Wednesday, May 24, 2006

طوائف.. محاصصة.. مناطق نفوذ

بعد خمسة اشهر من اجراء الانتخابات منتصف كانون اول الماضي، وبعد شهر من تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، استطاع المالكي ان يقدم وزارته، وسط احتجاج قائمة الحوار الوطني وآخرين، وغياب قوائم اخرى عن التشكيلة الوزارية، وفراغ مواقع الوزراء الامنيين. واذا كان لهذه المعطيات من معنى، فانها يمكن ان تفسر على ان كل شيء يسير في العراق على الحافة او قريبا منها.
فحكومة الوحدة الوطنية ضمت وزراء من قائمة الائتلاف (الشيعي) والتحالف (الكردي) وجبهة التوافق (السنية). وهذا يبدو غاية في الروعة، فالمكونات الرئيسة الثلاث للشعب العراقي اصبحت تشارك في صنع القرار وتنفيذه. لكن هذه الصورة الوردية سرعان ما ستبددها الايام والوقائع. فالعجز عن الاتفاق على من يتولى وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني انما يشير الى عدم القدرة على الاتفاق على اهم القضايا الحيوية. والشعب انما يتطلع الى تشكيل تلك الحكومة من اجل توفير ولو القدر الادنى من الامن. لذلك فان استمرار النزاع حول تلك الوزارت هو دليل على ان قادتنا ليسوا فوق النحل والملل، وانهم انما يعملون من اجل نيل اكبر حصة في الحكومة، سواء في المجلس النيابي، او في السلطة التنفيذية المتمثلة بالرئيس ونوابه ورئيس الوزراء ونوابه ووزارئه.
ويقال لنا ان المرشحين لتلك الوزرات سوف يتم تقديمهم خلال ايام، وهذا امر عجيب. فاذا كانت فترة الشهر (او بالاحرى الخمسة اشهر) غير كافية لتسميتهم، فكيف نتوقع ان تكون فترة ايام قليلة كافية؟ ولماذا يتم الاتفاق على كل الوزرات الاخرى وتترك اهمها لما بعد مصادقة البرلمان (الشكلية)؟ والاعجب من ذلك ان يتولى كل من رئيس الوزراء ونائبيه مهمة ادارة احدى تلك الوزارت، بدلا من ان يتولاها الوكيل الاقدم الحالي، الذي هو مجرد تكنوقراط يعمل على تسيير امور الوزارة لحين تعيين وزير لها.
ان تشكيل الوزراة هو امر جيد على كل حال. فمن الضرورى المضي قدما في العملية السياسية رغم كل الهفوات التي تعترضها، والتي يبررها البعض بانها نتيجة سوء فهم او عدم خبرة في الديمقراطية. ولكنني اعتقد بان سوء الفهم وعدم الخبرة هما اقرب الى المواطن البسيط الذي خرج تحت تهديد الاحزمة الناسفة ومدافع الهاون ليدلي بصوته، ظنا منه بان ذلك هو نهاية لمعاناته وبداية لتحقيق تطلعاته. سوء الفهم وعدم الخبرة ليسا موضوعا لهؤلاء القادة الذين حالما تسلموا دفة الحكم ابتعدوا عن الشعب، وصاروا يستعملون امال المواطنين وسيلة للبقاء في السلطة، وبعضهم استخدم موارد الشعب وسيلة للثراء.. والاسوأ من ذلك ان منهم من كان ولائه للاجنبي اكثر من ولائه لتربة وطنه.
كان يجب ان اكون اكثر تفاؤلا بهذا الحدث، الذي هو في الواقع يشكل منعطفا في تاريخ العراق. وقد كنت كذلك الى حين تقديم التشكيلة الناقصة امام البرلمان الناقص باجراءات ناقصة. وفجأة رأيت منعطفا آخر احسب ان العملية السياسية سوف تسلكه بلا رجعة. ذلك هو ثلاثية (شيعي-سني-كردي) في كل مفصل من مفاصل الدولة، وفي كل مستوى. ربما كان احتمال تقسيم العراق مطروحا في نفس اليوم الذي تحررت فيه بغداد من الاستبداد. ولكن المراهنة على حصول ذلك كانت ضعيفة بسبب طبيعة الوشائج الاجتماعية والتكامل الاقتصادي في المجتمع العراقي. يضاف الى ذلك ان الوحدة السياسية العراقية كانت دوما تحت ظل حكم علماني، وان كان طاغيا احيانا.
اما اليوم فان التقسيم بات امرا واقعا ليس على اساس جغرافي، وانما على اساس مناطق النفوذ. فالشيعة يتولون مسؤولية الامن الداخلي والسنة يتولون مسؤولية الجيش بينما الاكراد يمثلون العراق في المحافل الدولية. ولم تستطع الحكومة الجديدة من وضع مفاهيم جديدة تتعلق بتوزيع للحقائب يعتمد على القدرات الشخصية اولا، والسيرة الذاتية، والولاء للوطن. ما استطاعت ان تفعله هو تثبيت مفاهيم المحاصصة الطائفية والحزبية التي ميزت مجلس الحكم السابق واصبحت صبغة العملية السياسية في العراق.
قد يقدم المالكي مرشحيه للوزرات الشاغرة خلال ايام وقد لا يفعل. والامر سيان طالما انه لم يفعل ذلك في نفس يوم تقديمه للحقائب الوزراية الاخرى. قد لا تكون هناك دولة لكل طائفة، ولكن من المؤكد ان ممثلي هذه الطوائف سوف يحولون مناطق صلاحياتهم في دولة المحاصصة الى مناطق نفوذ، او قلاع يستحيل على غيرهم توليها، او حتى النظر من خلال اسوارها فضلا عن سبر اغوارها تحت عنوان الشفافية الحكومة، هذا العنوان الذي سيفقد معناه تدريجيا، كما خبت من قبل معاني اخرى مثل الانتخابات الحرة، والمشاركة في صنع القرار، وحرية التعبير عن الرأي.