Tuesday, October 11, 2005

جهاد ضد المساجد!!

لا ادري ما الذي يجعل مسجد (ابن نما) في مدينة الحلة هدفا لعملية ارهابية. ولا اعرف لما ذا يكون أي مسجد هدفا لمثل تلك العملية. ولا استطيع ان اتصور ان يكون أي مكان عبادة، سواء كان مسجدا او حسينية او كنيسة او ما سواها، كيف يمكن ان تكون تلك الدور المقدسة اهدافا للتدمير والتخريب والقتل. ولا يمكنني ان افهم كيف يكون الجهاد لتحرير الوطن عن طريق تخريبه وانتهاك مقدساته وقتل ابناءه واستعباد شعبه تحت نير الارهاب والحقد والكراهية.
لا استطيع ان افهم كل ذلك لانني اتصور ان البشر ولدوا مع فطرة سليمة ترشدهم وتهديهم.. كما هدت فطرة النبي ابراهيم عليه السلام الى الايمان ب وجود الله تعالى وضرورة عبادته. تلك الفطرة التي ترفض اقدام قابيل على قتل اخيه، وتتعاطف مع هابيل المسالم الوديع الذي يرفض الاحتكام الى القوة وافناء الاخر. هذه هي معضلة الحياة، المسالمون تصيبهم نزوات المعتدين. و اذا كانت الحياة الى نهاية لا محالة، فهل ينتصر الحاقدون لانهم لا يحفلون بالحياة ؟ ام هل تنتصر الفضيلة التي تقدس الحياة مهما يكن قصرها؟ لم يكن قابيل واثقا من فعله، ولكن نفسه كانت حاقدة. ولم يكن هابيل ضعيفا، ولكن نفسه كانت سمحة. والمواجهة الابدية، ستبقى بين نفس خيرة تريد ل لفضيلة ان تعم الجميع، ونفس شريرة تسعد بحلول الظلام والجهل والرذيلة.
كما انني لا استطيع ان أتفهم اعلان (شيخ المجاهدين) عن قائمة اهدافه، التي تطول لتشمل (الشيعة) كشعب ومذهب. فاي جهاد ذلك الذي يبيح دم كل رجل وامرأة وشيخ وطفل ولدوا على هذا المذهب، كما ولد هو على مذهب ه. ذلك المذهب المتصلب والذي يرى الامور من زاوية ضيقة. فاي فضيلة يحملها هو؟ هل كان نصرانيا، او يهوديا، فاهتدى بآية ربانية الى مذهبه التكفيري ؟ ام أ نزل عليه وحي فصار على يقين مطلق؟ واذا لم يكن يحارب المذهب، بل اهله كونهم لا يفكرون بطريقته، وهو الذي يقض مضجعه احتلال الارض، ف هل تتحرر الارض بافسادها، واهلاك الحرث والنسل.. عجبا!!
وكيف يمكن ان يفتي أي امريء باباحة دماء الاخرين، وبجعلهم هدفا لعمليات اقل ما يقال عنها انها قذرة تشمئز منها النفوس وتقشعر لها الابدان. من اعطى له تلك السلطة، واتاح له ذلك المنبر. يا لسخرية القدر، اذ يصبح الهارب من وجه العدالة في بلده، والمطارد المحكوم، والمهدور الدم، يصبح قيما على العراقيين ومتحدثا باسمهم !! يعلن ببساطة ان الشيعة (متعاونون مع المحتل)، وهم لذلك هدف مباح. فمن هم هؤلاء الشيعة (المتعاونين)؟ هل هم الكسبة في سوق (الهرج)، ام العمال في (مسطر) الكاظمية؟ هل هم المصلين في حسينية (ابن نما)، ام من يتناول افطاره في مطعم (كباب اربيل)؟
يقول، لقد شاركوا في الانتخابات، وجاءوا بحكومة (عميلة) لل محتل. فماذا يفعلون؟ يقاطعون كل شيء وينتظرون ان تمطر السماء مقاومين انتحاريين يفنون (قوات الاحتلال) ؟ ام يربطون انفسهم باحزمة ناسفة ويعيثوا في الارض فسادا؟ اذا كانت هناك طريق سلمية فلماذا لا نسلكها، سيما ان المجتمع الدولي باجمعه يراقب كل ما يجري، فلماذا لا نمضي بعملية ديمقراطية تعيد الحقوق وتحرر الارض وتنهي الاحتلال؟ ولكنه لا يؤمن بالانتخابات ولا بالديمقراطية ولا بالحرية، فهو يؤمن فقط، كأي متسلط آخر، بنظرية القوة والفتك، ومن امتلكهما اصبح سلطانا، وحاكما و(اميرا للمؤمنين).
ثم من اين اتى بهذا اليقين الذي يخوله اغواء فئة ضالة لتنفيذ عملية انتحارية في وسط ابرياء لا حول لهم ولا قوة؟ هل صعد الى السماء فعلم، ام جاءه ملك ففهم؟ وهل كان اكثر من النبي ابراهيم عليه السلام يقينا، وقد طالب هذا النبي ربه بآية (ليطمئن قلبي)، فما هي آية ابو مصعب؟ لكنها نفسه المريضة الراغبة في رؤية الدم، والمستمتعة بآهات الثكالى وصرخات الاطفال.
ولكن مهلا.. فهل من يأتي (للجهاد) في العراق قد اعدم حيلة للجهاد في بلده؟ هل تحررت بلاده من المحتل والغاصب والمفسد؟ وهل ارسل اهل العراق يطلبون مقدم هؤلاء (المجاهدين)؟ فواعجبا.. يقدمون الينا بلا دعوة، وواجبهم في وطنهم اولى، ثم يعملون فينا تقتيلا وتشريدا لاننا لا نوافقهم. وواسفا لقد وجدوا مأوى يضمهم، والتف حولهم نفر يشجعهم، ظنا انهم بذلك يعيدو ن التوازن الى المشهد السياسي المختل بنظرهم.
لا يمكن ان يوصف الهجوم على مسجد ابن النما والمساجد الاخرى، الا بالارهاب المبني على الحقد.. كما لا يمكن ان يكون تهديد طائفة برمتها سوى غلو واسراف اعمى. والعمليات الموجهة ضد قوات الامن الوطني.. ليست الا افعال ا شائنة تهدف الى ال تخريب و ال ارهاب، وتعطيل مسيرة الحرية ومحاولات بائسة لجر البلاد الى حرب طائفية. لا يمكن ان تكون هناك افعال جهادية يرضاها الله ورسوله، صلوات الله عليه وآله، متمثلة بالقتل العشوائي، والتدمير والافساد. فقد قال سبحانه (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)، ولذلك كان الدين الاسلامي دين الرحمة والتسامح. وفي غير ساحة المعركة، لم نسمع ان المسلمين كانوا يمشون في الارض ويقتلون من يخالفهم، بل ينصحون ويرشدون ويهدون. وبالنصح والهداية، لا بالسيف والقهر، انتشر الاسلام في اقصى الارض وادناها.