Tuesday, September 13, 2005

فاجعة الجسر.. والتبرعات

لعل حادث التدافع على جسر الائمة اثناء زيارة الامام موسى الكاظم (ع)، والذي اودى بحياة المئات من العراقيين واصابة الكثيرين غيرهم، لعل هذا الحادث المأساوي هو اسوأ حادث يقع في يوم واحد في تاريخ العراق، وليس فقط في فترة ما بعد التغيير. ان عدد الضحايا وصل الى رقم مرعب حقا، وقد كان يمكن ان يتسبب في سقوط الحكومة، او على الاقل بعض الوزراء المسؤولين بصورة مباشرة عن حماية الشعب. ولكن لم يحدث شيئا من ذلك نظرا لظروف المرحلة الانتقالية، والشعور بان كل شيء هو مؤقت ريثما ينجز الدستور وتنتخب الحكومة (الدائمية) بموجبه.
واللافت في هذه الحادثة الاليمة حصول حالة من التوحد بين اطياف النسيج العراقي من خلال مساهمة الاخوة من السنة في انقاذ المصابين، او التبرع بالدم، وما شابه ذلك. هذه الوحدة الوطنية ربما نحن بامس الحاجة اليها الان بعد ذلك السجال الطويل، والجدال العنيف، بين الاطراف المتنازعة حول فقرات الدستور المختلفة. وفي لحظة خلنا اننا لن نعود شعبا واحدا، بل فئات وقوميات وطوائف متناحرة تسعى لتحقيق مآربها، بغض النظر عن المصلحة الوطنية. ومع المحاولات المستمرة لجر العراق الى حرب طائفية، اعتقد الكثيرون انها واقعة لا محالة، وانها مسألة وقت لا اكثر. ولكن جاءنا اختبار الجسر ليضعنا امام السؤال: هل نحن شعب واحد؟ واجاب الشعب هذه المرة بنعم.
وتوطدت هذه الاجابة التي تدل على عمق الوحدة الوطنية مع بدء حملة جمع اللتبرعات لضحايا الفاجعة قل نظيرها. لقد كان موقفا مشرفا من كبار المسؤولين ان يكونوا على رأس المتبرعين وبارقام ليست بالهينة. وقد شعر ابناء الشعب العراقي انهم الان اكثر امانا، بعد ان ظنوا ان همّ المسؤولين في الدولة يتمثل باكتناز اكبر رقم ممكن في الحسابات المصرفية قبل ان يودعوا المنصب. ولكن هذه الحملة بدأت تأخذ منحى اخر بعد ان اصدر بعض الوزراء امرا يقضي باستقطاع راتب يوم (او اكثر) من جميع موظفي وزارته. ورغم ان هذا الاستقطاع قد لا يشكل عبئا حقيقيا على الموظف، لكن حقيقة فرض التبرع على الموظف يعيد الى الاذهان ممارسات النظام البائد، والتي ارهقت في النهاية معظم شرائح الشعب.
ومن ناحية اخرى، فقد اظهرت الرغبة الشديدة في التبرع لضحايا يوم الجسر المشؤوم ان التبرع (الطوعي) بالمال هو شيء ايجابي لا يتنافى مع كون العراق بلد غني يستطيع تقديم اي تعويض للشعب. فالمشاركة في الحدث تجعل الشعب كله في خندق المواجهة، بدلا من ان يكون متفرجا لا حول له ولا قوة. وقد كنا نأمل في حالة مشابهة منذ امد بعيد، ليست بالضرورة ان تكون بالتبرع من اجل ضحايا حادث ما، ولكن من اجل تحسين خدمة في مكان يكون بامس الحاجة الى ذلك. وهذا النظام معمول به في مختلف دول العالم، خصوصا الغنية منها، حينما لا تتمكن السلطات المركزية او المحلية من تقديم خدمة ما في الوقت المناسب. وهذا لا يعني اعفاء الدولة من مسؤولياتها، ولكن يعني خلق حالة من التوازن، بين الحاجة الانية وقدرة الدولة على المدى الطويل.
واخيرا، فان هول الفاجعة يمنع الكثيرين من التطرق الى كيفية توزيع الاموال التي يتم التبرع بها. اذ ليس من المعقول ان يتم الاعلان عن التبرعات، ثم ينتهي الامر عند هذا الحد. يجب تشكيل لجنة مشتركة بين الدولة واهالي الضحايا لجمع وتسجيل وايداع تلك التبرعات. كما تقوم هذه اللجنة بحصر الضحايا، من المتوفين والجرحى والذين اصيبوا بعاهة دائمة وغير ذلك، تمهيدا لمنح كل منهم استحقاقه. وقد تصل التبرعات، نتيجة الدعاية المكثفة والرغبة في المشاركة، الى ارقام كبيرة. وهذا امر جيد، ولكن ليس بالضرورة ان يقدم بالكامل الى اهالي الضحايا. فيمكن ان يحدد سقف مناسب للتعويض الفردي، ثم يصار الى تخصيص المتبقي في تطوير البنية التحتية في المنطقة التي يقطنوها، او توفير فرص عمل لاقربائهم، او انشاء مشاريع خدمية في مناطقهم.. الخ. لقد كانت الكارثة اكبر من التصور، وعلينا الان ان نوسع تصورنا، لمنع حصول كوارث مشابهة في المستقبل –لاسمح الله– بان نخصص جزءا من هذه التبرعات لتوظيف وتدريب كادر متخصص في تنظيم الزيارات والمواسم الدينية.