Wednesday, July 26, 2006

من المسؤول عن الفوضى الامنية؟

يجب الاقرار بأن ما يجري اليوم في العراق من احداث مأساوية، من قتل وتفجير وتدمير وتهجير وما سواها، لم يكن ليخطر على بال احد، حتى اكثر الناس تشاؤما. كما ان المستقبل القريب على الاقل لا يبدو انه يحمل اية بشائر للحد من هذه الاحداث او انهائها. وفي الحقيقة فاننا كلما تعودنا على نمط معين من العنف ظهر علينا نمط آخر ليثير فينا الرعب والاشمئزاز ويدفعنا الى التساؤل عن جدوى ما يحصل ودورنا فيه.
ومن غير المعقول ان مثل هذا الخلل الامني يمكن ان يصب في مصلحة اي احد او اي طرف يعمل ضمن الساحة السياسية العراقية طالما ان ذلك يعني ببساطة انه انما يحتمي بالنار التي ستحرقه لاحقا. نعم، قد يكون هناك البعض من الذين ذهبت عقولهم وغابت عنهم ملكة الادراك بما يمكنهم من فهم هذه الحقيقة، ولكنني واثق ان هذا البعض هو من القلة بحيث لا يمكن ان يكون هو المحرك وراء كل ما يحدث.
ومن غير المعقول ايضا ان تعمل قوى الاحتلال على خلق مثل هذه الظروف الشاذة، حيث انها احد المتضررين الرئيسيين منها. فالعبوات الناسفة والقذائف الصاروخية ومدافع الهاون وغيرها انما تستهدف دوريات ومعسكرات التحالف بالدرجة الاولى، وان وقع ضحايا بين المدنيين نتيجة لها. كما ان المصلحة العليا الامريكية تتمثل في اقامة نظام (ديمقراطي) في العراق بعد اسقاط نظامه السابق. وحينما انجزت الانتخابات الماضية وتم تشكيل الحكومة بموجبها، فان الهدف المعلن قد تم انجازه. وكان يمكن للحكومة المنتخبة ان تطلب من قوات الاحتلال الرحيل لولا شعورها بان الوقت غير مناسب لمثل هذا الطلب. في الواقع سعت الحكومة العراقية الى تمديد بقاء هذه القوات عبر مجلس الامن لانها لا تعتقد انها قادرة على حفظ الامن، ولو بالحد الادنى، بدون مساندة ودعم القوات المتعددة الجنسيات.
اذا من هو المستفيد من بقاء الظرف الامني الحالي على وضعه او حتى جعله اسوأ يوم بعد يوم؟ ان هذا السؤال هو الاصعب على الاطلاق. فالاجابة الاولية ربما تكون بتوجيه الاتهام الى دول الجوار حيث ان لكل منها مصلحة ما في تدهور الاوضاع في العراق على كافة الصعد، وليس على الصعيد الامني فحسب. فبقاء الوضع المتفجر في العراق، مع وجود نقاط تفجر اخرى في المنطقة كلبنان وفلسطين والصومال والسودان حمل اسعار النفط الى مستويات قياسية لم تكن ضمن حسابات حتى الدول المصدرة للنفط. واذا كان الوضع غير المستقر في العراق بالتحديد سببا رئيسا لهذا الارتفاع، فما الذي يحفزالاقطار الخليجية على السعي لاحلال الاستقرار فيه، وهي المستفيدالاول –ماديا- منه؟
وهناك من يتهم ايران في التدخل بالشؤون الداخلية في العراق، يقابله دفاع مستميت بان ايران انما تسعى لحماية مصالحها في المنطقة، تماما كما تتدخل امريكا في العراق لحماية مصالحها الاقليمية. غير ان الدفاع عن سوريا ربما يكون اقل حدة مع توافر ادلة على احتوائها لعناصر مسلحة وفلول النظام السابق ومساعدتهم لوجستيا وماديا في تنفيذ الاعمال التخريبة في العراق. اما تركيا، فهي لاتظهر كثيرا في سلسلة الاتهامات، لكنها حاضرة لكل ما يتعلق في امكانية قيام دولة كردية عند تخومها، الامر الذي لن تسمح به مطلقا، ولو اضطرت الى استخدام القوة العسكرية لمنعه.
ولا يخلو الامر من اتهامات مباشرة او غير مباشرة لاسرائيل او (الكيان الصهيوني) على اساس انها تضمر الشر والعداء لكل الدول العربية والاسلامية وبالاخص للعراق. بل انها تسعى للانتقام من الخزي الذي لحق بابنائها من جراء السبي البابلي الشهير والذي وقع قبل ما يزيد على خمسة وعشرين قرنا، او لالهاء العرب والسلمين عن دورهم في قيادة العالم.
والحق ان كل تلك الاتهامات لا تخلو من صواب، وان لم تكن كل الصواب. فالتدخل الاجنبي سبب الفوضى الامنية الراهنة، ولكن هذا التدخل لم يأت الا عن طريق اهل البلد انفسهم. فالذين يسمحون او يسهلون او يساعدون على توفير السلاح والاموال المقدمة من دول الجوار الى العصابات المسلحة هم من يجب مسائلتهم الان. وسواء كانت هذه الزبانية في جحور مخفية، او متربعة على كراسي السلطة، تجب المبادرة الى تشخيصها وعزلها واستئصالها اذا اريد احلال الامن والاستقرار في هذا البلد المبتلى. ولن يفيد العويل والنحيب والقاء اللوم على الاجنبي اذا كنا غير قادرين على كبح مواطنينا وايقافهم عن الحاق الاذى بالشعب العراقي. وبدلا من الاشارة الى دول الجوار، علينا قطع دابر من يوفر لها ارضية لتحقيق مصالحها على حساب المصلحة الوطنية العليا.