Wednesday, July 19, 2006

تحريم الدم العراقي.. على من؟

ترردت في الاونة الاخيرة مصطلحات مثل (المصالحة الوطنية) و(تحريم الدم العراقي) وما سواها في محاولة لايجاد حلول للمشكلة الامنية المستفحلة، والانعكاسات الخطيرة لهذا الخلل الامني الفاضح على وضع البلاد سياسيا قبل ان يكون امنيا، بالاضافة الى احتمالات الحرب الاهلية او النزاع الطائفي طويل الامد. والواقع ان هذه المحاولات قد لا تجدي نفعا اذا كان الهدف منها ايجاد حلول وقتية او اتفاقات سطحية لاظهار تقدم ما في المعركة مع الارهاب والتدخل الاجنبي. كما ان الظرف الامني الراهن في منطقة الاوسط ككل ينذر بالمزيد من العواقب على المنطقة باسرها مع امكان ان تستغل الاراضي العراقية كمواقع للتدريب والتخفي وانطلاق العمليات.
ومن ناحية اخرى يتوجب علينا تعريف اسباب الخلل لكي نستطيع اقتراح الحلول الناجعة. وهذه المهمة قد تكون غاية في الصعوبة كما هو متوقع. لكن هناك مظاهر معينة للاعمال التخريبة والارهابية والتي يمكن ان ترسم صورة، ولو شبحية، لطبيعة الجهات التي تقف خلفها. ومن الضروري الاشارة الى ان جميع فئات ومكونات الشعب العراقي هي ابعد ما تكون عن التأثير في تلك المتغيرات، ولكنها تستدرج في بعض الاحيان وتدفع للتفكير بالطريقة التي ترسمها لها جهات مغرضة، وان يكن ذلك لفترة وجيزة فقط.
ومن مظاهر الخلل غير الخافية سهولة تسلل السيارت المفخخة وزرع العبوات الناسفة على الطرق الخارجية وحتى الشوارع الداخلية في المدن الاهلة بالسكان. ومنها تحرك المسلحين بيسر وقيامهم بعمليات الاغتيال المنظمة للشخصيات والكفاءات العملية او الرموز السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية، وكذلك التعرض لحياة المواطنين بالاستهداف العشوائي او القتل على الهوية الطائفية، والتهجير القسري. يضاف الى ذلك استهداف البنية التحتية للصناعة النفطية والمنشآت الخدمية كالكهرباء والماء وما سواها.
والصورة التي ترتسم لنا من هذه الاحداث لا تبدو وكأن هناك فريقا ما يحاول الحصول على مكاسب على حساب فريق اخر. بل هي اقرب الى هناك ثلة تعمل كل ما في وسعها من اجل تخريب المنجزات التي تحققت بعد سقوط نظام الطغيان وارغام المواطن على العيش في ظل ظروف بالغة الصعوبة بحيث لا يتلمس اثرا لهذه المنجزات. ولذلك فليس من المنصف القول ان السنة او الشيعة هم من يركتب هذه الافعال الاثمة، كما انهم لن يكونوا، كمواطنين لهم رأي فيما يحدث، سببا لها. ولا يختلف اثنان على ان السلطة الحالية تمثل تمثيلا عادلا الى حد ما لفئات الشعب المختلفة، بغض النظر عن السلبيات التي رافقت تشكيلها. لذلك فمن المستبعد ان تعمل فئات في السلطة على احداث مثل هذا الخلل الفادح في الناحية الامنية للحصول على مكاسب سياسية لن تحصل عليها في كل الاحوال.
على ان الصورة الاشمل لمنطقة الشرق الاوسط قد تعطي ايضاحا اكثر حول طبيعة ما يجري في الساحة العراقية. فقد تصادف ان يقع العراق بين جيران اقل ما يقال عنهم انهم قلقون على مصالحهم بشدة، ان لم نقل انهم يشعرون بالتهديد الجدي لزوال انظمتهم الاستبدادية. وقد كانت خطوة اسقاط صدام بمثابة جرس الانذار الذي ما انفك يرن منذ ثلاثة سنوات محذرا من خطوات مماثلة. والتدخل الاجنبي في العراق هو السبب الرئيس للخلل الامني فيه. ولولا الاسناد اللوجستي والعسكري والمالي الذي تقدمه دول الجوار للمسلحين في العراق لما استطاعوا ان يديروا معركة بمثل هذا الحجم. واكاد اجزم ان هناك دوائر مخابراتية اجنبية كاملة واجبها يتمثل بالتخطيط للعمليات المسلحة بشكل ربما يكون يوميا.
غير ان ذلك لا يعني ان اطرف السلطة بريئة تماما من هذه التصرفات. فبعضها يتلقى دعما مباشرا او غير مباشر من اجل غض النظر او حتى مساعدة العصابات المسلحة في تنفيذ مهامها. ولا يخفى دور الفساد السياسي والمالي والاداري في تسهيل مهمة المسلحين، علاوة على غياب او تغييب الدور الشعبي بين ثنايا التنازع المحموم على السلطة. لذلك فمن غير المنطقي الحديث عن المصالحة الوطنية في بلد ليس فيه خلاف وطني حول اي شيء على المستوى الشعبي. وحتى على المستوى الرسمي لا يمكن ان يكون الخلاف قد وصل الى درجة الدعوة الى السلاح. فمعظم القضايا محل النزاع يمكن حلها ضمن قبة البرلمان وطاولات الحكومة.
اما الدعوة الى تحريم الدم العراقي فهي ليس اكثر من دعاية جوفاء. فالدم العراقي محرم شرعا وقانونا وعرفا، ولم يكن هناك على مدى التاريخ مسوغ لاهداره. فالطوائف المتنوعة في العراق تحترم بعضها البعض منذ القدم، ولم يطرأ ما يمكن ان يغير هذه الحقيقة. وارى ان مثل هذه المؤتمرات التي تدعو الى مثل هذه التحريم مجرد محاولة للتنصل من المسؤولية القانونية للسلطة في حماية الشعب وبناء اقتصاده ورسم صورة زاهرة لمستقبله. بدلا من ذلك يجب تشخيص الدور الاجنبي واجباره على النكوص. واذا كان هناك من تحريم او خطوط حمراء فانما يجب ان توجه الى الدول التي تريد حماية مصالحها او انظمتها عن طريق تحويل العراق ساحة لمعاركها وشعبه حطبا لها.