Monday, March 28, 2005

معركتنا مع الارهاب.. لا مع الاردن

نشرت صحيفة اردنية مغمورة خبرا مفاده ان عائلة الانتحاري الذي نفذ جريمة تفجير الحلة، والذي يدعى رائد البنا، قد احتفلت بهذه الواقعة وان والده استقبل (المهنئين) بـ(استشهاد) ابنه، لا المعزين. ونشرت الصحيفة الخبر مليئا بالمغالطات والاخطاء الواضحة، مثل قولها ان منطقة الحلة تقع في بغداد، وانه قتل في العملية 132 شخصا، معظمهم من الامريكيين. ثم عادت الصحيفة لنشر تصويب بعد ايام اقرت فيه بعدم سقوط اي امريكي في عملية الحلة (حسب تأكيد السفارة العراقية بالاردن)، وان البنا، وان كان نفذ عملية ما في العراق، الا انه ليس مَن نفذ جريمة الحلة. وعرضت محطات فضائية صوراً لوالده يتبرأ من هذه الافعال.
وكانت مظاهرات غاضبة قد اكتسحت الشارع العراقي في معظم المحافظات، بينما اجتاح المتظاهرون مبنى السفارة الاردنية في بغداد واحرقوا علم الاردن، وسط صيحات وهتافات الاستنكار والاستهجان للموقف الاردني. ثم طالب السيد عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاعلى للثورة الإسلامية في العراق ورئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد، في اول جلسة للجمعية الوطنية، الحكومة الاردنية باتخاذ باتخاذ الاجراءات اللازمة "لايقاف عمليات
التحريض والتعبئة وتجنيد الارهابين الاردنيين الى العراق". وقال الحكيم "اننا ندين بشدة تجاوز الاردنيين علي حياة العراقيين".
وعكست مواقف الشارع والمسؤولين مرارة حادة من تدخل العناصر الاجنبية في العراق وتحويل ارضه ومواطنيه الى ساحة تصفية حسابات مع الولايات المتحدة، ومن استهانة الارهابيين بارواح الموطنين واستهتارهم بالدم العراقي، واباحتهم قتل الشرطة والحرس الوطني وموظفي الدولة ومسؤوليها وحتى افراد عاديين يشتبه في تعاملهم مع (الامريكان). وكان التفجير الانتحاري الذي استهدف سوقا في مدينة الحلة اوضح دليل على عشوائية الاستهداف.. وان العمليات صارت موجهة للشعب العراقي ذاته، لا الى القوات المتعددة الجنسيات.
ورغم ذلك، يجب الانتباه الى قضية مهمة. فالارهابيون ليسوا محددين بجنسيتهم، كما هم غير محددين بمذهبهم او دينهم، ولا تـُعد الشعوب والدول التي ينتمون اليها معادية فقط لانها انجبتهم. كما ان وجود فئات في بعض المناطق تؤيد افعالهم، لا يعني ان جميع تلك المناطق مؤيدة لهم. ومن الخطأ الانجرار الى استنتاجات سطحية، والتعامل مع الشعوب على اساس تصرفات بعض افرادها. نعم، لقد ايد الكثير من الاردنيين نظام الطاغية، وحزنوا لسقوطه، وتهاتفتوا للدفاع عنه عند محاكمته. ولكن ذلك لا يعني ان اغلبية الاردنيين يناصرون هذا التوجه، ناهيك عن الحكومة الاردينة. وقد كانت الاردن في بعض الاوقات ساحة لفعاليات ارهابية، ولا احد يستطيع الجزم انها في مأن منه الان. وكانت السفارة الاردنية في بغداد اول هدف لعملية انتحارية بعد زوال النظام السابق.
ان المسؤولية الاعلامية كبيرة، وكان ينبغي على صحيفة (الغد) الاردنية ان تتوخى الدقة في نشر اخبارها، خصوصا اذا كان يمكن لها ان تتسبب في تأزم العلاقات بين الحكومات والشعوب. ويؤخذ على الحكومة الاردنية تباطؤها في التعامل مع هذه الاحداث، ربما لسوء تقديرها للعواقب. وسواء كان (البنا) هو المسؤول عن جريمة الحلة الاثيمة، او لم يكن.. فان الشعب الاردني غير مسؤول عن هذا الفعل. وسواء احتفل والده بـ(استشهاده) ام اقام مأتما، فان الدولة الاردنية لا يجب ان تدفع الثمن. ان معركتنا مع الارهاب، وليست مع شعوب ودول عانت من الارهاب كما نعاني منه، وان كان هناك فارق في الدرجة.