Wednesday, July 12, 2006

انفاق لندن والتعطش للسلطة

كثيرا ما يتساءل الناس عن السبب الذي يدفع مجموعة من الشباب الى تنفيذ عمليات انتحارية ضد اهداف مدنية في الغالب، في الولايات المتحدة او اوربا او مصالح ومنشآت تابعة لهما في اماكن اخرى من العالم. وقد حاولت مقالات وبحوث وتحقيقات صحفية عديدة تحليل الظروف المحيطة بكل عملية وتجميع الاسباب التي ادت اليها وبالتالي فقد خرجت معظمها متفقة على بضعة امور وصفتها بانها هي عماد نظرية الارهاب العالمي.
من هذه الظروف المحيطية الشعور بخيبة الامل والاحباط في المجتمعات التي يعيش فيها الشباب من الجيل الثاني من المهاجرين. فحينما يهاجر الاباء من اوطانهم الاصلية تبدأ الروابط بالانقطاع تدريجيا معها، وحينما يرزقون باطفال في وطنهم الجديد فانهم يصبحون مواطنين لتلك الدول، مع ابقاء اواصر ضعيفة الى اوطان ابائهم. فاذا حدثت لديهم نكسات اقتصادية او غيرها فانهم يرجعونها الى كونهم مواطنين درجة ثانية وانهم ربما سيكونون احسن حالا لو كانوا في اوطان ابائهم. ولكن الواقع الذي يشاهدوه يدل على عكس ذلك، فمهما تكن طريقة عيشهم غير مناسبة، فهي تبقى افضل من عيش اقرانهم في بلدانهم الاصلية. وهنا ينشأ البحث عن السبب في التعاسة لدى مواطنيهم ولديهم. واخيرا تتحول خيبة املهم في حكومتهم الى نقمة عليها، ويخف شعورهم بالوطنية وتتقوى لديهم النزعة القومية وان كانوا غير قادرين حتى على التكلم بلغة ابائهم الاصلية في بعض الاحيان.
لكن اقدام اربعة شباب من جنسيات اصلية مختلفة الى وضع اربعة قنابل في مترو لندن وحافلاته قبل عام (السابع من تموز 2005) لم يكن فقط لهذا السبب. فهؤلاء لا يعتقدون باحقية القوانين البريطانية عليهم وان كانت الدولة تجود عليهم بالمنح بما يكفي معيشتهم. وهم لم يكونوا في وضع مزرٍ يدفعهم لتصرف يائس، ولكنهم وقعوا في شراك دعاة تبرقعوا برداء الدين وتستروا بعباءة التقوى وغلقوا الابواب خلفهم. لقد دُفعوا الى اتخاذ موقف تجاه قضايا لم يكونوا طرفا فيها بحال من الاحوال، وهذا الموقف كان –للاسف– نهائيا. والحال نفسه ينطبق على منفذي هجمات 11 ايلول في نيويورك وواشنطن، وهجمات قطارات مدريد، والمصالح الامريكية في افريقيا.
وبناءا على ذلك، فان الهجمات الدموية غير المبررة لدينا والمستهجنة كليا من معظم الديانات السماوية والارضية، والتي الحقت ضررا كبيرا بصورة الاسلام في الغرب والشرق على السواء، لم تكن تهدف الى ارسال رسالة حول الظلم الذي يقع في اجزاء معينة من العالم، ومنها العالم الاسلامي، بل الى استغلال الشباب المحبط واقناعه بعدالة القضية. في المقابل يزداد رصيد القادة الذي يجندون مثل هؤلاء الشباب ويعلو شأنهم بصورة ما. ولذلك فهم لا يكترثون لمن يرسلون للموت، او بنتائج تلك العمليات الوحشية وتأثيرها على صورة الاسلام، بل وحتى الاساس الشرعي لها. ان كل ما يهمهم هو الحصول على المزيد من السلطة وان كانت في الظل.
وفي الحقيقة فان الامر قد يتعدى مسألة الجهاد ضد (الكفار) في الغرب ليتخذ شكلا من التعنت السياسي والايديولوجي في نفس البلدان الاسلامية التي تقدم دعما، بشكل او بآخر، للقضايا القومية. فالسعودية تقدم اموالا طائلة للفلسطينيين ولكنها ليست بمأمن من هجمات المسلحين. والدعم السياسي المصري غير خافٍ، وكذلك الهجمات على المواقع السياحية المصرية لتحطيم مصدر الدخل القومي واضعاف الحكومة قدر المستطاع. واستهداف الاردن، البلد الذي يحتضن اكبر جالية فلسطينية، من قبل الجماعات المسلحة لهو خير دليل على ان القضية الفلسطينية ليست هي غايتهم، بل ان ما يسعون اليه هو خلق سلطة موازية لسلطة الدولة كمقدمة للاستيلاء على السلطة فيما بعد.
ان كل ذلك يقودنا الى الحالة العراقية الراهنة والى سبب عدم احترام حقوق الشعب وخياراته، بل وارهابه وتكفيره وتهجيره. ففي العراق تعمل نوعان من الجماعات المسلحة. الاول هو الذي لا يكشف عن وجهه بينما يعيث فسادا بانتظار تحول الامور الى الفوضى الشاملة ومن ثم يظهر الى السطح في امارة طالبانية منقذة ومستبدة تحم بامر الشرع كما تراه. اما الثاني، وهو الاخطر، فهو القوى المسلحة التي تسفر عن وجهها في نفس الوقت الذي يكون لها ذراع في السلطة، بدعوى مقارعة القوى الاولى. وتلك الجماعات لها امتدادات خارجية واضحة، وهي لا تخجل منها بالمرة، بل تبررها بالبعد القومي او الايديولوجي العقائدي. وفي كل الاحوال يكون افراد هذه الجماعات، شأنهم شأن افراد الجماعات التي تنفذت عمليات مسلحة في الغرب، مجرد شباب محبط ومستغفل يعمل لخدمة سادة يظهرون لهم التواضع وكراهية الحياة الدنيا على غير حقيقتهم الطامعة في التسلط والتسيد باي ثمن.