Monday, June 06, 2005

مسؤولية (الجزيرة) ام مسؤولية مشاهديها؟

ليس من عاداتي متابعة برامج اللقاءات الفنية في القنوات الفضائية، لا لانني لا احب الفن، ولكن لان الكثير من تلك اللقاءات ليست اكثر من استهلاك للوقت في قضايا لا تشكل اهمية، ولا تحمل مضمونا حقيقيا. ولكن حدث قبل ايام ان شاهدت احد هذه اللقاءات مع فنانة (لم اكن اعرفها سابقا) تعرضت الى احراج في لقاء مباشر بثته قناة الجزيرة الفضائية. ولفت انتباهي الطريقة التي وصفت بها الفنانة تلك القناة. فقد ادعت انها وقعت في فخ لم تكن تتحسب له، فكان اللقاء تجريحا وهجوما شخصيا وقالت انهم عمدوا الى منع المكالمات الهاتفية التي تويد موقفها، بينما اعطوا الوقت الكامل لمعارضيها. وقد عبرت تلك الفنانة عن استيائها من هذه التصرفات بقولها: لو لم تفعلوا ذلك لما كنتم قناة الجزيرة.
وقد كنت اظن ان مواقف الجزيرة المعروفة هي نتيجة توجهات ودوافع سياسية، وهي تمثل نمط خاص لنقل الاحداث والتعقيب عليها. وان هذا النمط انما يختص بالقضايا السياسية او ما يلحق بها. واكتشفت من خلال تلك المقابلة الفنية ان اسلوب الجزيرة لم يختص بميدان دون اخر، بل عمّها جميعا.
وربما لم تعد مثل هذه الملاحظات حول سياسية الجزيرة غريبة، او جديرة بالاشارة باي حال، ولكنني وددت التنبيه الى امر اخر. ذلك ان قناة الجزيرة، كاي فضائية اخرى، تسعى الى الانتشار لكسب المزيد من المشاهدين، وبالتالي المعلنين، مما يحقق لها ريعا مناسبا يجعلها قادرة على البقاء. واذا كان الانتشار يعني القبول من قبل المشاهدين، فاننا نستنتج ان ما تعرضه تلك القناة يلقى قبولا واسعا بدليل استمرارها، رغم اتخاذها نمط مختلف عن معظم القنوات الاخرى.
واذا كانت المسؤولية الاعلامية مشتركة بين الاعلاميين والمتلقين على حد سواء، فيجب البحث عن الاسباب التي تجعل الكثير من المشاهدين يفضلون قناة الجزيرة. وفي رأيي فان اولها ان تلك القناة تقدم التحليل الخيالي للخبر والذي يتناسب مع رغبة المتلقي في القاء اللوم على اطراف بعينها، دون الخوض في المسؤولية الذاتية. كما انها تداعب اسلوب تفكير المجتمع العربي الذي تتوجه اليه، والذي يعتقد ان كل الاحداث قد جرى التخطيط لها مسبقا، وان الشعوب ليست الا كائنا منفعلا لا حول لها ولا قوة. وهي تركز على الكراهية للغرب التي نشأت عليها الاجيال الحالية والتي نتجت اصلا عن الفكر الستاليني الذي غزى المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما بعدها.
وفي حالة الفنانة المشار اليها، فاني اتصور ان الكثير من مشاهدي الجزيرة لابد انهم استمتعوا في تعذيبها واحراجها بما يرضي غرورهم ويجعلهم يشعرون بانهم مهمون لانهم قادرون على تجريح الاشخاص المهمين. ولكن اليس بالامكان ان يشعروا بنفس الاهمية اذا استطاعوا ان ينقدوا بدل التجريح؟ ربما كان هذا من مسؤولية معدي البرامج والمشرفين عليها، ولكنني لا اناقش دورهم هنا، بل دور من يريد ذلك، وتوفرت له قناة تحقق له رغبته.
ان دور الاعلام لا يكون محصورا في مؤسساته بل يمتد الى جمهوره. واذا اردنا ان نصنع اعلاما منصفا، وجب علينا ان يكون متلقيه منصفين بنفس القدر، فالاعلام في الواقع انعكاس لحركة المجتمع ورغباته وتطلعاته. وسوف تكون الخطوة الاولى في الاصلاح الاعلامي، ان جاز التعبير، نشر هذا الوعي بين الجماهير والتي عليها ان تترفع عن الرغبات والقناعات القبلية، وان تكون اكثر قابلية على تحمل المسؤولية بدل ان تبحث عن قصص طوباوية تفسر بها الاحداث وتجعلها في راحة نفسية مصطنعة. وتلك هي ايضا اولى مستزمات الحرية، المفقودة في اغلب المجتمعات العربية.