Wednesday, June 23, 2004

علم السعودية

في فترة لم تتعد الشهر، عانت السعودية من ستة هجمات ارهابية ضد الاجانب الغربيين العاملين في قطاعات الصناعة السعودية، مسببة اضرارا هائلة بالاقتصاد السعودي وشعورا بالمرارة لدى عامة الناس.
لقد كانت السعودية في قترة ما مهدا، وارضا خصبة، وملاذا امنا لاخطر حركات التكفير التي تحولت الى منظمة ارهابية، عرفت باسم القاعدة، تنشر رعبها وتبشيرها الاسود باسم الاسلام في كافة بقاع المعمورة. وكانت السعودية ايضا المصدر الرئيس لتمويل هذه المنظمة الخارجة عن القانون، بل الخارجة عن الاسلام.
نعم.. لقد دفع الشعب السعودي اليوم ثمن دعمه في الماضي لتلك الحركة متصورا انها حركة اصولية تهدف الى نشر الفكر المتشدد الذي تؤمن به جمهرة السعوديين، والذي يميز اتباعه ويرفض التسامح ويدعو الى تكفير كل مخالف له. ولازال الكثير من السعوديين، رغم ظهور حقيقة القاعدة على الملأ، لازالوا يدعمون تلك الفكرة ويدافعون عنها، وخير مثال على ذلك ما يدور من جدل في المنتديات الاسلامية على الانترنت.
ان فكرة الجهاد تعتبر من اصول الدين لدى كافة المسلمين، وليست مقتصرة على الحركة الوهابية او الحركات المتطرفة الاخرى. ولكن التراث الاسلامي خلال القرون استطاع ان يوفر تعريفا محددا للجهاد وحصره في اجماع الامة وافتاء الفقهاء ووجود الخطر الداهم من اعداء الدين المتربصين له، ولم يكن ابدا فكرة فردية او لجماعات معزولة تدعي الوصاية على امة الاسلام. ولعل هذه الفكرة -الجهاد- هي المقصودة بوضع رسم السيف تحت كلمة التوحيد في العلم السعودي.
ان حكومة السعودية التي باتت تدرك وتعاني من الخطر الجسيم الناجم عن دعم الحركات المتطرفة التي تدعو الى اسقاط الاخر وتكفيره، تلك الحكومة التي بدأت تضع عينها على مخابيء هذه الجماعات ومصادر تمويلها، مطالبة اليوم باعادة النظر ايضا في توجهاتها الايديولوجية، ومنها تبني الجهاد سياسة رسمية كما يعبر عن ذلك عَلمها. وحين تقرر السعودية محو السيف من العلم، تكون القاعدة قد هزمت.

