Wednesday, September 08, 2004

الموت المقدس

عشرون (مجاهدا) يقتحمون مدرسة في احدى الجمهوريات الروسية الصغيرة، ويعلنون جميع من فيها من تلاميذ واولياء امورهم ومدرسيهم رهائن من اجل القضية التي (يجاهدون) من اجلها.. تحرير الشيشان! يا لها من شجاعة، ويا له من جهاد.. لابد ان السلف الصالح سيفخر بما يفعله هؤلاء الثلة التي ضمنت الجنة بـ(استشهادها) من اجل قضيتها.. كيف لا وقد اتوا فعلة لم يفكر فيها حتى اكثر اسلافهم تقوى وثورية.. واثبتوا ان ملتهم تستطيع ان تتجد في الاساليب كما تجدد في الغايات.
نعم، فقبل نحو خمسة عشر عاما كان هذا النفر يجاهدون من اجل اخراج (السوفييت) الملحدين من افغانستان.. وكان هناك تعاطف كبير مع قضيتهم.. فقد ارتكبت السلطات المحتلة جرائم شتى ضد المعارضين للحكم الافغاني العميل لهم انذاك. ولم يتورع هؤلاء المجاهدون عن استلام المعونات من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاطلسيين، الذين كانوا يقدمونها كجزء من ضرورات الحرب الباردة مع (الاتحاد السوفيتي).
وسقطت الشيوعية، وسنحت للمجاهدين اخيرا فرصة اقامة دولتهم الايمانية، ولم يمانع العالم، طالما كان ذلك خيارا داخليا، ليس له تأثير على بقاع اخرى في المعمورة. وسرعان ما تبين العالم انه كان واهما.. فمن الهجوم على المصالح الامريكية، الى هدم الرموز الثقافية، الى احتضان منظمة القاعدة التي اعلنت نفسها، وبشكل منفرد، المدافع عن الاسلام، والناشر لراية التوحيد.. كل ذلك جلب الاحتلال مرة اخرى الى ارض افغانستان المبتلاة، ودكت الصواريخ والطائرات والمدافع والدبابات مدن وقرى هذا البلد تحت نظر وسمع العالم الذي وقف حائرا بين الرغبة في مساعدة الشعب المظلوم، والخوف من تنامي قوة المتشددين الذين اتخذوه مأوى لهم.
واليوم، يعود المجاهدون الى عدوهم السابق.. ليس السوفييت بل الروس، غير آبهين بالتغيير الجوهري الذي حصل بزوال الاتحاد السوفييتي، والتحول الى الديمقراطية، بل ان الاسوأ من ذلك انهم يحاولون الاستفادة من هذه الديمقراطية.. وللمقارنة فان ستالين رحّل جميع الذكور البالغين الشيشانيين الى سيبريا حين لاحت لهم بوادر ثورة، ناهيك عمن اعتقل واعدم. اما اليوم فتجري انتخابات لاختيار رئيس للشيشان من ابنائها، وتقول الاحصاءات الرسمية ان نسبة تقارب الـ80% قد شارك فيها، فما الداعي للـ(جهاد) والقيام باعمال (ارهابية) حسب تعبير السواد الاعظم من البشر؟ لا اجد مبررا غير ان هناك نفرا من الناس عزموا على الموت بطريقة يكون فيها تقديس ومهابة، حتى وان لم يجدوا نصيرا.. فانا لله وانا اليه راجعون.