Monday, March 07, 2005

بين قطع الرؤوس.. وشقها

ما اعظم ثورة الحسين، وما اخلدها ذكراه تتردد عبر الاجيال.. توقد لها الشموع وتضاء لها الانوار.. ترفع عبر المآذن تكبيرات تدل على حسينية استمرار الدعوة ومحمدية ايجادها.. هذه الثورة الجليلة من نفر فدوا ارواحهم قربانا لخلود الدين ونصرة المظلومين واغاثة المحرومين. فما احرانا ان نتبع هذه الغايات السامية ونقتدي بها ونجعلها منهاجا للحياة الدنيا وطريقا للحياة الاخرة.
والواقعة الاليمة في الطف خليق بها ان تطهر النفوس، وان يكون تذكرها للصبر والموعظة لا مناسبة للتحزب والخلاف، وافراغ الشحنات النفسية.. ان تكون هذه المواسم احياء لسنن الدين الحنيف، وتعريفا بالمباديء السامية التي يقوم عليها. فاذا علمنا ان الاسلام دين البشرية جمعاء، وجب علينا ايصال الصوت الى كافة امم الارض بالطريقة التي تقترب من افهامها، وتستسيغها اذهانها.. بالدعوة المسالمة الخالية من التطرف، والمبالغة والمحاكاة المحدودة الاثر. يجب علينا ان نقص القصة كما نريد للاخرين ان يعرفوها، ويتعظوا بدرسها.. وليس كما نحب ان نتخيلها، ونجتر احزانها. الحزن العميق قد يكون وسيلة للتأثير في الاخرين، ولكنه ليس هدفا بذاته، وتجسيد المأساة سبب لجلب الانتباه، وليس غايته.. فهل هذا ما نفعله؟
هل تعمل المسيرات الحاشدة من الشيب والشباب الذين يضربون انفسهم بالسلاسل على وقع الطبول، على اقناع شعوب الارض بجدوى الثورة الحسينية؟ ام اننا نجد تفسيرهم لهذه الافعال جاء على الدوام على اساس ان اهل العراق ندموا على خذلان الحسين، وتآمرهم على قتله، فباتوا يعذبون انفسهم تكفيرا واحساسا بالذنب والجرم العظيم الذي ارتكبوه؟ فهل هذه الافعال احياء للذكرى، ام انها عقاب على فعلة الاجداد؟ هل ان توقف الحياة لايام واسابيع، واحتشاد الناس في مواكب العزاء يلطمون وجوههم وصدروهم، هو اشارة على حزنهم ولوعتهم؟ ام انها ايقاف للزمن واعادة عقارب الساعة للوراء، في الوقت الذي يستعجل فيه العالم من حولنا عقاربه للامام؟
وبينما يتربص بنا اعداؤنا، مرة بالنبذ والتكفير، وتارة بالذبح والتفجير، ويضعون لنا ميزانا باقوالنا، ويستدلون على غلونا بافعالنا.. بينما هم يقطعون الروؤس ويحصدون النفوس، اذ نحن نتباهى بذلك، زاعمين اننا نتمنى الموت في موكب الحسين لكسب الشهادة! فواعجبا اذ يعمل المرء مع عدوه على افناء نفسه، وتقليل عديده، وواعجبا ان كلا منهما ينشد الغاية ذاتها: التقرب الى الله، وكسب الجنة.
وهذا العالم باسره، شرق وغرب، يرقب عبر شاشات الفضائيات ومواقع الانترنت، ناهيك عن الصحافة والاذاعة، على طرفي نقيض: احدهما يحز رأس عدوه تشفيا وارهابا، يقابله اخر يشق رأسه تقربا وطاعة.. ويجمع منظر الدم القرمزي، المقزز عند كافة شعوب الارض، بين المشهدين، ويوحدهما في صورة غير سارة للاسلام.. صورة لم نكن يوما نريدها، ولم يكن ابدا يدعو لها دعاة الدين الاجلاء.. ولكننا لم نعمل على تفاديها، فمن المسؤول؟
فيارجال ديننا الكرام، وسادتنا الافاضل، واولياء امورنا، الا هبوا لوقف الافعال غير المحببة، واقوفوا تشويه رسالة سيد الانبياء، وجهاد سيد الاوصياء، وفداء سيد شباب اهل الجنة. ادعوكم دعوة مخلص لربه، مؤمن بدينه، معترفا باولياءه، مقرا بضعفه، عارفا قدره، فان اصبت فمما وهبني الله، وان اخطأت، فهو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.