Wednesday, July 28, 2004

سلطة وسيادة

كشفت الاحداث الفلسطينية الاخيرة عن تداعيات خطيرة لغياب السلطة او بالاصح تغيبها عن ساحة الفعل والتأثير. فبعد سلسلة الاعدامات في الميادين العامة بتهمة التعاون مع (اسرائيل)، وبعد سلسلة الاختطاقات في غزة التي طالت اعلى المسؤولين في الدولة، قامت احداث شغب ومصادمات بين قوات الامن ومسلحين فلسطينيين.
واذا كان يحلو لبعضهم مقارنة الوضع في العراق بالوضع في فلسطين على اساس وجود قوى الاحتلال والمقاومة في كليهما.. فالمقارنة يجب ان تعقد على اسس اخرى ايضا، منها تنامي وجود المسلحين غير النظاميين، او المليشيات، ومنها سطوة احزاب بعينها مدعومة من الخارج، ومنها الصراع على السلطة والتكالب عليها، واوجه مقارنة عديدة اخرى.
غير ان عمر الاحتلال في فلسطين يبلغ عقود من الزمن، بينما لم يتجاوز عمره في العراق الخمسة عشر شهرا.. واذا كان لنا ان نعقد المقارنة على هذا الاساس فيجب الاقرار ان العراقيون بزوا في بعض الاحيان اخوانهم الفلسطينيين في اختلاق الازمات والرغبة في السيطرة على الشارع، عسكريا ان لم يكن سياسيا، وتجاوزا كل امم العالم في تخريب منشآتهم وبنيتهم التحتية تحت ذريعة المقاومة، وهي اشياء تندر على القياس.
وهكذا، فان كان الفلسطينيون يخطفون مسؤولي الدولة لـ(فسادهم) فان العراقيون يقتلونهم فورا، حتى بدون ذكر السبب. واذا كانت الدولة الفلسطينية قد ارتضت وجود عناصر مسلحة خارج سيطرة الدولة، لاتاحة الفرصة لهم لمقاومة الاحتلال، فان العناصر المسلحة في العراق قد فرضت على الدولة من قبل الاحتلال ذاته.. الاحتلال الذي سرح الجيش والشرطة وعمل على بنائهما من جديد، ولكن ليس الى القدر المطلوب، وذلك لتجنب ان يطلب منه ذات يوم الرحيل. فمالقارنة اذاً بين البلدين تحمل الكثير من المتناقضات التي يصعب فهمها، ولاشك ان هناك اوجه شبه يجب الانتباه اليها. واهمها ان يتاح للسلطة ان تمارس دورها في حل الازمات وتدارك الملمات كما ينبغي لسلطة ذات سيادة.

