Monday, May 09, 2005

فرص متساوية.. ديمقراطية حقيقية

واخيرا بعد انتظار طويل تشكلت الحكومة، وولدت بعد مخاض عسير كما يقال. وواضح انها نتاج تحالفات وصفقات مبنية على استحقاقات انتخابية اولا، وعلى توازنات ظاهرية تحمل سمة الشمولية والتنوع كمنظور عام، لكنها لا تصمد امام ابسط الاعتراضات، مما يجعلها هشة وغير متقنة، رغم استغراقها فترة ثلاثة شهور للاعداد والتحضير، ونتيجة لذلك ستجد نفسها على الدوام في موقف الدفاع.
فمنذ بداية العملية السياسية، اتخذت الاجراءات منحىً غير معتاد، بان دارت اولاً مفاوضات مكثفة ضمن قائمة الائتلاف والتي فازت باغلبية المقاعد البرلمانية، ثم بعد تسكين الخلافات انتقلت تلك القائمة الى طور التحالف مع القائمة الكردستانية، وما شاب هذا التحالف من احتمالات لعقد صفات سياسية على حساب قضايا مصيرية. وانعقدت الجمعية متأخرة شهرين بدعوى عدم جدوى الانعقاد ما لم يتم الاتفاق على شكل وتوزيع الحكومة المقبلة. ومع ذلك لم تولد الحكومة مع بواكير اجتماعات الجمعية، فقد كانت المفاوضات مستمرة بين الكتل الرئيسة. ورغم ان الحكومة أقرّت الان، الا ان سبعة من المراكز الوزارية أجـّلت لوقت لم يعين، وقد يأخذ اشغالها فترة ليست بالقصيرة.
فهل يُعد كل هذا طبيعيا في تشكيل الحكومات؟ ربما كان طبيعيا في حالتنا بسبب عدم التعود على النظم الديمقراطية، وعلى خوض العمليات السياسية وفق الاصول البروتوكولية المتبعة عالميا. ولكن لا نستطيع ان نقول ان ساستنا (جاهلون) بهذه البروتوكولات. سيما وان جـُلـّهم عاش خارج الوطن لفترات طويلة، ومنهم من عاش وتعلم في بلدان متجذرة في الديمقراطية.. وكنا نتوقع من هؤلاء ان ينقلوا التجارب التي اطلعوا عليها، وتحويرها لتناسب طبيعة المجتمع العراقي ان لم تكن كذلك. ولكننا نرى انهم يتظاهرون بهذا الجهل لغاية في نفس يعقوب.. فقد تنقلب عليهم الديمقراطية، ويصبحون هم اول ضحاياها، اذا مارسوها بشكل يضمن تساوي الفرص.. وهو واحد من اهم المباديء الديمقراطية.
ولن نتوقع لهذه الحكومة التي ولدت بعملية (قيصرية)، ونقلت الى قسم الخدج على الفور، ان تكون فعالة الى حد كبير. فاستقلالية المراكز الوزارية تفرضها طبيعة التحالفات التي انشأت الحكومة. وتقييد رئيس الوزراء باربعة نواب، انما هو تحجيم لدوره الذي رسمه له قانون ادارة الدولة المؤقت، الذي توقع ان يتولى رئيس الوزراء قيادة الحكومة بشكل قوي تحت اشراف مجلس الرئاسة، ومتابعة الجمعية الوطنية. واستئثار اطراف معينة بوزارات بذاتها يدل على طموح للسلطة اكثر منه رغبة في الخدمة العامة. ان آليات الديمقراطية لا تفترض حسن النية من احد، ولكنها تمنح الجميع فرصا متكافئة، وتستطيع ان تقلب عجلتها لتمنع التسلط والاستبداد.
والملاحظ ان الجمعية الوطنية التي يجب ان ينصب اهتمامها على الناحية التشريعية والرقابية تتجه شيئا فشيئا الى تولي المهمة التنفيذية بنفسها. وبعد اكثر من شهر لم تعتمد نظاما داخليا، في بادرة غير حسنة بالمقارنة مع المهمة الاساسية لها في هذه الفترة وهي اعداد مسودة الدستور. فكيف ستكون مناقشة مسودة الدستور داخل الجمعية عند اعدادها وقبل عرضها على الاستفتاء؟ وكم سيتطلب الاتفاق على هذه المسودة قبل استحصال موافقة الجماهير عليها؟ على ان مسألة النظام الداخلي هذه قد لا تكون اكثر من مناورة بحد ذاتها لاشغال المجلس التشريعي بشيء ما، بينما يتم توزيع (الكعكة) بين الفائزين.