Sunday, June 12, 2005

مشروع التغيير في الشرق الاوسط

لاشك ان التغييرات السياسية التي حدثت في بنية الدولة العراقية بعد زوال النظام السابق قد ساعدت في تغيير البنيات السياسية المتوارثة في المنطقة باسرها، وبعثت باشعة دافئة اخذت تذيب الجليد المتراكم عليها منذ قرون عديدة. لكن تلك التغييرات لم تبدأ بزوال نظام الحكم الفاسد في العراق، ولن تنتهي بنجاح الانتخابات فيه.
فمنذ اجتاح نظام صدام دولة الكويت المجاورة والحليفة عام 1990، بدأت تلوح في الافق ملامح تغيير سياسي يطرأ على طبيعة العلاقات الدولية في المنطقة، التي طالما كانت تتبجح بالروابط القومية والدينية في تحديد شكل هذه العلاقات، وتغاضت عن الاساس الاكثر شعبية عالميا في بناء العلاقات الدولية، وهو المنفعة المشتركة وتبادل المصالح.
لم يكن صدام حسين يطمح الى انشاء نظام دولي جديد، ولم يكن يريد ان يحرك الجمود لتنتفض المنطقة وتنفض غبار التخلف الفكري والسياسي الذي غطاها بالكامل. ولم يكن يهدف بمغامرته قصيرة النظر الى تطوير فرص تكافؤية قائمة على استغلال الامكانيات المتاحة. لم تكن تلك (الغزوة) سوى (نزوة) رجل بات يشعر ان ارضه تضيق به، وان عليه البحث عن المزيد من الاراضي تضاف الى ملكه. تماما كأي ملك، او طاغية من طغاة القرون الوسطى.على ان تلك المغامرة جلبت قوى بعيدة الى المنطقة، بعد ان ثبت خطل (العمل العربي المشترك)، وبات المخرج الوحيد للازمة هو بالتحالف مع (الشيطان) للخلاص. ولم تجد دول المنطقة بدا من الانضمام الى هذا الحلف، بعد ان اسقط في يدها واصبحت امام الخيار: اما عدو او حليف. ثم ما لبثت هذه القوة (المحررة) ان تطورت وتبلورت وحددت اهدافا استراتيجية، بعد ان حققت هدفها التكتيكي الاول: تحرير الكويت.
وهكذا.. بدأ التغيير. ووضعت الخطة بكل تأن وصبر، واصبح من الواضح للمتتبع ان انظمة الحكم العربية تساق وئيدا الى تنفيذ هذه الخطط بعيدة الامد. واصبحت اشاعة الديمقراطية في الشرق الاوسط هدفا استراتيجيا للادارة الأمريكية، بعد ان كانت تتغاضى في ماضي الزمان عن الدكتاتورية السمجة لمعظم الانظمة في المنطقة. بل انها دعمت نظام صدام نفسه في حربه ضد ايران، على اساس انه يخدم مصلحة اميركا العليا، بمحاربته لدولة تجاهر بالعداء لاميركا.
ان النتيجة التي آل اليها النظام السابق لم تكن مفاجأة للكثيرين، ومسيرة التغيير التي بدأت قبل خمسة عشر عاما اقتضت هذه النتائج، وما تلاها من نتائج اخرى. فالديمقراطية، التي اوجدت لها مكانا راسخا في العالم الغربي، بدأت تتخذ موقعها في العالم العربي، موجهة قوة هائلة في عكس ارادات شعوب المنطقة، وضاغطة بشكل كبير على الحكومات مهما تكن طبيعة واستبداد تلك الانظمة.