Monday, May 30, 2005

رحم الله عقيلا

عامان مرّا على تحرير العراق.. شهدا احداثا جلل، وسجلا تاريخا مفجعا، من الاعتداء والارهاب والقتل الجماعي العشوائي، والاغتيال المنظم المبني على الاستهداف للشخصيات الوطنية، والسياسية والفكرية، والتي انعقدت عليها الامال في بناء العراق الجديد.
وقد بدأت مرحلة الدم تلك يوم ان قرر ثلة من المجرمين البائسين تصفية الصحفي الشهيد عقيل الجنابي، مؤسس جريدة الفيحاء البابلية، فاختاروا ان يسلبوا منه حياته، في محل عمله، وفي وضح النهار، وامام مرأى ومسمع العديد من جيرانه واصدقائه، ليعلنوا رسالة العهد الجديد: الارهاب بشقيه المنظم والعشوائي.
ورغم ان الجريمة سجلت ضد مجهول، الا انها ليست كذلك بالنسبة لبعض الناس. هؤلاء الذين شهدوا هذا الحادث الفاجع، وربما سمعوا جزءا من الحوار الذي دار بين الشهيد والقتلة، لم يستطيعوا ابدا ان يخرجوا من شياطينهم للبوح بهذا السر، الذي اخشى ان يقودهم الى حتفهم بكتمانه، اكثر من خوفهم على حياتهم بافشائه. ولا استغرب السكوت، فهذه شيمة الكثيرين من الذين تعودوا الاذعان والتذلل، والذين امدوا النظام البائد بخمس وثلاثين سنة من الطغيان والاستبداد وهضم الحقوق، والجريمة المغلفة بقانون الدولة.
لقد قدم لنا الشهيد الجنابي حياته قربانا للعهد الجديد، بتصديه للظلم، وبجرأة قلمه، وبوقوفه في مواجهة الباطل في وقت لم تكن الاشياء قد انكشفت، ولم يكن لاحد ان يتحسب ليومه او غده. اعلن نفسه كشمس الضحى ليراه القاصي والداني، بينما استكان اخرون خلف النوافذ يتربصون ليروا ما تصير اليه الامور.. لقد اراد الشهيد عقيل ان لا يُسرق التاريخ مرة اخرى، فيكتبه الانتهازيون والفضوليون، بل تصدى لكشف الزيف في التاريخ السابق، ولوضع القواعد الصحيحة لكتابة التاريخ الذي سيقرؤه ابناؤنا واحفادنا.
واليوم، وبعد ان مر عامان على استشهاد عقيل الجنابي، حريّ بنا ان نستذكر بطولته الفذة في مواجهة حملة الساطور الذين ارادوا لشعلته ان تنطفيء.. وبكل اسف فقد تمكنوا من ذلك، طالما هم احرار طليقين. ولكي نوقد تلك الشعلة من جديد فانني اتوجه بالسؤال الى كل من يهمه الامر ان يعاد التحقيق في مقتله، وان يستجوب كل من له صلة بالموضوع.. فقد تغيرت امور كثيرة منذ ذلك الحين، ولعل الله يحدث امرا ويظهر حقيقة ظلت طي الكتمان طيلة سنتين، لترتاح روحه التي اشعر بها ترفرف فوق رؤوسنا جميعا.. نحن الذين خبرناه وعرفناه وبكيناه.
رحم الله عقيلا.. اول شهداء الحرية والكلمة الصادقة.
ورحم الله عقيلا.. الشهيد ابن الشهيد.
وانا لله انا اليه راجعون.