Monday, April 18, 2005

قوانين مرورية جديدة

لم يعد الحصول على سيارة شخصية امرا بعيد المنال، كما كان عليه الحال قبل عامين فقط. وصار بامكان الموظف البسيط، والكاسب والطالب، وغيرهم من شرائح وطبقات المجتمع اقتناء سيارة حديثة نسبيا تسهل تنقله وتختصر الزمن المهدور في وسائل النقل العامة. وخلال العامين المنصرمين غصت شوارع كافة المدن العراقية بالكم الهائل من السيارات ذات المناشيء المتعددة والموديلات المختلفة حتى بات التمييز بينها متعذرا لكثير من الناس. وجلبت هذه المركبات معها قوانين جديدة، لسائقين جدد، في بلد يتجدد كل حين.
فبعد أن غزت الشارع المركبات ذات المقود الأيمن، والتي سمح لها بالتحرك بكل حرية حتى وقت قريب، لم يعد مهما الالتزام بالجانب الأيمن للسير، والجانب الأيسر للاجتياز.. وصار السير على الجانبين مسموح، والاجتياز من الجانبين مسموح أيضا في بلد المسموحات الكثيرة. وإذا فسرت لأحدهم سبب كثرة الحوادث التي تقع لسيارات المقود الأيمن، مقارنة بتلك ذات المقود الأيسر العادي، جاءتك الإجابة مباشرة: السبب ليس في السيارة بل من السائق.. فهل يمكن أن تكون المركبة بأي حال هي السبب؟
وساهم انقطاع الكهرباء بشكل مستمر في تعطيل إشارات المرور الضوئية تماما، وحل محلها شرطي المرور، أو مجموعة من شرطيي المرور في التقاطع الواحد.. وهنا يوجد قانون جديد آخر: إذا أشار لك شرطي المرور بالتوقف وكان سمح للسيارة التي أمامك بالمرور، فهو لا يعني أن تتوقف أنت، بل السابرة رقم ستة أو سبعة خلفك، فلا عليك إن أهملت هذه الإشارة ومضيت قدما في تجاوز التقاطع. وحتى إن كان السير متوقفا في اتجاهك، فيمكنك التحرك رويدا رويدا لتصبح في منتصف التقاطع وتجبر شرطي المرور على إيقاف السير في جميع الاتجاهات لتمر سيارتك، وإلا فان اختناقا كبيرا سيحصل.
ومن القوانين الهامة التي نتجت عن وجود أجيال شابة من المركبات وأخرى في مرحلة الكهولة، أن الأولوية لم تعد لمن في الساحة كالسابق.. بل أصبحت الأولوية للسيارة (الأكبر عمرا).. فإذا كنت تقود سيارة نوع (لادا) موديل 1975، وأردت الخروج من شارع فرعي إلى الشارع العام، فليس من المهم الانتباه إذا ما كانت هناك سيارات تسير فيه، لأنها على الأغلب ستكون (اوبل) موديل 1992 وسيكلف الحادث صاحبها الشيء الكثير، بينما لا تخسر أنت شيئا.. خصوصا إذا كنت ماهرا في رفع صوتك ووصف سائق المركبة الأخرى بالأعمى والجاهل والـ(حواسم) وغيرها من الأوصاف التي ستجعله يفر مذعورا من مكان الحادث.
ويعتقد الكثير من السائقين أن الإشارة الضوئية الجانبية في المركبة ليست جدية أو ضرورية.. فقد يعمد بعضهم إلى فتح إشارته للجهة اليمنى، ولكنه يستدير يسارا.. أو يفتح الإشارة اليسرى ولكنه يمضي قدما في المسير دون أن يستدير. وإذا أراد التوقف وكان على الجانب الأيسر، فما عليه إلا أن يكبح الفرامل فورا ثم يأخذ الجانب الأيمن، ولا يهم حجم الإرباك الذي يحصل في الشارع.. فالمشكلة بالنسبة إليه أن الشارع ضيق ولا يتحمل هذا العدد من السيارات.
والقوانين الجديدة لا تقتصر على مقتني المركبات، بل تعدتهم إلى أصحاب المحلات والدكاكين والدور التي تقع على شارع عام. فقد أصبحت المساحة من الشارع التي تقع أمام محلاتهم حقاً لهم، ولا يجوز لأحد التوقف فيها وان كان قانون المرور (القديم) يسمح بذلك. وعمدوا إلى وضع حواجز حديدية، وصخور، وأحيانا علب الصفيح والكراسي المستهلكة لمنع التوقف في هذه الأماكن. وإذا تجرأتَ وأزلتها وأوقفت سيارتك في هذه الأماكن (المحرمة) فعليك أن تتوقع مشكلة كبيرة تصل إلى حد الاعتداء عليك بالضرب والسب والشتم.. فهذا تعدي على أملاك الغير، وعلى المرء أن يدافع عن أملاكه! ولكن بعض السائقين لا يمانع في امتلاك نواصي الشوارع الفرعية، بحيث لا يمكن الدخول إليها من الشارع الرئيسي.. فهذه أماكن يمتلكها من يقف عليها، وإذا حدث أن احتـُجزت فيها خلف سيارة متوقفة في مدخل الشارع، فلا ينبغي إن تلوم سائق تلك السيارة، بل وجه اللوم إلى نفسك لأنك تسكن في شارع فرعي.
ومع استمرار غلق الشوارع وتحويل معظم حركة مرور المركبات إلى عدد محدود من الشوارع والجسور.. ظهرت قوانين (حواسمية). منها، أن سيارة الأجرة لها أولوية على باقي السيارات، طالما كان الوقت مهما لها دون غيرها، ولذلك فلا عليها إن اجتازت صفا طويلا من المركبات من جهة اليمين، أو باستعمال الرصيف، أو بالتعدي على اتجاه السير المقابل، لتصبح فجأة أول مركبة في الصف!
وباستخدام الذرائع الأمنية، يمكن غلق أي شارع في أي وقت ومنع التوقف في شوارع أخرى، وإذا اضطررت للتوقف لسبب ما، فقد يهاجمك عشرة من أفراد الشرطة المدربين جيدا، والذي يصوبون بنادقهم الآلية غير المؤمـّـنة صوبك أمريك بالتحرك فورا. وهذا هو أحدث القوانين.. فمع غياب الأساليب المتعارف عليها في تطبيق القانون الذي يعرفه الجميع (والذي صار قديما)، قد تدفع حياتك ثمنا لمخالفتك القانون (الجديد) الذي تجهله لا عن عمد.