Sunday, June 13, 2004

القاعدة والاستثناء

خلال العقود الثلاثة الماضية كانت هناك حالات كثيرة سادت فيها استثناءات عن القواعد التي ربما كانت تسنها الدولة او كانت قانونا راسخا او حتى اعرافا اجتماعية جرت العادة على التمسك بها. ولم يعدم المستثني حجة من عصيان او حرب او حصار او حتى (محاربة الامبريالية).
واليوم بعد اكثر من عام على تحرر العراق من قبضة النظام السابق الحديدية نجد ان هذه الاستثناءات قد اصبحت قواعد في مجالات كثيرة ليس اقلها المطالبة بتمييز ذوي شهداء الانتفاضة عن باقي المواطنين، ولا اكثرها استثناءات لجنة اجتثاث البعث، باستخدام ذرائع لا تختلف في جوهرها عن تلك التي كان يستخدمها النظام المباد.
فحجة ان الحاجة الامنية تقتضي تصرفا معينا تستخدم بمناسبة وبدون مناسبة لتبرير الافعال التي تعد شائنة اكثر من مثيلاتها في ظل حكم صدام، تلك التي جعلت طائفة من الناس يعتقدون ان لا تغيير يحدث الا لما هو اسوأ.
وخير مثال على ذلك احاطة معظم الدوائر المهمة ومراكز الشرطة بالمتاريس والحواجز الكونكريتية والاسلاك الشائكة وقطع الطرق المحيطة بها دون الالتفات الى ما يسببه ذلك من زحام شديد ومعاناة للمواطنين الذين عليهم دائما ان يدفعوا ثمن الاستثناء، وهم على يقين انه سيصبح قاعدة بـ(التعود).
نعم.. هناك تهديدات امنية خطيرة، ولكن اخذ المواقع الدفاعية ليس ردا كافيا.. كما ان من الممكن ان يصار الى فتح طرق جديدة تعويضا عن تلك التي قطعت (للضرورة الامنية).. وجعل المتاريس اذا لم يكن منها بد بالحد الذي يسمح بمرور السيارات ولو الضرورية منها على الاقل كسيارات الاسعاف.. حيث ان تنقل هذه السيارات اصبح عسيرا جدا وربما قضي المريض في الطريق الى المستشفى.
ان الوضع الامني غير المستقر يجب ان ينظر اليه كاستثناء، ويجب ان تراجع التحضيرات لمواجهته دوريا بحيث يدرك الجميع، مسؤولين ومواطنين، ان هذه الاجراءات سوف توقف حال زوال التهديد.. هذا هو الوضع في الدول المتحضرة التي نروم ان يكون العراق احدها.

Wednesday, June 02, 2004

افضل الخاطبين

ليس هناك من حديث اكثر شيوعا هذه الايام من موضوع تشكيل الحكومة الانتقالية المقبلة، والتي من المتوقع ان تضطلع بمهام الحكم لفترة ستة او سبعة اشهر. ففي حين يصرح الجميع تقريبا برفض (المحاصصة) اي ان تكون هناك حصة لكل طائفة او عرق في تشكيلة الحكومة، يرى الكثيرون ضرورة تولي (شيعي) رئاسة الجمهورية باعتبار ان (الشعية) يشكلون الاغلبية في العراق.
واذا كان لمراكز ومناصب الدولة العليا ان نوزع بموجب الطوائف، فقد نصل الى نظام اشبه بالنظام اللبناني الذي يعتبر اساسا للحرب الاهلية التي استمرت سنوات طويلة.
كما ان غبن حق بعض الطوائف ومنعها من تولي المناصب العليا في الدولة تحت اي ذريعة قد ينجم عنه نتائج سيئة من الشعور بالعزلة وتعزيز الروح الانفصالية لدى تلك الطائفة، وهو الامر الذي كان سمة النظام البائد.
لذلك علينا قبل ان نسأل عن طائفة او قومية المسؤول الفلاني ان نتحرى عن وطنيته ونزاهته واخلاصه وكفائته (او ـها في كل تلك الصفات). ولنعتبر ان المنصب فتاة شابة تنتظر الخاطبين، فاذا توفر لها الشخص المناسب كما هو متعارف، فعليها ووليها قبول المتقدم، لا الانتظار لحين الحصول على خاطب افضل. وعلى هذا المثال لدينا ميزة.. فبينما تكون خطبة الفتيات مقررة لمصيرها غالبا، يكون شغل المناصب الحكومية في النظام الديمقراطي لفترة محدودة، وبالتالي اذا لم يكن شاغل المنصب كفوءا له فسيتم استبداله بمن هو افضل.. كما هناك آليات كثيرة تضمن عدم انفراد كبار المسؤولين بالقرار، وتحول دون تمسكه بالمنصب الى ما لانهاية.
وهكذا فليكن مثلا رئيس الدولة كرديا وقائد الجيش سنيا وان لم يكونا من الاغلبية الشيعية.. اذا كان لهما من المواصفات ما يؤهلهما لذلك وكان النظام متينا بما يكفي.. وغدا ستقول صناديق الاقتراع كلمتها.