Wednesday, May 19, 2004

الخيار الوحيد

من المعروف ان الديمقراطية تكون هشة في مرحلة البناء، وتزداد صلابة مع ترسيخ مبادئها. ولذلك يحتاج بناؤها إلى الكثير من التأني في العمل، ويستغرق زمنا ليس بالقصير لإرساء مفاهيم جديدة وتغيير مفاهيم أخرى.. وطيلة هذه المدة لن يكون للديمقراطية ثمار قريبة، بل على العكس ربما حملت عملية البناء معها الكثير من السلبيات التي تؤدي الى الشك في فائدة التطبيق، وما إذا كانت تستحق فعلا العناء.
لاشك ان العراقيين عانوا طوال عقود من الزمن من أهوال حكم تسلطي فردي يصنع القرار فيه خلف أبواب مغلقة وينأى صانعوه عن المسائلة. والأنكى من ذلك ان معظم هذه القرارات أصبحت تصدر عن (القائد الضرورة) شخصيا، بعد ان تلاشت المعارضة له على كافة المستويات.. وبالتالي أصبحت شطحات فكره (الملهم) نبؤات واجبة التطبيق وعلى الجميع ان يصفق لها مهما كانت النتائج المحتملة وبيلة.. حتى أن بعضها أدى إلى تقويض نفس نظامه نفسه.
نعم.. ان الديمقراطية هي البديل عن الوضع المأساوي الذي آل اليه شعب ودولة العراق بسبب الحكم الفردي. أن طريق تطبيق الديمقراطية كمفاهيم عليا سيكون شاقا باعتبار اننا نبدأ من الصفر (او ربما تحته) ولكننا لا نملك خيار آخر. فحتى محاولة اقتباس مفاهيم مثل مفهوم حقوق الإنسان دون أخرى مثل مفهوم الحرية الفردية، سيؤدي في النهاية الى إلغاء دور المُقتبس. وفي الدول التي تخضع لنظم حكم فردية تحاول تطبيق بعض المفاهيم بدعوى الإصلاح، إنما يكون ذلك تحت رقابة مشددة للتأكد من أن أية مساحة إضافية للحرية قد يكتسبها الشعب يجب ان لا تؤدي إلى تهديد نظام الحكم القائم. ولن تتردد قيادات هذه الدول في إيقاف أي إصلاح سيؤدي إلى مسائلة القيادة العليا، أو هز صروح السلطة وتعريضها للخطر.