Tuesday, September 20, 2005

ماذا لو رفض الدستور؟

يتساءل البعض عن العواقب الناتجة عن رفض الدستور، سواء بالتصويت العام بان لا يحصل على الاغلبية في عموم العراق، او برفض ثلاثة محافظات باغلبية الثلثين. فحسب قانون ادارة الدولة، في الفقرة (هـ) من المادة 61: (اذا رفض الاستفتاء مسودة الدستور الدائم، تحل الجمعية الوطنية، وتجري الانتخابات لجمعية وطنية جديدة في موعد اقصاه 15 كانون الاول 2005. ان الجمعية الوطنية والحكومة العراقية الانتقالية الجديدتين ستتوليان عندئذ مهامهما في موعد اقصاه 31 كانون الاول 2005، وستستمران في العمل وفقا لهذا القانون، الا ان المواعيد النهائية لصياغة المسودة الجديدة قد تتغير من اجل وضع دستور دائم لمدة لا تتجاوز سنة واحدة. وسيعهد للجمعية الوطنية الجديدة كتابة مسودة لدستور دائم آخر).
وهذا يعني ان موعد الانتخابات في منتصف كانون الاول 2005 سيبقى كما هو، ولكن سيصار الى انتخاب جمعية انتقالية جديدة تكتب الدستور، بدلا من الجمعية الحالية. والواقع ان من يرفض الدستور لايجد غضاضة في هذا الاجراء، سيما وانه سيتمكن من المشاركة بقوة في الانتخابات وسيحصل على مقاعد برلمانية تعطي له الحق في ان يبدي رأيه في كتابة الدستور مستندا الى قاعدة شعبية اوسع. والواضح ان ممثلي الطائفة السنية في العراق يشعرون بالتهميش نتيجة لغايبهم او تغييبهم عن الانتخابات الماضية، التي افرزت (اغلبية شيعية) كتبت مسودة الدستور، كما يعتقدون، بنَفسٍ طائفي، وفرضت رأيها في النهاية ناقضة التزامها الابتدائي مع هؤلاء الممثلين بان تكون العملية توافقية.
ومن جانب اخر، اذا لم يستطع ممثلو العرب السنة من التحشيد اللازم لرفض الدستور، فعلى الاغلب انهم سيشاركون في الانتخابات القادمة في كل الاحوال. ذلك انهم تعلموا الدرس نتيجة غيابهم في المرة الماضية.
ولكن.. هل سيتمكن مقاطعو الانتخابات الماضية من المشاركة في الانتخابات القادمة، وقبلها الاستفتاء على الدستور؟ لقد كان السبب الرئيس لتغيبهم في المرة الماضية هو اضطراب مناطقهم والتهديد الجدي للارهاب فيها، فقد كان مجرد التصويت يعرض المواطن للقتل. وقد اشتركت فعلا قوائم تمثل العرب السنة، مثل قائمة عدنان الباجة جي وقائمة غازي الياور وقائمة مشعان الجبوري وغيرها. ولكن نظرا لطبيعة النظام الانتخابي الذي اعتمد العراق منطقة واحدة فانهم لم يستطيعوا الحصول الا على مقاعد برلمانية قليلة، او لا شيء على الاطلاق. وحتى الذين انسحبوا من الانتخابات لم يكونوا ضد فكرة الانتخابات، وانما طالبوا فقط بتأجيلها، اوتعديل النظام الانتخابي.
والان، طالما كانت نتائج الاستفتاء تعتمد على المحافظات بنفس القدر الذي تعتمد فيه على جميع الوطن، فان اية مشاركة ستكون مؤثرة. فاذا استطاعت المحافظات الغربية ان تحشد لمشاركة كثيفة، فهناك احتمال اسقاط الدستور في التصويت العام، ذلك ان هناك بعض الاطراف في اوساط الطوائف الاخرى ليست مرتاحة جدا لهذا الدستور.
اما اذا كانت المشاركة ضعيفة، فان قانون ادارة الدولة لم يحدد العدد الادنى للناخبين، وبالتالي ازدادت فرصة اسقاط الدستور عن طريق ثلثي ثلاث محافظات، حيث ان من يشارك في الاستفتاء سيحرص على ان تكون مشاركته فاعلة نظرا للمخاطر المحدقة. ومعنى المشاركة الفاعلة قد يكون بالتصويت بـ(نعم) او(لا) حسب التثقيف الذي سيجري خلال الفترة التالية.
ان العملية الانتخابية الماضية لم ترق الى مستوى توحيد الشعب العراقي، رغم ان هذه الوحدة كانت ضرورية للتمهيد لكتابة الدستور الدائم. وقد حاولت الاطراف المشاركة والفائزة في الانتخابات ان تمد يدها الى اولئك الذي لم يتسن لهم المشاركة. ولكن ليس من يملك صوتا في البرلمان كمن لا يملك. وقد تحولت الاستحقاقات الوطنية الى استحقاقات انتخابية، ونتيجة لذلك، اصبحت كتابة الدستور استحقاقا انتخابيا، كما هو واضح من تشكيلة اللجنة الدستورية.
ان رفض الدستور في الاستفتاء قد يكون امرا سيئا، ولكن علينا ان نتوقع هذا الامر على كل حال. ان الاكثر سوءا من ذلك هو ان يبادر البعض الى رفض هذا الرفض، وهو ما سيؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها. ان كتابة الدستور هي عملية معقدة وتتضمن تسويات وتنازلات. ونحن نعلم انها لم تأخذ الوقت الكافي، لذلك يجب ان لا نفاجأ بكبوة تعيدنا الى المربع الاول. ولكن علينا ان نبدأ من جديد، في تلك الحالة، بانفتاح اكثر وبروح وطنية اعلى.
على انني اتمنى مخلصا ان يجتاز الدستور امتحان الاستفتاء، وان تتقدم العملية السياسية خطوة اخرى للامام. حيث ان دستورا ناقصا، يمكن تعديله لاحقا، خير من لا دستور. والبدء من جديد قد يكون مفيدا، ولكنه قد يكون هدرا للوقت. وما احوجنا الى كل ساعة وكل يوم في الوقت الراهن.