Wednesday, March 22, 2006

جلسة مفتوحة للبرلمان.. صوم لا ينتهي

أخيرا، وبعد ثلاثة شهور كاملة من الانتظار والترقب، انعقد مجلس النواب في جلسة خاطفة لم تستمر اكثر من 20 دقيقة. ولم يستطع المجلس اكثر من ان يعلن استمرار جلسته مفتوحة، وذلك تفاديا لتطبيق الدستور، الذي تشير المادة (55) منه الى ضرورة ان ينتخب مجلس النواب رئيسه ونائبيه في (اول جلسة). والواقع ان خيبة الامل التي رافقت هذا الاجراء فاقت خيبة الامل والاحباط نتيجة تأخر انعقاد البرلمان وعدم تطبيق مادة اخرى في الدستور (المادة (52)) التي تحتم على رئيس الجمهورية دعوة المجلس للانعقاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات (الذي كان ينبغي ان يتم يوم 25 شباط الماضي).
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن، الى متى يستمر التفسير الكيفي لمواد الدستور، ومن هو المسؤول عن مثل هذه التفسيرات؟ وكيف يمكن اتخاذ اجراء لمنع انتهاك الدستور من اية جهة كانت؟ انها اسئلة صعبة الاجابة، ليست لان اجاباتها غير واردة في الدستور، بل لان الاطراف السياسية المتناحرة اليوم غير راغبة في بحثها او الاهتمام بها.
ان من يقع عليه مسؤولية تفسير مواد الدستور هي ببساطة المحكمة الاتحادية العليا كما ورد في المادة (90) من الدستور (الفقرة 2). وقد حددت المادة (88) اختصاص مجلس القضاء الاعلى بصلاحيات المحكمة الاتحادية. ويقال لنا ان مجلس القضاء الاعلى هو من امضى تأجيل انعقاد المجلس النيابي، بحجة عدم سريان مواد الدستور قبل تشكيل الحكومة كما تشير المادة (139). واذا كان الامر كذلك، كيف مارس مجلس القضاء الاعلى صلاحيته استنادا الى دستور ليس نافذا بعد؟ اما اذا كان قانون ادارة الدولة لازال يُعد ساريا، فان المحكمة الاتحادية العليا هي التي تتولى مسؤولية النظر في دستورية القوانين والاجراءات، وهي مختلفة -حسب هذا القانون- عن مجلس القضاء الاعلى.
على كل حال لم يُعلن مجلس القضاء الاعلى قرارا خاصا بهذا الشأن، بناء على طلب من طرف او اطراف معينة. ولم يكن هذا القرار مبررا قانونيا او دستوريا كما كان ينبغي، بل كان مجرد مشورة (قانونية) قدمت للفرقاء السياسيين الذين يرومون التأخير لغرض اكمال (مشارواتهم) حول تشكيل الحكومة.
ان الاتفاق على جعل جلسة البرلمان مفتوحة او مستمرة الانعقاد هو مجرد تحايل مفضوح وساذج على الدستور. ففي الاعراف البرلمانية يمكن تأجيل الجلسة لفترة محدودة، عادة ما تكون ساعات قليلة. وان تطلب الامر ان تؤجل ليوم واحد فسيكون معنى التأجيل مبالغ فيه، ولكنه يبقى مقبولا. اما تأجيل الجلسة لفترة غير محدودة فيطلق عليه مصطلح آخر وهو (رفع الجسلة). اي اغلاق هذه الجلسة ومعاودة الانعقاد في جلسة جديدة بتاريخ لاحق. والامر يشبه ان تقول ان موعد افطار الصائم هو غروب الشمس، ولكن يمكن التأخير فيه. فهذا لا يعني اننا اذا استقبلنا صائما يمكننا ابقاؤه كذلك مطلقا. بل الواجب ان نبادر الى تقديم وجبة الافطار له باسرع وقت.
ان النية في تشريع اي قانون هو خدمة المصلحة العامة، وحمايتها من المصلحة الحزبية او الشخصية الضيقة. ولذلك تكون نصوص هذه التشريعات مهمة الى حد كبير. وتتزايد هذه الاهمية مع علو شأن هذا القانون، فما بالك باعلى القوانين قاطبة، الدستور؟ ان مهمة تفسيره وبيان معانية مفرداته يجب ان لا تبتسر وتموّه وتستغل لاغراض سياسية، خصوصا مع غياب الثقافة القانونية الشعبية. اذ ان معنى ذلك ان المتنفذين سياسيا انما يقومون على اشاعة الجهل، ويستغلون هذا الجهل لمصلحتهم، حتى مع ادعائهم ان ذلك في مصلحة المجموع. اذ ليس هناك اسوأ من حكومة تقوم على مثل هذه القيم، التي اقل ما يقال عنها انها غير شفافة.
من ناحية اخرى، فان الاجراء الذي تم التوافق عليه بذريعة المشاورات لتشكيل الحكومة، ربما يُعد سابقة يمكن ان تستخدم في المستقبل في مناورات اقل اهمية، ولكن اكثر تأثيرا. على ان تشكيل الحكومة لم يكن يوما مهمة تنجز خارج البرلمان. فمواد الدستور على الاجمال بينت كيفية تشكيل هذه الحكومة والخطوات الواجب اتباعها لانجاز هذه المهمة. ولم ترد كلمة (مشاورات) بهذا الشأن في الدستور مطلقا. لقد كان من الواجب ان يقوم المجلس باختيار رئيسه ونائبيه حسب الاصول في اول جلسة، وقبل ان تغيب شمسها. فاذا كان البعض يود التأخير ساعة بعد الافطار فلا بأس، ولكن ليس من الحكمة في شي ان بقي كل الشعب صائما الى اليوم التالي. فهذا الشعب كان صائما لعقود عدة، كان يحسبُ ان غده سيكون يوم العيد، ولكنه وجد نفسه مبتليا بصوم لا يلوح له افطار.