Wednesday, June 21, 2006

ديمقراطية عصب الاعين

بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على تحرر العراق من قبضة الاستبداد، لا يجد الكثير من الناس اثرا حقيقيا لمثل هذا التحرر. لاشك ان هناك منجزات قد تحققت، بدءا من الحصول على الحرية –وان جاوزت الحد في بعض الاحيان– ومرورا بتحسين الوضع المعاشي لفئات واسعة من الشعب، وانتهاءا بخوض الانتخابات الديمقراطية الاولى في تاريخ العراق الحديث.
غير ان كل هذه المنجزات مرت بمراحل عسيرة وتضحيات جسيمة، وجاءت في كثير من الاحيان اقل من التوقعات، مما افقدها قيمتها واهميتها. واذا كانت هناك اصوات اخذت تعلو في المقارنة بين وضع العراق الان وفي فترة حكم النظام السابق، فان خيبة الامل الشعبية جعلت لتلك الاصوات صدى يتردد بين الاذان واجبرتها على الاصغاء. خيبة الامل لم تكن نتيجة فقدان الامن وحده، او العجز عن توفير الحد الادنى للحياة الكريمة للشعب، وانما في افتقاد الروح الوطنية سواء بين الاحزاب السياسية عموما او بين الشخوص السياسية.
لقد طغى خطاب الطائفة والعرق على خطاب الوطن والمصير المشترك. وسادت الساحة السياسية مشادات ومناورات ظاهرها خدمة مصالح الناخبين (بالمعنى الاضيق)، وباطنها الحصول على اكبر قدر من المكتسبات الشخصية. وبات المواطن في حيرة من امره، فهو اول من يُستثار وآخر من يُستشار! ترى كم خرج في مسيرات ومظاهرات واحتجاجات، وكم حصل بناءا على ذلك من مكتسبات؟ لا نجد مثالا واحدا على ان هناك من يستمع لمطالب الشعب، مهما كانت صاخبة. لكننا كثيرا ما نرى قادة هذا الشعب يستعملون تلك المطالب وسيلة للحصول على مآربهم، في المنصب والجاه، وربما الثراء ايضا.
لقد وجدت الحضارة في ارض الرافدين قبل اكثر من ستة الاف عام. تلك الحضارة توزعت في ثلاث مناطق رئيسة: سومر وبابل وآشور. وشكلت هذه المناطق في واقع الامر اجزاء العراق الرئيسة، ومجموع حدودها هو حدود العراق في غالب الاحيان. والعراق هبة الرافدين والارض الخصبة التي يحتضناها، وهو قام بهما ولهما. وفي العصر الاسلامي كانت البصرة والكوفة كلاهما عراقا حتى انجبتا بغداد عاصمة العالم المستنير لسنوات طويلة. وبسقوطها على يد التتار سقط العراق. وباحتلالها من قبل الاكليز أنجز احتلال العراق. وعلى مدى هذا التاريخ كان العراق واحدا في سنوات المجد والعلياء، او عند غوصه في العصور المظلمة. لم يكن هناك عراق شيعي وسني. لم يكن هناك عراق عربي وكردي. لم يكن العراق يعرف بطائفة او قومية.
ولكن ستة الاف سنة من الوحدة مهددة اليوم بالتقسيم، ليس لان ذلك ما تخطط له الامبريالية العالمية للاستيلاء على نفط العراق. وليس لان ذلك لعبة مخابراتية من دول الجوار لافشال مشروع امريكا في نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط. كما انه ليس لان الارهاب التكفيري يريد تصفية الحسابات الاقليمية والدولية على ارض العراق. السبب في ذلك هو مجرد رغبة الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها لدى مجموعة من السياسيين الطموحين الذين لم يكن يفكر ايا منهم قبل الغزو الامريكي بانه قد يكون في مثل هذا الموقع، وبالتالي لم يكن مستعدا. فهم يحاولون ان يعوضوا عن قلة خبرتهم وعدم كفاءتهم في قيادة البلد بكيل الاتهامات الى فيلق الارهاب القادم من بحر الظلمات. وهم يظهرون انفسهم لاحول لهم ولاطول بسبب (مؤامرات) ضد الطائفة او العرق او حتى ضد الحزب والشخصية.
ان الفشل الامني الذريع هو نتيجة حتمية للفشل السياسي الذريع. واذا كان من غير المنصف مقارنة الوضع الامني الان مع الوضع الامني تحت سلطة صدام، فان ذلك فقط اذا كان الخرق الامني يتأتى من اتباع صدام. لكننا نرى اليوم ان من يهدد الامن ربما كانت احزاب لها حضور واسع في السلطة. واذا كان نظام صدام في الماضي يشكل تهديدا لكل مواطن سواء بالاعتقال او التهجير والنفي والتقتيل، فان هناك اليوم من يقوم بنفس تلك الافعال واكثر من ذلك: "تم العثور على كذا عدد من الجثث في مزبلة في ضواحي مدينة كذا، وهي مصابة بطلق ناري في الرأس ومعصوبة الاعين وموثوقة الاطراف وعليها آثار تعذيب". من العار ان تكون لدينا ديمقراطية وحكام منتخبون، وهم اكثر شرعية من جميع الحكام في المنطقة، ومع ذلك تتكرر هذه العبارة المشؤومة كل يوم او يومين.
نعم، شهد العراق ديمقراطية غير مسبوقة، ولكن غير مشتهاة كذلك. فالعراقيون اليوم يساءلون هل ان الديمقراطية تعني توزيع الثروات بين الاحزاب؟ وهل ان مناصب الحكم هي حكر على شخوص بعينهم؟ وهل ان شهوة الكرسي اهم من نزيف الدم اليومي الذي يسيل تحت اقدام هؤلاء الحكام، فداءا لبقائهم في السلطة؟ والى متى يموت الناس معصوبي الاعين بعد عاشوا معظم حيواتهم معصوبي الاعين؟ اية ديمقراطية تلك التي تجرد الناس من كل شيء لاجل نفر من السادة المتنفذين الذين نادرا ما يتوجه احدهم بخطاب ولو للمواساة عن هذا الكرب اليومي؟ الى متى؟