Sunday, June 26, 2005

محاكمة متأخرة.. ام لا محاكمة؟

في لقاء مع قناة العراقية اكدت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليسا رايز ان الولايات المتحدة تريد ان ترى صدام حسين يواجه محاكم عادلة، وان دور الولايات المتحدة سيكون مساندا واستشاريا فقط، وانها لن تتدخل في مسيرة المحاكمة او القرار الصادر، حتى وان كان باعدام صدام لانه “قرار عراقي خالص” على حد تعبيرها.
والواقع ان تلك المحاكمة قد اخذت اكثر من الحيز الذي تستحقه، فاثبات الذنب ليس عسيرا مع شخص مثل صدام، مارس كل انواع التعذيب والقهر والتشريد والتقتيل ضد شعبه، وخاض حروبا عدوانية ضد جيرانه، وتحدى المجتمع الدولي في غير مرة. والحكم بالاعدام قطعا سيصدر لعدة مرات بحقه، كما الزبانية الاخرين الذين شاركوه تلك الجرائم.
واقول انها اخذت وقتا كثيرا لانها كان يمكن اجراؤها قبل فترة طويلة، وربما كان الوقت الامثل هو خلال اسبوع او اثنين من القاء القبض عليه، فان مجرد بقاء صدام حيا، وان كان في زنزانة، هو خيبة امل للشعب العراقي. ان الاحتجاج بالتحضير لمحاكمة عادلة هو امر يبعث على السخرية. فلو كان صدام قتل شخصا واحدا، لكان اثبت ذلك عليه بعد مضي هذه الفترة على اعتقاله. على ان الولايات المتحدة ادانه فعلا منذ قررت غزو العراق ل(تحرير) الشعب العراقي من قبضته. لقد كان بالامكان محاكمة صدام بموجب القانون العراقي، لتسببه في الويلات والمصائب التي حلت بالشعب العراقي منذ اعتلى سدة الحكم وقام بتصفية معارضيه علنا. او يمكن محاكمته عسكريا لفراره من ساحة المعركة، واعدامه نتيجة هذا الفعل استنادا للقانون الذي سنه بنفسه. او محاكمته شرعيا لدأبه على قتل علماء الدين الافاضل، والمدافعين عنه، كلما عنّ له ذلك. ولم يكن لينجو من محاكمة عشائرية لما تسبب به من اذلال لشيوخها وفتيانها، وعبثه غير المبرر بتقاليدها وانسابها، وتسييده لاراذلها على اشرافها.
لقد كان بالامكان محاكمة صدام دوليا ايضا، ابتداء من استخدامه الاسلحة الكيمياوية ضد الاكراد عام 1989. وغزوه الكويت عام 1990، وتحديه المجتمع الدولي طيلة الفترة التي تلت ذلك، خصوصا وان مجلس الامن قد ادان جميع هذه الافعال بقائمة طويلة من القرارات الملزمة. ولو اتيح للشعب العراقي ان يحاكمه بنفسه لقاضى كل فرد فيه هذا الحاكم القاسي، فلم يخلُ بيتٌ من ظلمه وشره، حتى اقرب المقربين اليه.
ومن المعروف ان بعض كبار رجال العصابات في الولايات المتحدة والذين ارتكبوا جرائم عديدة ضد الافراد والمجتمع، قد تعذر اثبات ايا من تلك الجرائم بحقهم. ولكنهم مع ذلك ادينوا بجرائم مثل التهرب من دفع الضرائب. فرغم كل شيء فقد دفعوا ثمن ما عن جرائمهم. ولكننا نرى صدام يعامل كمتهم له حقوق يجب ان تصان، ولا ندري متى سيتم توجيه الاتهامات بحقه ومحاكمته اصوليا لتنتهي هذه الصفحة السوداء في تاريخ العراق. وقد عبر الكثير من العراقيين عن خشيتهم ليس فقط من تأخير هذه المحاكمة، وانما من عدم اجرائها بالمرة. وسيكون ذلك امرا مؤسفا حقا.