Wednesday, December 28, 2005

الامم المتحدة هي الحَكم في الانتخابات

لم تكن مجمل نتائج الانتخابات الاخيرة مفاجأة كبيرة. فقد كان فوز قائمة الائتلاف العراقي الموحد متوقعا في محافظات الجنوب والوسط. بل انها كانت تشكل منافسا قويا ورئيسا في مناطق بغداد وبعض المناطق ذات الاغلبية السنية كذلك. فهذه القائمة التي حظيت بتأييد شعبي واسع نجحت في استمالة اغلبية الناخبين من الطائفة الشيعية بعد ان اصدرت المرجعية الشريفة مجموعة من الوصايا في الانتخاب تكاد لا تنطبق على غير قائمة الائتلاف.
وليس مفاجئا كذلك تمكن هذه القائمة من حصد المقاعد البرلمانية منفردة في معظم المحافظات الجنوبية. وهوت امامها قوائم كانت تعتبر منافسا قويا، كالقائمة العراقية لاياد علاوي، والمؤتمر الوطني لاحمد الجلبي، وقائمة الكفاءات لعلي الدباغ، وقائمة مثال الالوسي، وقائمة ليث كبة، وقائمة حازم الشعلان، وقائمة ابراهيم بحر العلوم وغيرها كثير. وبات معظم هؤلاء في انتظار المقاعد التعويضية للحصول على مقعد او اثنين في مجلس النواب القادم.
لكن المفاجأة ان يهزم الحزب الشيوعي العراقي في عقر داره، محافظة بابل، فلا يستطيع رغم تحالفه مع القائمة الوطنية العراقية، الحصول على مقعد واحد لممثله مفيد الجزائري، ابن الحلة والمسؤول الثاني في هذا الحزب.
والمفاجأة ان لا يتمكن اهل السنة من الحصول ولو على مقعد يتيم من بين المقاعد الاحد عشر المخصصة للمحافظة، رغم انهم يشكلون نسبة تتراوح بين 15 الى 20% من سكان المحافظة. خصوصا وانهم هذه المرة شاركوا بكثافة في مناطق شمال المحافظة بعد ان وفرت قوات الشرطة والجيش العراقي الظروف الامنية الملائمة.
واذا كان من غير المعقول ان تتم اية انتخابات في العالم بدون حصول خروقات، فانه من غير المعقول ايضا ان تكون الخروقات التي حصلت في انتخاباتنا قد ادت الى فوز قائمة واحدة وخسارة الباقين جميعا. فالتزوير –اذا كان قد حصل فعلا- يجب ان يمتد ليشمل قطاعا واسعا من موظفي الانتخابات، وبمشاركة كبيرة من المؤيدين والمناصرين بين المراقبين، وبطرق فنية وخدع واساليب تضليل من المستبعد ان نكون قد حصلنا عليها، ونحن لا نبلغ سوى عامين من الديمقراطية واللعبة الانتخابية.
لذلك فبدلا من الطعن في نتائج الانتخابات يجب على جميع الكيانات السياسية ان تعيد النظر في استراتيجياتها، وبرامجها وخطابها الجماهيري. ويجب على هذه الكيانات ان تراعي الظروف والاوضاع الراهنة عندما تتوجه للمواطن، لا ان تنعزل في صومعة اغلب الوقت، ثم تنزل من عليائها فقط في فترة الحملة الانتخابية. فبدلا من ان تلعن الظلام اشعل شمعة. ولكن في المقابل، فقد اعترفت المفوضية العليا للانتخابات ان من بين المئات من الشكاوى التي استلمتها بعد الانتخابات، فان هناك شكاوى حول مخالفات جدية يبلغ عددها بضعة عشرات، وانها بصدد التحقيق في كل واحدة والنظر في الاجراءات المترتبة عليها في حالة ثبوتها. وتلك الاجراءات قد تكون بالغاء نتائج الانتخابات في احد المراكز او المحطات الانتخابية، كما حصل في تركيا مثلا. وقد تكون باعادة الفرز والعد، او بالغرامة والفصل للموظفين المقصرين وغير ذلك. لكنني لا اعتقد ان نتائج الانتخابات سوف تتغير جوهريا باي من هذه الاجراءات. كما ان طلب اعادة الانتخابات بناءا على تلك الشكاوى قد لا يكون امرا عمليا، نظرا لعدم وجود آلية لمثل هذا الاجراء. فقانون ادارة الدولة والدستور الدائم كلاهما لا يعالج الحالة التي تنجم عن عدم قبول لنتائج الانتخابات، ولا يحددان مرجعا قضائيا للفصل في المنازعات الناشئة عن هذا الرفض. ويبدو ان واضعي كلا منهما كانت تحدوه حسن النية ويفترض ان الامور ستسير على ما يرام على الدوام.
ومع ذلك يبقى هناك دائما مجال لتدخل راعية العملية السياسية وضمانتها في العراق، واعني بذلك الامم المتحدة. فهذه الهيئة الدولية هي التي شكلت مفوضية الانتخابات، وهي التي تساعدها في عملها بتوفير الخبرات والكفاءات والتدريب اللازم لانجاح العملية الانتخابية المعقدة، اضافة الى الدعم اللوجستي. وهذه المنظمة الدولية تمتلك من الشرعية الدولية والمحلية ما يكفي لمليء اي فراغ قانوني نتج عن الاعداد المتعجل لقانون الدولة الاساس.
واخيرا فان الامم المتحدة بامكانها ان تكون الحكم في اي نزاع قانوني، نظرا لكونها اصلا من امضى قانون ادارة الدولة، ومن قبله الجدول الزمني للعملية السياسية في العراق. وهي التي اشرفت على تشكيل اول حكومة ذات سيادة. كما انها ساعدت في انجاح العمليات الانتخابية الماضية. واذا استمرت الازمة السياسية الناجمة عن عدم القبول بالنتائج المعلنة من قبل المفوضية، فستكون هيئة الامم المتحدة الجهة الوحيدة القادرة على فض الخلاف، والقادرة على فرض النتائج او اعادة الانتخابات اذا وجدت ذلك مناسبا.