Wednesday, December 21, 2005

المعركة القادمة اشد من معركة الانتخابات

بعد ان وضعت معركة الانتخابات اوزارها، وهدأ هدير الدعاية الانتخابية، وسكتت طبول الاتهامات المتبادلة بين الفرقاء السياسيين.. وبانتظار اعلان النتائج النهائية وحصة كل من الاحزاب والتنظيمات من مقاعد مجلس النواب ذي الاربع سنوات، لابأس في وقفة للنظر في ما يمكن ان يحدث من تحالفات في طريق تشكيل الحكومة التالية، وما يمكن ان تتمخض عنه هذه التحالفات.
وليس بخاف ان قائمة الائتلاف العراقي الموحد قد استطاعت ان تحقق فوزا منقطع النظير في مناطق الجنوب والوسط، بمنافسة ضعيفة من القائمة الوطنية العراقية، وبانعدام الوجود الجدي لاية قائمة اخرى، من بينها قوائم لشخصيات ذات بعد سياسي يمتد لفترة طويلة، ويفترض ان تكون قادرة ولو على اثبات وجودها في هذا المعترك. وتشير النتائج الاولية ان قائمة الائتلاف يمكن ان تحصل على نسب تزيد على 80% من المقاعد المخصصة للمحافظات الجنوبية والفرات الاوسط. بينما نافست القائمة الوطنية قائمة جبهة التوافق العراقية في محافظات غرب العراق، وانفردت قائمة التحالف الكردستاني في حصد مقاعد محافظات شمال العراق. ويبقى امل بسيط لجميع الكيانات السياسية في احتلال مقعد او اثنين من جملة المقاعد التعويضية البالغ عددها 45 مقعدا.
ان الحسابات المعتمدة على النتائج غير الرسمية والتي تعلنها الاحزاب من جانبها دون ان تؤكدها او تنفيها المفوضية العليا للانتخابات، تشير الى ان ما يزيد على نصف المقاعد البرلمانية سوف يذهب الى قائمة الائتلاف، يليها التحالف بما يقارب الخمس، والقائمة الوطنية والجبهة باقل من ذلك، وما تبقى سيتوزع فرادى او مجاميع صغيرة لكيانات تمثل الاقليات المختلفة.
وعلى هذا الاساس فان القائمة (الشيعية) ستأخذ الحصة المناظرة لنسبة عدد السكان (الشيعة)، ونفس الامر ينطبق على القائمة (الكردية)، بينما بقي تمثيل (السنة) موزعا بين القائمة الوطنية (العلمانية) وجبهة التوافق (السنية). ونظريا يمكن للائتلاف باحتلاله اغلبية المقاعد ان يشكل الحكومة القادمة بدون منازع. ولكن يجب على الائتلاف ان يجد حليفا لمساندة انتخاب مجلس الرئاسة الذي يقتضي حصوله على ثلثي الاصوات البرلمانية. وعلى الارجح سوف يعيد الائتلاف تحالفه السابق مع التحالف الكردستاني لهذه الغاية. وفي هذه الحالة فسوف يعمل التحالف على ضمان حصوله على منصب الرئاسة الاول واحدى الوزارات (السيادية) وتحديدا وزارة الخارجية.
واذا حاول الائتلاف ان يشكل حكومة وحدة وطنية، فربما ستكون مشابهة للتي شكلها الدكتور ابراهيم الجعفري. فجبهة التوافق سوف تطالب بمنصب نائب رئيس الجمهورية ووزارتين سياديتين وربما وزارتين اخرتين. اما القائمة العراقية فانها لن تقبل باقل من منصب رئيس الوزراء، او منصب نائب رئيس الجمهورية مع وزارتين سيادتين. غير ان القائمة العراقية التي طرحت رئيسها الدكتور اياد علاوي منذ البداية كرئيس للحكومة المقبلة، فانها قد لا تستطيع الحصول على أي مقعد وزاري، وستقنع بدور المعارضة.
ويبقى مجال للمناورة عبر منصب نائب رئيس مجلس الوزراء مع جميع القوائم التي تروم المشاركة في الحكومة. من جهة ثانية، فان الائتلاف قد لا يعيد ترشيح الجعفري، نظرا لتعدد الاحزاب والكيانات ضمن هذه القائمة. فالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق والذي يشكل العمود الفقري لتلك القائمة لن يتخلى هذه المرة عن رئاسة الحكومة، كما ان التيار الصدري سوف يضغط بقوة ليكون في طليعة الحكومة، من خلال مناصب وزارية مهمة.
اما اذا انفردت قائمة الائتلاف بتشكيل الحكومة وارسلت بقية القوائم الى جناح المعارضة، فانها سوف لن تكون قادرة على تقديم أي شيء مهم. وهي بذلك ستكون وضعت حدا للتقدم الديمقراطي، وترسخ مبدأ سيادة الاغلبية بدون مراعاة الاقليات، وبالتالي سوف ينفرط العقد السياسي، وتطغى الحكومات المحلية على سلطة الحكومة الوطنية. لكن هذا الاحتمال بعيد لان قائمة الائتلاف تدرك جيدا ان نجاحها يعتمد بشكل اساس على التوافق الوطني.
ان المعركة القادمة، المتمثلة بتشكيل الحكومة ربما ستكون من اشد المعارك الديمقراطية التي شهدها العراق، نظرا للتنافس القوي على المناصب المتقدمة. وقد يستغرق تشكيل الحكومة فترة تزيد على فترة الثلاثة اشهر التي استغرقتها حكومة الجعفري. واذا اخذ بنظر الاعتبار ان المجلس النيابي سوف يعيد النظر في الدستور، بدون استثناء مواد معينة، حسب الاتفاق الذي ابرم مع الحزب الاسلامي قبيل الاستفتاء على الدستور، فان التأخير في تشكيل الحكومة سوف يؤثر بشكل جدي على هذا الاستحقاق المهم. وسيكون النجاح في الايفاء بهذا الاستحقاق اول مؤشر على الخروج من عنق الزجاجة الذي دخل في الوضع العراقي بعد طغيان التوجه الطائفي الذي اكدته نتائج الانتخابات. واذا مرر الدستور شعبيا فاننا نعتقد ان المستقبل سيكون اكثر اشراقا مما يبدو عليه اليوم، وهذا امتحان آخر امام جميع المكونات السياسية للعمل سوية من اجل هذه الغاية.