Monday, May 23, 2005

صياغة الدستور والاستحقاق الانتخابي

لا يخفي الكثيرون خيبة املهم من نتائج الانتخابات الاخيرة، والتي خاضوها تحت تهديد الارهاب. ولكنهم قبلوا التحدي املا في احداث تغيير في كافة النواحي، وان تسيدها الجانب الامني، وبدرجة لا تقل اهمية الاصلاح السياسي والاقتصادي وصولا الى استقرار كامل يعكس وجه الديمقراطية المشرق الذي يتجه اليه العراق.
لكن نتائج الانتخابات لم تكن مع الاسف ممثلة للواقع العراقي ولاطيافه المختلفة. وتوزعت تلك الاطياف جغرافيا بشكل عام، وان توافر تمثيلها في كل المناطق العراقية، بل ان مدينة واحدة على الاقل ضمتها جميعا، وتلك هي كركوك.
ومن المعروف ان العرب الشيعة، الذين مثلتهم قائمة الائتلاف، قد حصدوا اغلبية المقاعد في الجمعية الوطنية. بينما جاءت قائمة التحاف الكردستاني ككتلة ثانية في البرلمان، ليشكل تحالفها قوة مهيمنة لا تكسر لها شوكة ولا يلوى لها ساعد. ورغم ان ذلك هو الحال في جميع الديمقراطيات العالمية، الا ان وضع العراق يتميز بحساسية اكبر. فمن ناحية تعد تلك الانتخابات التجربة الاولى التي تعيها الذاكرة العراقية، ومن ناحية اخرى جرت هذه الانتخابات في ظل وضع غير مستقر وغير متجانس. بمعنى ان التهديد الامني للمناطق التي حصدت اغلبيتها في البرلمان كان افضل بكثير من تلك التي فاتها قطار الانتخابات. والواقع ان تمثيل الاطياف العراقية على اساس الطائفة والعرق فيه تجنٍ كبير، وهو تقسيم سطحي لا يقيم لدور الاحزاب السياسية والمنظمات المهنية والاجتماعية اي وزن. فليس الشيعة كلهم ينضمون تحت لواء شيعي، وليس لهم هدف انشاء دولة شيعية. كما ان السنة ليسوا غرماء لهم، وكون الفئة الحاكمة للنظام السابق تنتمي مذهبيا لهذه الطائفة لا يجعل السنة شركاءهم.
نعم لقد مدت قائمتا الائتلاف والتحالف يدهما لاشراك السنة العرب والاقليات الاخرى في الحكم. لكن شبح (الاستحقاق الانتخابي) كان مهيمنا على كل مراحل تشكيل الحكومة الانتقالية وبقي قرار الاختيار بيد رئيس الوزراء، الشيعي قبل كل شيء.
وامتدت عدوى (الاستحقاق الانتخابي) الى اهم واجبات الجمعية الوطنية في الظرف الراهن، والذي يفترض انه سيحدد مستقبل العراق، وهو صياغة الدستور الدائم، والاستفتاء عليه، ومن ثم اجراء الانتخابات استنادا اليه. فبعد تأخير وتسويف كبيرين، تم تشكيل اللجنة الدستورية مؤلفة من خمس وخمسين عضوا، وموزعة على اساس (الاستحقاق الانتخابي) اي نسب تمثيل كل فئة في الجمعية. ولعمري ان ذلك اجحاف غير مبرر، وانتكاسة كبيرة للمسيرة الديمقراطية. فالمبدأ الاساس في صياغة الدستور هو بلورة نصوص تمثل الواقع العراقي وتعكس طموحاته، وتجسد تفرده. وهي مباديء يمكن الوصول اليها من خلال لجنة تكنوقراط تضم خبراء في القانون والدستور علاوة على سياسيين واعلاميين واقتصاديين واكاديميين كجهات مساندة او استشارية.
ويبدو لي ان تلك اللجنة، بنسب تمثيلها الحالية، ستعمل على تحقيق مصالح خاصة وادراجها في نصوص الدستور وجعلها واقعا يصعب تغييره او تجاوزه فيما بعد، اكثر من كونها ستتنتج دستورا حضاريا يليق بالتضحيات التي قدمها ولا زال يقدمها الشعب العراقي المبتلى. يضاف الى ذلك احتمال تأخير الاعلان عن الدستور نتيجة خلافات سياسية، او رفض بعض الاطياف له في الاستفتاء الشعبي.. وكلا الامرين سيدخلان البلاد في متاهة من الفوضى السياسية، لا يعلم الا الله كيف يكون منتهاها.