Wednesday, May 31, 2006

هل يملك المالكي شيئا؟

وسط الفوضى الامنية التي تعيشها البلاد، وتفاقم الازمات بكافة انواعها، الاساسية والخدماتية، الامنية والترفيهية، الاقتصادية والسياسية، الثقافية والاجتماعية، مع هذه الازمات وغيرها لابد ان يثار السؤال: ماذا يستطيع المالكي، رئيس الوزراء الجديد، ان يقدم وكيف له ان يغير او يحسن من هذه الازمات ويحدث فرقا؟
الواقع ان هناك اجابتان عن هذا السؤال. الاجابة الطويلة تبدأ بيوم سقوط بغداد وخروج العفريت من القمقم، مرورا بتدخل دول الجوار، ووجود قوات الاحتلال، وليس انتهاءا بالصراع الطائفي والمحاصصة ودولة الدويلات التي تأسست في العراق. اما الاجابة القصيرة فهي ببساطة لماذا علينا ان ننظر الى شخص ما، المالكي ومن قبله الجعفري ومن قبله علاوي، لكي يحل لنا كل مشاكلنا ويوفر لنا كل ما نريد؟
قد يكون السبب في ذلك اننا تعودنا ان نحصل على الاشياء واصلة الى باب الدار. بل اننا تعودنا ان تقوم الحكومة برفع نفاياتنا من باب الدار، وكان من الصعب على الدوام ان ننتقل الى اقرب حاوية لرميها فيها. اننا بذلك لا نختلف كثيرا عن باقي الامم، سوى اننا نعتقد بان توفير المتطلبات الاساسية للشعب هو واجب الدولة بدون مقابل منا. اما الامم الاخرى، سيما المتحضرة منها، فتدرك جيدا ان المواطن له حقوق وواجبات. تلك الحقوق رسمها الدستور بدقة بالغة، ولم يعترض عليها احد ولم يناقشها احد. اما الواجبات فهي ضائعة بين دور الدولة ودور المواطن. وسبب هذا الضياع هو قبل كل شيء غياب سلطة القانون.
لقد غاب القانون عن ثقافة الشعب عهدا طويلا، قد لا نذكر له اول. واستبيح ما تبقى من القانون تحت سلطة نظام صدام الجائرة حتى لم يعد له من معنى سوى خدمة النظام وازلامه. وادى هذا الغياب الى غياب معنى الالتزام بالقانون والاحتكام اليه، بل ومعنى ضرورة تشريعه لدى شرائح واسعة من المجتمع العراقي. وقاد ذلك كله الى العودة الى الاصول العشائرية وحل النزاعات بالطرق التي كانت سائدة قبل عصر الكهرباء والهاتف والمذياع.. قبل عصر الانترنت والموبايل والستلايت.
ومع غزو ادوات الحضارة تلك لهذا البلد الامن، تشعبت الرؤى وتاه الصواب في زحمة الصوابات الكثيرة التي تعرضها قنوات الجزيرة والعالم والمنار، او الضلالات الكثيرة التي يجلبها القمر الاوربي. دخول للحضارة لم يكن الشعب الذي قرر الاعتكاف قليلا مستعدا له تماما. وبدلا من ان يتنسم هواء الحرية انطوى الى ركن العزاء بدعوى الحرمان المزمن. وعوضا عن المضي قدما لتحرير الشعب من عبوديته وحرمانه، عمد بعض من جاء مع تلك الحضارة في ركب التحرير الى تركه سادرا في ظلماته، وعزفوا على وتر الطائفة والملة وما سواها.
للاجابة عن سؤالنا لابد ان نتسائل اولا هل يستطيع اي احد اليوم ان يحدث فرق في العراق؟ اخذاً في الحسبان ان المواطن لا يعتبر نفسه مسؤولا عن اي شيء، فالاجابة ستكون كلا. وعليه لن يستطيع المالكي، شأنه شأن الاخرين، ان يحدث اي فرق. ذلك كله على اساس ان من يتصدى لموقع القيادة يفترض ان الناس تدرك ما يعنيه ذلك، وتعرف بالضبط ما الذي يتحمله المواطن وما على الدولة ان تفعل. اما اذا كان مثل هذا الشعور بالمسؤولية غير متوفر لدى الشريحة الاوسع من الشعب، فان دور القائد يختلف.
نحن اليوم لسنا بحاجة الى توفير خدمات اساسية، ماء وكهرباء ووقود، وانما في حاجة الى ادراك اننا نحن من يوفر تلك الحاجات بمساهمتنا في حمايتها ومنع التخريب، وفي الانضباط الوظيفي واحترام القانون. وطالما كان الشعب يرى مسؤوليه وقادته انفسهم غير مهتمين بتلك المباديء فلن يكون لديه محفز للالتزام بها.
المالكي يملك مفتاحا لكل المشاكل اذا استطاع ان يطرح السجالات السياسية والصراعات الطائفية والنزاعات على المناصب جانبا وان يتوجه الى الشعب، مصدر السلطة وسببها. اذا كان على المالكي ان يفعل شيئا فعليه ان يضع الشعب امام مسؤوليته من خلال اشراك مباشر، وليس من خلال ممثلين ادعوا انهم يمثلوه، واستخدموا اردية شتى للفوز بالانتخابات، التي لم يفهم منها الشعب غير انها وسيلة لتوفير متطلباته الاساسية. يملك المالكي شيئا كثيرا ان حرك بصيرته بدلا عن بصره، وان غض الطرف عن ما يسمى بالاستحقاقات (الانتخابية) ليتحول الى المواطن مصداق هذه الاستحقاقات وغيرها.