Monday, March 29, 2004

التطرف

لايمكن ان يبتلى مجتمع ما باسوأ من التطرف، بكل اشكاله، الديني او السياسي او غيره. فالتطرف هو آفة تنخر هيكل المجتمع وتفرض وجهة نظر غالبا ما تكون ضيقة ويعتقد بها اقلية قليلة عدديا.
ان تنوع افكار الناس واتجاهاتهم ومعتقداتهم هو من مظاهر الطبيعة البشرية. والواقع اننا نادرا ما نجد مجموعة كبيرة من الناس تشترك تماما في كل افكارها ومعتقداتها. اذا كلما توسعت القاعدة الجماهيرية قلت العوامل المشتركة بينها. غير ان كل جماعة من البشر مهما كبرت لابد ان تجد لها عوامل مشتركة اساسية. ان هذين العاملين هما اللذان يبقيان بني البشر في حالة تعايش مع بعضهم، مع احتفاظهم بخصوصيتهم في نفس الوقت.
والمتطرفون من الناس يعملون على فرض فكرة معينة تجد لها قاعدة واسعة لدى مجموعة ما، وان لم يكن الجميع متفقا على درجة قبولها. فهم يستعملون المسلمات والمقدمات المنطقية لاثبات ان فكرتهم ليست غير خاطئة فقط، بل انها ضرورية وصالحة تماما. وهؤلاء يسعون الى جعل من يخالفهم يبدو وكأنه خاطيء او اثم يستحق العقاب، ويثيرون لديهم وخز الضمير مما يحمل المخالفين (حتى وان كانوا اغلبية) على عدم معارضة هؤلاء المتطرفين، ان لم يكن تأييدهم.
ان مثل هذه المساعي كفيلة بان ترجح وجهة نظر واحدة، مهما بلغت صلاحيتها، وبالتالي فرضها على الجميع بغض النظر عن العيوب التي لايظهرها الا وجود معارضة قادرة على التشخيص، وتعمل بحرية كاملة وبدون ضغوط نفسية. لذلك حذار من تلقي الافكار المتطرفة، او من السماح لها بالانتشار، فهي سرعان ما ستغدو قاعدة لايجرؤ احد على مخالفتها، وستصادر الحرية الفكرية قبل اي شيء، ليتحول المجتمع بعدئذ الى مجرد منفعل لا حول له ولا قوة.

Monday, March 15, 2004

الحل الوسط

بعد اجتماع عاصف لمجلس الحكم خرج احد اعضاءه وصرح للصحفيين ان المجلس قد خرج بنتيجة بعد ايجاد حل وسط، واضاف (بمرارة): يبدو اننا اصبحنا متمرسين في ايجاد الحلول الوسط!
وفي الحقيقة ان التوصل الى حل وسaط في اي نقطة خلاف هو احد المباديء المهمة التي تقوم عليها الديمقراطية. ذلك ان الاختلاف في الاراء اذا اريد له ان يكون مفيدا فلابد ان يثمر عن ايجاد حل لمسالة او تشريع لقانون. وطالما كان الاختلاف سمة من سمات الطبيعة البشرية، فلابد اذن من ايجاد طريقة لتقريب وجهات النظر والخروج بالحلول الوسط.
ومما لا يختلف عليه اثنان ان هناك قضايا لايجوز ان تحل بالتسويات والحلول الوسط، وخصوصا القضايا التي تمس المعتقدات والامور المصيرية. غير اننا يجب ان لانتوسع في اضافة المسائل الى قائمة المحضورات، لان ذلك يضيع فرصة التوصل الى اتفاق.
ان من اهم عوامل النجاح للديمقراطية هو امكانية الخروج بقرارات تفيد المجتمع وتعمل على حل مشاكله، وليست هناك حكمة من النقاش المطول اذا لم يثمر عن قرار هادف. كما ان العامل الاخر لنجاح تنفيذ القرار هو اقتناع مشرعيه بفائدته ولو جزئيا، ولا يكون ذلك الا بمساهمتهم في انجازه، من خلال التعديل حسب ما يرونه مناسبا، وعلى اصحاب المقترحات الاصليين ان يتفهموا اهمية التعديلات التي يضعها الاخرون.
ان التوصل الى قرار باجماع الاراء ليس من الاشياء المعتادة في حياة الناس، ولكن التقريب بين الاراء وايجاد الحلول الوسط هو الذي يمكن من نيل رضا الجميع وبالتالي دعم الجميع، وهو الحماية الاكيدة للاقلية من تعسف (ولو غير مقصود) الاكثرية. وتلك هي ضمانة استمرار الديمقراطية اذا اريد لها ان تكون نظاما يسود الجميع.

Monday, March 01, 2004

التعبير السلبي

لم يكن حادث التفجير في مقر القوات البولندية الاول من نوعه في محافظة بابل، فقد سبق ذلك حادث مماثل في مدينة الاسكندرية. كما كانت هناك بعض الحوادث الموجهة ضد قوات التحالف وقوات الشرطة العراقية وبعض المنظمات الانسانية العاملة في العراق.
والغريب انك تجد عددا من المواطنين يدّعي ان هذه الحوادث هي من تدبير قوات التحالف نفسها! فهناك من يقول ان طائرات مقاتلة امريكية قامت بقصف الاهداف في مدينتي الحلة والاسكندرية ويتذرعون بالحفر التي خلفتها الانفجارات، بل يجزمون انهم حصلوا على قطع من شظايا الصواريخ المستخدمة في الهجوم!
ولست هنا في موقف الدفاع عن قوات التحالف، كما انني لا اروم اثبات ان التفجيرات كانت باستخدام سيارات مفخخة يقودها انتحاريون.. فهذا الامر واضح للمتتبع والمحلل المنصف. الا ان ما اريد الاشارة اليه هو تقبل االعديد من المواطنين للتحليلات الخيالية بهذه البساطة، دون الامعان في النظر ولا اعمال الفكر في منطقية الادعاء.
ولاشك ان هناك خيبة امل شديدة حيال السياسة الامريكية في العراق.. فالمواطن العادي لمس بعض التحسن خلال فترة العشرة اشهر الماضية الا ان ذلك لم يكن بالمستوى الذي كان يطمح اليه، رافقه ترديا في الناحية الامنية. غير ان هذا الاحباط ليس مبررا لتقبل الاشاعات ونشرها، ويجب الحديث عنه بشكل منفصل وواضح، وليس بالتعبير السلبي المتمثل بتحويل الانظار عن قضية الارهاب الذي يتفشى في الساحة العراقية، وهو ما يريده اعداء العراق الحقيقيون.