Tuesday, October 04, 2005

لا خلاص على يد الاعداء

من الملاحظ ان قائمة الاهداف (المشروعة) لعناصر (المقاومة) اصبحت طويلة وذات تشعبات وارتباطات كثيرة. فلم تعد القوات المتعددة الجنسيات، والتي يفترض ان تكون هي الم قصد الرئيس لـ(المقاومة)، لم تعد تحظى بالكثير من الاهتمام منها. ولم يعد هدف انهاء الاحتلال هو ما يحرك تلك (المقاومة)، بل اصبح الهدف اوسع واشمل. ولغة الارقام يمكنها ان تقول ذلك بكل وضوح، فمقابل كل جندي امريكي قتل او جرح في العراق، كان هناك اكثر من مائة من الضحايا الابرياء، من الرجال والنساء والشيوخ والاطفال، الذي ن تصادف وجودهم في موقع هجوم (استشهادي)، او كانوا هم هدف ذلك الاعتداء.
فما هي الغاية اذن؟ في الظاهر يبدو ان هؤلاء (الجهاديين) يرغبون في تحرير العراق من الاحتلال، ولكن على طريقتهم الخاصة، لان الكل في العراق يسعى لهذا الهدف. غير ان الاغلبية (من كل المكونات الديمغرافية للشعب) تفضل ان تنجز هذا التحرير بعملية سياسية محكمة، وباشراف دولي يضمن حصول العراق على كامل استحقاقاته. ولكن هؤلاء (المقاومين) يريدون ان يقنعوا الرأي العام ان التحرير لا يكون الا بالقوة، ويتضمن معنى القوة هنا ممارسة القتل العشوائي حتى على المدنيين العزل، والفقراء الساعين وراء لقمة العيش.
وهم، مع ذلك، لا يقدم ون لنا بديلا ما. فاذا قررت القوات المتعددة الجنسيات الانسحاب من العراق خلال اسبوع او اثنين، فما هي الخطوة التالية؟ اذا كانت تلك (المقاومة) تملك برنامجا، فعليها ان تبادر الى عرضه الان، والا فما الفائدة من التحرير؟ ونحن نعرف ان من يقوم بمحاربة القوات الامريكية اليوم يحارب في نفس الوقت القوات العراقية، وهو يوجه لها الضربات اشد عدة مرات من تلك التي توجه للجيش الامريكي. فهل اذا انسحبت القوات الامريكية ستكف تلك (المقاومة) عن هذه الافعال؟ الارجح انها ستستمر وبشكل اكثر شدة وبأسا. وما ذلك الا لتحقيق غاية واحدة، الاستيلاء على السلطة.
لقد مرت على العراق خلال السنتين الماضيتين من الاحداث ما لا يمكن تصوره. واصبح وقع العنف اليومي شيئا عاديا في حياة الشعب العراقي، الذي تعود هذا العيش حتى قبل تخلصه من براثن الحكم الصدامي البغيض. لقد عاني هذا الشعب من الكبت و ال حرمان و ال اعتقالات و ال اعدامات، ومن الحروب والتشريد والتهجير والتفقير. واليوم يريد اعداء العراق ان يديموا تلك الفتن.. بل ويبتكروا المزيد منها، لان مصالحهم باتت مهددة بوجود عراق حر ديمقراطي. واذا كانت حكومتنا تفصح بين الحين والاخر عن تورط دول الجوار، فهي لم تأت بذلك من فراغ. اذ لاشك ان هناك قوى خارجية تدعمهم وتمولهم وتزودهم بالمال والسلاح والتخطيط، والعناصر المغرر بها.
لكن الغريب ان تتبنى الجماعات التي تدعي مقاومة المحتل اسلوب محاربة القوى الامنية الوطنية والعمل على اضعافها. والاغرب انها لا تجد غضاضة في مهاجمة المدنيين فقط لتظهر ارقام مرعبة على شاشات الفضائيات، يلحقها بيان تفاخري على مواقع الانترنت. ولو عاد هؤلاء الى تاريخ حركات المقاومة في العالم اجمع، وفي العالمين العربي والاسلامي خصوصا، لوجدوا انها كانت تقدس كل ما يتعلق بشعوبها وتحترم حقوقه وحرياته، ولا تعتدي عليها ابدا. فالمقاومة لابد ان تكون من نسيج المجتمع تأسى لأ ساه وتتفاعل معه، لا ان تكون هي سبب ذلك الأ سى.
وكلما طالت قائمة الاهداف لتلك الجماعات كلما ابتعدت عن الشعب، وفقدت المناصرين. فالعنف لايمكن ان يكون بديلا للحرية، والنظرة الضيقة المتعصبة لايمكن ان تكون هي نظرية الحكم. ومن يعتقد ان غالبية الشعب هم اعدا ء ه، لايمكن ان يكون محررهم ومخلصهم. وكان الاحرى بتلك الجماعات قراءة التاريخ بتمعن. فالطالبانيون فشلوا في الاحتفاظ بالسلطة في افغانستان لانهم فرضوا اسلوبهم التسقيطي على الشعب، وحكموا باشد ما يكون من تسلط وتفرد، رغم انهم اصلا كانوا حركة مقاومة للاجنبي المحتل (الاتحاد السوفيتي السابق). وهم استعْدوا الشعب عليهم، كما فعل صدام قبلهم، فلم يكن ممكنا بعد ذلك ان يكونوا مخلّصيه.
ان الشعب العراقي الصابر يدرك ما يدور اليوم من احداث، وما يحاك ضده في داهليز المخابرات الاجنبية. ولن يستسلم ابدا لرغبة جماعات تمارس شتى انواع الارهاب، تحت مسميات الجهاد والمقاومة، لانه يعلم جيدا ان السماح لهم باخذ زمام المبادرة سوف يجعل كافة افراده عبيدا وادوات بيد تلك الفئة الضالة والمتعطشة للسلطة. وكما قال الشعب كلمته في يوم الانتخابات في الثلاثين من كانون الثاني الماضي، فانه سيهب ليقول كلمته في يوم الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من تشرين الاول المقبل. ومهما تكن نتيجة الاستفتاء، فانها ستكون محاورة وطنية ديمقراطية، لا تسقط الأخر ولا تفرض عليه ما لا يريده. وحتى لو اضطررنا للعودة الى المربع الاول، فقد حققنا تقدما مهما. لقد بدأنا نتعلم الحوار عبر صناديق الاقتراع، وقبلها على طاولة المفاوضات وفي اروقة المجالس المنتخبة.. لا بطريق العبوات الناسفة والاسلحة الاوتوماتيكية والسيارات المفخخة. واذا كان من خلاص فلن يكون ابدا على يد اولئك الذين يعلنون نهارا جهارا، بالقول والفعل، انهم اعداء للشعب.