Sunday, May 18, 2003

الخروج من زنزانة صدام.. الى اين؟

لا احد اليوم يبكي على نظام الطاغية المخلوع، باستثناء ثلة من المنتفعين الذين فقدوا مصدر عيشهم بزوال النظام، نعم لا احد يتمنى عودة النظام البعثي الفاسد الى سدة الحكم، رغم حالة عدم الاستقرار الامني، لان الجميع يدرك ان هذه الحالة انما اوجدها صدام باختفائه اللامسؤول، هو وزمرته البغيضة، وانه تصرف كما لو كان (يحتل) العراق، وليس (يحكمه).
ورغم ان البعض يعتقد ان قوات التحالف هي قوات (تحرير)، الا ان اعدادا متزايدة من المواطنين بدأت ترى تواجد هذه القوات على ارض الوطن العزيز هو بالفعل (احتلال)، غير انه احتلال فريد من نوعه.. اذ يكاد يكون الصمت حياله حالة عامة، رغم بعض المظاهرت التي خرجت منددة به باديء الامر، ونحن نرى انها انما ارادت ايصال صوت منظميها واظهار نفسها على الساحة، اكثر من كونها بدافع وطني محض.
غير ان هذا الصمت لا يجب ان يفسر على انه رضا، اذ ان عدم التحرك فعليا لازالة الاحتلال الامريكي قد يكون ناشئا اساسا عن الاعتقاد بضرورة آنية لتواجد هذه القوات.. سيما وان الجيش العراقي منهار تماما، ويحتاج اعادة بنائه وتقويمه الى فترة غير قصيرة، فمن الذي سيتولى حماية العراق من الاطماع الاجنبية؟ علاوة على الشعور السائد بان العراق استبدل احتلال الطاغية المستبد بالاحتلال الامريكي الاخف وطأة -حتى الان- بل ان اننا نلمس ضرورة في حماية الامن الداخلي ايضا.
ان السياسة الامريكية كما تبدت لنا تسير على وفق منهج محدد، وانهم لا يتركون الاشياء تحدث بالصدفة. لذلك تطرح تساؤلات كثيرة عن سبب عدم تشكيل حكومة وطنية -ولو مؤقتة- لحد الان، وعدم السعي الجدي لحل المشاكل المتعلقة بالخدمات الاساسية، وبعضها يصل الى درجة خطيرة من التردي، فما هي الخطة الامريكية؟
نعرف ان القوات الامريكية تسعى لاقامة قواعد عسكرية على ارض العراق، ولايتوقع اعاقة بناء هذه القواعد طالما لا توجد حكومة تحاول الحد من هذا التصرف الاحادي، وطالما كان الشعب منهمكا في حماية امنه بنفسه، وفي تحصيل لقمة العيش بصعوبة بالغة، وفي السعي خلف قنينة غاز او صفيحة بنزين، وهنا نلمس تجدد الاساليب البعثية القديمة.
لذلك فاننا ندعو الى تشكيل حكومة وطنية باسرع وقت، وان تتوقف القوات الامريكية عن التصرف بارض العراق بالطريقة التي تحلو لها، وان اية مشاريع لاقامة القواعد يجب ان تحظى بموافقة العراقيين انفسهم، وان لا يتولى احد اتخاذ القرارات عنه.. وذلك ليس جحدا تجاه الامريكان، وانما تثبيتا للكرامة الوطنية، فليس ما يطمح اليه الشعب العراقي، الخروج من زنزانة صدام الى سجن امريكا، مهما كان فارها.. فالحرية لها معنى واحد، ولا يجوز ان يمن احد على العراقيين، لانه انتقاض لن يقبلوا به.