Monday, April 11, 2005

مؤهلات موجودة.. مؤهلون مفقودون

ما هو المعيار الذي يحكم اختيار الاشخاص المناسبين لتولي مهام سياسية، تمنحهم القدرة على الهيمنة على مقدرات الشعب، والتحكم بمصيره؟ ما هي مواصفات هؤلاء الاشخاص، وكيف يتم انتقاؤهم، بل وكيف نحثهم على تقديم انفسهم، ان كانوا ضمن الاغلبية الصامتة؟ هل نتوقع ان يحدد الدستور مؤهلات صارمة للموشحين، ام يترك ذلك للتقدير الشعبي؟
لعل هذه الاسئلة تدور في اذهان الكثير من الناس، بعد ان تردد ان بعض اعضاء مجالس المحافظات (وربما الجمعية الوطنية) قد خالفوا التعليمات ورشحوا انفسهم ضمن قوائم انتخابية.. وكان ابرز هذه المخالفات عدم حصولهم على الشهادة الاعدادية، بل ان بعضهم عمد الى (تزوير) الوثيقة المدرسية بهدف الاشتراك في الانتخابات! وهذا الامر يفتح الباب لتساؤل جاد: هل خلا البلد من حملة الباكلوريوس والماجستير والدكتوراه، حتى يتم ترشيح من لم يحصل حتى على شهادة الاعدادية؟ لقد كانت هذه اقل المتطلبات، ولكننا نجد انها اصبحت وكأنها شيء نادر، يصعب الحصول عليه.
طبعا، هناك اشخاص لهم تأثير مهم في المجتمع لم تتوفر لهم فرصة الحصول على شهادة عليا بسبب الهجرة او العمل او الانشغال بالعمل السياسي في المعارضة. ولكن تلك هي حالات خاصة، وعلى كل حال كانت فكرة القبول بالشهادة الاعدادية من اجل هؤلاء حصرا. على اننا نجد ان هناك الكثير من الاعضاء في الجمعية الوطنية او مجالس المحافظات لم يتجاوزا الاعدادية، وان كان الكثير منهم لم يكن في صفوف المعارضة او مهاجرا او حرم من التعليم لاسباب قاهرة.
على ان تمثيل المواطنين يحتاج الى مؤهلات خاصة، وتدريب تقني متميز. ففي الكثير من دول العالم يشترط ان يحوز من يتقدم منصب عام، تشريعي او تنفيذي، على شهادة اكاديمية في العلوم السياسية او الادارة او فن الحكم. فليس من المعقول ان يتدرب ممثلو الشعب على كيفية ادارة شؤون المواطنين من خلال موقعهم القيادي. وليس من اللائق ان يستخدم الشعب ساحة للتجارب والمناظرة. يجب ان يكون صانعو القوانين ومنفذوها على قدر كبير من الدراية والخبرة مما يمنع الى حد كبير خسارة الوقت والجهد في بحث تشريعات خيالية، او تطبيقها بشكل اعمى.
فما بالك، اذاً، بالذي يزور الشهادة الدنيا المطلوبة منه؟ لاشك انها انتكاسة عظيمة للديمقراطية ولمبدأ الثقة الذي نتوقع ان يسود في الحقبة التالية.. كما انها حرمان للمواطن من حقه في التمثيل النيابي، حيث ان الانظمة الحالية للمفوضية، والتي تحكم كيفية اختيار اعضاء المجالس والجمعية، ومنها النظام 17، تمنع استبدال العضو الذي يتبين عدم اهليته. وهكذا فان المجلس سوف يصبح اقل عددا وبدون استعاضة، والمواطنون الذين صوتوا لهؤلاء، ثقة بهم وبالاجراءات التي تتخذها المفوضية، سيضحون بلا تمثيل. وقد كان احرى بالمفوضية العليا للانتخابات، وفروعها في المحافظات العمل على التأكد من اهلية كل مرشح قبل الموافقة على ترشيحه، ضمانا لحقوق الناخبين، وليس الاكتفاء بالتعهد الشخصي من الكيان السياسي.. اذ ما الفائدة بعد ذلك من التدقيق، سوى سحب عضوية المزورين؟ وهل كونهم اعضاء مجالس هو امتياز لهم؟ لا نريد ونحن على ابواب تحقيق ديمقراطيتنا الخاصة، ان يفكر قادتنا بانهم يحصلون على امتياز لكونهم في موقع ما.. يجب عليهم ان يفكروا ان خدمة المواطن وحمايته هي الهدف النهائي للحكومة، وان تواجدهم في سدتها يجعلهم مسائلين اكثر مما هم مسؤولين. ومن لم تتوفر له المؤهلات الكافية، والتي من اهمها التحصيل العلمي، عليه ان يكون ناصحا وموجها وناقدا، ولكن ليس نائبا ممثلا للشعب.