Wednesday, July 14, 2004

المال والرجال

يعرف الجميع ان مصادر القوة لاي مجتمع انما تكمن في توافر الموارد المادية والطاقات البشرية، او بتعبير اوضح المال والرجال.. وان الحكومة اذا ارادت ان تكون فعالة فعليها ان تعمل على ايجادهما ورعايتهما وتوفير الفرص لاستخدامهما بالشكل الامثل.
وخلال خمسة عشر شهرا من الاحتلال، ورغم توافر الموارد للعراق سواء على صعيد الثروة الوطنية او من مساعدات الدول المانحة ومنها نفس الدول المحتلة، ورغم توفر الطاقات البشرية الهائلة التي ربما تبز معظم الدول المجاورة في حجمها وتأثيرها.. خلال هذه الفترة الطويلة لم يلمس العراقيون تطورا ملحوظا لا في بنيته التحتية ولا الفوقية.. ولاتجد مشروعا واحدا يفخر به من قام به، ولاتجد تطورا خدميا واحدا يمكن ان ينسب الى هذه الفترة التي تضاف الى قائمة الفترات المظلمة في تاريخنا الحديث وغير الحديث.
والغريب ان هناك من يتساءل في الكونغرس الامريكي عن اسباب الاخفاق في انفاق المنحة الامريكية البالغة 18 مليار دولار.. حيث ان ما تم انفاقه حسب هذا المصدر لم يتعد 3,7 مليار دولار فقط! واعتقد ان هذا المبلغ انفق على التحوطات الامنية وتدريب الشرطة وتجهيز الجيش و..الخ، لاننا لم نلمس اي مشروع حيوي واحدا مهما كانت كلفته قليلة قد انجز لحد الان في عموم العراق، باستثناء بعض اعمال التأهيل في المرافق الخدمية دون تطويرها بشكل جدي.. وان كلفة بعض هذه الاعمال قد تكون اضعاف كلفتها الحقيقية وبمواصفات قد لا تتجاوز مرتبة غير الجيدة، ان لم تكن سيئة.
واليوم وقد تسلمنا من جديد سيادتنا على اموالنا ورجالنا يحدونا الامل الى عدم تسجيل وقت ضائع اخر في فترة مظلمة اخرى تحت اية حجة. علينا المبادرة فورا الى توجيه الرجال والنساء الطامحين الى خدمة وطنهم نحو مشاريع كبرى تمسح عن وجوه العراقيين غبار عقود من التخلف وتعمل على الحاقهم في ركب الامم المتقدمة كما يليق بهم. علينا ان لا نركن فقط الى محاربة الارهاب، ونوجه كل مقدراتنا نحوه.. فهذا بالضبط ما يريده الارهابيون، من تعطيل لمسيرة التحرر وتقييد لحركة الاعمار وتحييد للطاقات البشرية الكبرى في العراق.

Sunday, July 04, 2004

شارع المارقين

اغلق بوابة الزمن وسجل في ذاكرة التاريخ انتصارا اخر للموت العابث.. ابحث في بقايا الحطام عن حلم غاب عن المولد.. سجل صفحات حمراء اخرى تشع بلهب الحقد الدامي.. العنف والكراهية.. اقرأ الحقيقة التي زورها المؤرخون في مقبرة جماعية، مرة في الحفر، وتارة على الارصفة. ايتها الاجساد الملتهبة تجري بحثا عن بقعة ماء.. ابتها الاطراف الموزعة بين الاشجار وسقوف المنازل.. وعلى الارض الرؤوس. يا زمن العودة الى قانون القوة المجردة، سجل انتصارا اخر للبربرية على حضارة التسامح، واستمع صاغرا الى فلسفة البقاء للاقوى.. واطع سادة النظام، العارفين باثمان الانفس. ايها القهر المختبيء خلف المنبر، الداعي بين جمهور الغافلين الى موت المخالفين، المعارضين، الابقين، الكافرين، الشياطين. ادعو بالحكمة التي جعلتك اميرا، الى قتل المارقين غير الابهين.. اقتلوا كل عدو للدين، ولو كانوا نصف اهل الارض اجمعين، فنحن من اختارته السماء، ونحن من وهبنا حكمة الاولين والاخرين، وما سوانا الا قردة خاسئين.. ايتها العباءة المحتضنة لجسد هزيل، تستر القليل، وتفضح الكثير.. في حفرة بلا شاهد سوى ذكريات اب ذهب بصره، هل كانت الا نزوة؟ وهل ستكون الا زفرة؟ يا كل عذابات الدنيا في حفلة شواء الادميين.. ايتها الانفس اللاهثة تبحث عن يوم آمن، يوم ساكن، ولو سكون المقابر.. حذار من شارع المارقين.. حذار من فضول المتطفلين، حذار من غمضة عين، ومن لفتة رأس.. حذار من التجمع لاكثر من اثنين، فقانون الطواريء اتم عامه الاربعين. والويل لمن تسول له نفسه قراءة دستور الخطايا والتوراة والانجيل.. احفر في ساحة الدار حفرة اخرى وادفن، مرة اخرى، كتب الضلالة واتبع سبيل السلف الصالحين.. لن تكون عبدا الا لمن يملك مفتاح عقلك.. لن تكون خادما الا لرب ارضي رغما عن الاصحاح والمساند.. انا احي واميت.. انا اميت.. انا اميت.. اه يا زمن السحت والديناميت، وبقايا الفجرة.