Monday, December 15, 2003

نصفٌ خيّر

خلال عمر الانسانية الذي يبلغ المكتوب منه قرابة عشرة الاف عام، سجل التاريخ فضائع شتى ارتكبها مخلوق ضعيف تفتك به الامراض وليس له ادنى حماية من تقلبات الطبيعة.. ارتكبها بحق جنسه قبل الاجناس الاخرى.. وظلت البشرية تعاني ويلات الحروب بشكل متكرر وكأنها مسرحية يعاد تقديمها المرة بعد المرة.
وعلى مدى تلك القرون توصل بني البشر الى حقيقة اساسية تتمثل بالتشريع. فالقانون هو الكفيل بحسم الكثير من المنازعات ضمن الحدود المتاحة على الاقل. واختلف التشريع القانوني باختلاف الجماعات التي تضعه. واسست الدول والكيانات التي تستطيع ان تعيش في ظل نفس القانون، وبقيت مشكلة الاقليات مثارا للنزاعات.
ان من يستطلع تاريخ الانسان يعجب للتطور المذهل الذي حققه في كل الميادين.. وكيف استطاع استخدام موارد الطبيعة بما يحقق النفع العام او التدمير الشامل. لقد ارتقى الانسان من رجل الكهوف الصياد الى رجل الصناعة الانيق، دون ان يستطيع ان يرتقي فعلا على نزواته وطبيعته نصف الخيرة-نصف الشريرة.. وظل الفلاسفة وحدهم يعتقدون امكانية طغيان النصف الخيّر على النصف الاخر.
فاذا لم يكن بالامكان ان يكون كل البشر فلاسفة، فليكن ولاتهم كذلك.. لينظر كل راع الى رعيته من زاوية النصف الخير.. وليعملوا على تنميته ورعايته.. فالحقيقة الاخيرة هي ان البشر يميلون الى احدى الجهتين بمقدار ثقلها وليس لرغبتهم فيها.. وهذه هي مسؤولية الحكم.. مسؤولية الارتقاء بالبشرية كما يريد لها خالقها جل وعلا.