حيث سيتمتع المواطن بخدمة لا تقل عن الخدمات المتاحة في هذه الفنادق.